.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الأمانة

1217

الرقاق والأخلاق والآداب

مكارم الأخلاق

محمد بو سنه

عين النعجة

مبارك الميلي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1 – فضل أداء الأمانة 2 – تعريف الأمانة والتمثيل لها . 3 – وجوب إعطاء الوظائف للأكفاء 4 – تضييع الأمانة من أشراط الساعة

الخطبة الأولى

اعلم يا عبد الله وفقني الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن الأمانة من الإخلاق الفاضلة، وأنها أصل من أصول الديانة، وهي ضرورية للمجتمع، لافرق فيها بين حاكم وموظف وصانع وتاجر ومزارع، ولا بين غني وفقير، ولا كبير وصغير، فهي شرف الغني وفخر الفقير، وواجب الموظف ورأس مال التجار، وسبب شهرة الصانع، وسر نجاح العامل والمزارع، ومفتاح كل تقدم بإذن الله، ومصدر كل سعادة وفلاح بإذن الله، وليست الأمانة محصورة في الودائع التي تؤمن عند الناس من نقود وجواهر ونحوها، بل الأمانة أوسع من هذا كله، فالأمانة عمل لكل مالله فيه طاعة، وإجتناب كل مالله فيه مخالفة ومعصية، سواء كان ذلك في عبادة الله أو في معاملة عباده.

فالصلاة أمانة عندك مطلوب منك أن تؤديها في وقتها. إن لم يكن عذر شرعي كاملة - غير منقوصة مستوفية لفرائضها وأركانها وشروطها وسننها، وأداؤها بقلب خاشع وجسم مطمئن فإن فعلت ذلك فقد حافظت على الأمانة، وإن قصرت في جانب منها فقد ضيعت هذه الأمانة بقدر تقصيرك، والزكاة أمانة عندك أيها الغني مطلوب منك أن تؤديها في وقتها كاملة إذا جمعت الشروط، طيب بها نفسك لكي تطهر مالك وتزكي نفسك وتسلم من عقوبة إضاعتها، والصيام أمانة مطلوب منك أن تحفظه وتصونه عما يفسده، فلا يفكر عقلك إلا في خير ولا ينطق لسانك إلا حسناً ولا تسمع أذنيك إلا طيباً ولا تنظر عيناك إلا الى حلال ولا تمد يدك إلا إلى إصلاح ولا تسعى قدمك إلا إلى طاعة ومعروف، والحج أمانة الله في عنقك إن كنت ممن توفرت فيه الإستطاعة، فتنظر إلى المال الذي ستحج به أهو من حلال أم حرام، وهل جمعته من عرق جبينك أو جمعته من دماء الناس وسرقة أموالهم بغش أو رشوة أو رباً أو نحوها، وهل تريد بحجك سمعة ورياء أو تبتغي به وجه الله، المهم أن تفتش في نفسك قبل العمل لئلا تخسر الدنيا والآخرة، وبقدر ما يكون الإنسان مقصراً في عبادة من هذه العبادات يكون غير موف لأمانته تماماً، فينبغي لك أيها المسلم أن تستحضر في كل ساعة، وفي كل نظرة ولفتة وفي كل إشارة وعبادة وفي كل حركة وسكون أنك مطالب بالأمانة، فلسانك أمانة عندك، إن حفظته من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بعباد الله والقذف والفحش ونحو ذلك مما نهى الله عنه وأستعملته في ذكر الله وتلاوة كلامه فقد حفظت هذه الأمانة، والأذن أمانة، إن جنبتها إستماع المحرمات من الغيبة والملاهي والغناء واستعملتها في إستماع ما ينفعك في الدنيا والآخرة فقد حفظت الأمانة، ورجلك أمانة عندك، إن إستعملتها بالمشي إلى ما أمر الله كإكثار الخطوات الى المساجد لحضور الصلاة مع الجماعة أو منعتها من السير الى كل ما يغضب الله فقد حفظتها، وكذلك الفرج، إن جنبته الزنا وكل مانهى الله عنه وأستعملته فيما أباحه لك الله فقد حفظته، قال تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين وكذلك عقلك إن إستعملته فيما ينفعك ولم تستعمله في المكر والخداع والكيد للمسلمين فقد حفظته.

ومن معاني الأمانة أن يوضع كل شئ في مكانه اللائق به والمناسب له، فلا يعطي منصب الا لمن هو أهل وكفؤ له، أما من يعجز عن القيام به ويهمله فلايجوز إسناده اليه فعن أبي ذر قال: قلت يارسول الله ألا تستعملني – أي ألا تعطيني ولاية أو إمارة – قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: ((يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه)) فأين نحن من أبي ذر وأولئك الرجال الذين شهد لهم رسول الله بالخير؟.

إن الولاية أو المنصب أو الحكم شرطها: العلم والقوة وحفظ الأمانة، فالواجب أن يختار للعمل فيها أحسن الناس قياماً بها، و\أما ان أختار شخصاً لهوى أو رشوة أو قرابة فهذه خيانة من ولاه أو اختاره، قال : ((من أستعمل رجلاً على عصابة – جماعة – وفيهم من هو أرضى الله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين)) وعن معيقل بن يسار قال: سمعت رسول الله يقول: ((مامن عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) وفي رواية لمسلم: ((ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم أو ينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة)).

أيها الناس: إن الأمة التى لا أمانة هي التي تنتشر فيها الرشوة وتهمل الأكفاء وتبعدهم وتقدم الذين ليسوا أهلاً للمناصب، وهذا من علامات الساعة التي قد وقعت فقد جاء عن النبي أن رجلاً سأله عن الساعة فقال: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقال: وكيف أضاعتها؟ قال: إذا وسِدَ الأمر لغير أهله فانتظر الساعة))، ومن الأمانة أن لايستغل الإنسان منصبه الذي عين فيه من أجل منفعة له أو إلى قريبه، كأن يأخذ زيادة على مرتبه بطرق ملتوية، إما بتناول رشوة وإما بتناول رشوة بإسم هدية، يتناولها هذا الخائن بأي وسيلة كانت، ثم مع هذا يريد أن يحللها بنوع من أنواع التأويلات. ألا فليعلم أن كل ذلك غش وخيانة وتلاعب بالدنيا، وما أخذ فهو سحت وأكل أموال الناس بالباطل لأنه ثمرة خيانة وغدر وإستغلال للمنصب، فاسمع يرحمك الله ما قاله نبينا محمد فيما رواه مسلم: ((من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً – أي سرقة على وجه الخيانة – يأتي به يوم القيامة فقام إليه رجل من الأنصار كأني أنظر إليه. فقال: يا رسول الله: اقبل عني عمل. قال: ومالك؟ قال: سمعت تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الآن: من أستعملناه منكم في عمل فليجأ بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذ، وما نُهي عنه انتهى))، وقد إستعمل النبي رجلاً على جمع الصدقة فلما رجع هذا الرجل قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي. فخطب النبي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور ولاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت لي فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ منه شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء أو بقر له خوار أو شاة تيعر))، فاللهم اجعلنا من الأمناء السعداء وجنبنا الخيانة الموجبة للشقاء أقول ما تسمعون والحمد لله رب العالمين.

 


 

الخطبة الثانية

وإن من الأمانة التي ضيعها الكثير من الناس ويشتكي الكثير من أصحابها منهم عدم إيفاء الديون وردها الى أصحابها إما نكراناً منهم أو مماطلة وتأخيراً، فقد جاء عند البخاري ومسلم قوله : ((مطل الغني ظلم)). يعلمنا رسول الله حسن المعاملة وجميل المقاضاة وإنما الدين المعاملة، والدنيا محك الرجال، ولابد للإنسان في هذه الحياة أن يكون آخذاً أو معطياً فإن كان آخذاً أو متصدقاً عليه شكر ودعاء لصاحب المعروف وكافأه على ذلك بما يستطيع أو أخذ منه قرضاً رده لصاحبه عند حلول أجله شاكراً له إحسانه فإن النبي كان يوفي الحق أهله ويزيدهم حتى يرضوا، وأحسن الناس أحسنهم فضاءً، وأما إن كان الإنسان معطياً رفع العطاء لا بخيلاً ولا مناناً ولا مضيقاً على فقير، وينبغي على الذي عليه الدين أن يجعل قضاءه لتيخلص منه فإن النبي كان يكثر من دعائه فيقول: ((اللهم إني أعوذبك من المأثم والمغرم)) وسئل عن سبب إكثاره من هذا الدعاء، فقال: ((إن المرء اذا إستدان حدث فكذب، ووعد فأخلف)) والدين هم بالليل ومذلة بالنهار وكذلك ينبغي على الدائن أن أراد أن يحسن الى المدين فينظره حتى ييسر الله له كما قال تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((مطل الغني ظلم)) أي من أخر مما عليه وهو قادر على رده فهو البغيض الظلوم الممقوت الملام.

إن الذي ينظر في معاملة الناس اليوم يجدها معاملتهم غير شرعية، وأفعالهم غير مرضية فمن الناس من يأخذ شيئاً على سبيل الدين فإذا أتى الأجل المحدد تراه يجحده ويظلم صاحبه، ومنهم وما أكثرهم من يتأخر يسوف في قضائه، ويعد أصحاب الحقوق فيخلفهم، وإذا ردّ شيئاً رده منقوصاً، وإن رده كاملاً رده بالجفاء والسخرية والكلمات الموجعة حتى إننا سمعنا من بعض أصحاب الحقوق من يتنازل عن حقه أو يفوض أمره لله عند من هو معروف بالمراوغة والمماطلة والتلاعب وإخلاف الوعود، فالله المستعان، ولا حول ولا قوة الا بالله، فلو أخذ المسلمون بتعاليم دينهم والتزموا أحكام شريعتهم فحافظوا على الأمانات سواء في العبادات أو المعاملات لربحت تجارتهم وحفظت حقوقهم وغنى فقيرهم، وبورك لهم في أرزاقهم وسلموا من المكر والخداع، ومن أكل أموال الناس بالباطل، ألا فليتق الله أناس عليهم شيء من حقوق العباد أن يؤدوه إليهم من غير مماطلة ولا تساهل، ومن كان له شيء أخذه غير شاق ولا مستحل لما حرم الله عليه في المعاملة، وليعلم الجميع أن المال أمانة يُسئل الإنسان عن إكتسابه أمن حلال أم حرام؟ والحلال ما أحله الله لا ما حل في يديك، والحرام ما حرمه الله لا ماحرمت منه، ولا تقل كما يقوله الذين لا يؤمنون بالآخرة ولا يريدون إلا العاجلة فإن الله سبحانه وتعالى قال: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب وكذلك أولادك أمانة عندك، إن أحسنت فيهم وربيتهم التربية الصالحة وو جهتهم  توجيهاً حسناً فقد أديت أمانتك، وإن أهملتهم ولم تبال بهم فقد خنت أمانتك، وكذلك التلميذ أمانة يجب على الأستاذ أن يوجهه الى العلوم النافعة وأن يحذر من كل ما يضر في دينه فيبين له ما يعرفه من الكتب المضلة عن الصراط المستقيم، ويذكر له العلماء العاملين وكتبهم ليقتنيها، فيتأثر بها بإذن الله، فيكون هذا المعلم المخلص هو السبب في إستقامة هذا التلميذ وهدايته ولن يضيع الله أجر المعلم والموجه وإن لم ينل حقه في الدنيا فإن الله قال: إنا لانضيع أجر من أحسن عملاً وفق الله العاملين على حفظ الأمانة والقيام بها أحسن قيام، وهدى الله المقصرين فيها، وجعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً