أما بعد:
وبعد هذا العرض السريع لجانب من قصة ثمامة بن أثال رضي الله عنه نريد أن نقف بعض الوقفات سائلين الله أن ينفعنا بما نقول وما نسمع إنه سميع مجيب:
الوقفة الأولى: هي أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. فبينما ثمامة عدو من أشد الأعداء بغضاً وكرهاً لهذا الدين ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا به يصبح أحد أتباعه، وإذا بذلك الكره للدين ولرسوله ولبلده ينقلب حباً شديداً لايعدله حب، حتى قال ثمامة: يا محمد: والله ما كان على ظهر الأرض وجهٌ أبغض إليّ، من وجهك، وقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليّ ووالله ما كان دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدين كله إليَّ، ووالله ما كان بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ.
ومن هنا نستفيد أن علينا ألا نيأس من هداية أيّ أحد مهما كان موغلاً في الفساد والإنحراف. فهداية القلوب بيد علام الغيوب إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء . ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده . من يهدي الله فهو المهتدي فالله تعالى هو الهادي هداية التوفيق والسداد. عليك أيها المسلم أن تبذل ما في وسعك في الدعوة والبيان. وليس عليك أن تهدي الناس. ولكن لا تقنط ولا تيأس. وأن أشد الناس عداوة لهذا الدين قد يصير أحد أتباعه المجاهدين في سبيله، كما حصل لثمامة بن أثال رضي الله عنه.
إذا رأيت إنساناً يقع في معصية ومنكر من القول أو الفعل ثم استعظمت ما هو واقع فيه، فلا تظننّ أنه لا يمكن أن يهتدي. بل الهداية له ممكنة إذا أراد الله له ذلك. ولهذا فعليك أن تدعوه وتناصحه فإن استجاب لك فقد حصل المطلوب، وإن لم يستجب لك فأجرك كامل غير منقوص ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء . إن واجبنا هو نصح الناس وإرشاد الناس وليست مهمتنا هو الحكم على الناس هذا شقي وهذا سعيد.
هذه إحدى الفوائد الجليلة من قصة ثمامة الذي كان يسعى جاهداً لإطفاء نور الإسلام، ولكنه بين عشية وضحاها يهتدي بهدي الله، ويدخل في هذا الدين القويم فرضي الله عنه وأرضاه .
الوقفة الثانية: هي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عامل ثمامة بن أثال معاملة طيبة رغم ما صدر منه من جرم، حيث قتل بعض الصحابة الكرام شر قتلة. لقد بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، ولم يجعله جباراً ولا متكبراً ولا حقوداً يحمل الضغينة بحيث لا يجد العفو والصفح إلى قلبه سبيلاً. كلا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك بل قد جبله الله على أكرم الصفات وأفضل الأخلاق وأحسنها. ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ثمامة بن أثال لما كان عليه في ذلك لوم ولكنه صلوات الله وسلامه عليه كان يريد إيمان الناس واتباعهم للحق، ولهذا عامل ثمامة تلك المعاملة الطيبة. جمع مافي بيوت أزواجه من طعام وأرسله إلى ثمامة، وأمر بناقته أن تحلب ويقدم لبنها لثمامة غدوًّا وعشيّا، ثم بعد ذلك مَنَّ عليه وأطلقه دون فداء. فكان لهذه المعاملة الرائعة أثرها الفعال، مما جعله الله سبباً لهداية ثمامة إلى الإسلام.
فهل نجعل من شعارنا أن نعامل الناس بلطف وبخلق حسن لعل في هذا ما يجعل غير المسلم يسلم، وما يجعل العاصي يكف عن معصيته، وصاحب المنكر قد يستحي ويدع منكره؟
وإذا كان عندك أيها المسلم عمّال أو خدم غير مسلمين، فهل خطر ببالك يوماً من الدهر أن تحسن معاملتهم لعل في هذا مايدفعهم إلى الدخول في هذا الدين؟ علماً بأن الأصل ألا تأتي إلا بعمّال وخدم وسائقين مسلمين حتى لا يكون عليك وزر من أدخل المشركين في جزيرة العرب، وأظنك تعلم نهي النبي صلى الله عليه وسلم من أن يجتمع في جزيرة العرب دينان. ولكن وقد فعلت المنهي عنه وأتيت بهم، فلا أقل من أن تدعوهم إلى الإسلام، ولن تدعوهم إليه بأفضل من القدوة الصالحة والتعامل الطيب، فتدعوهم بأفعالك قبل أن تدعوهم بأقوالك.
هذا بعض ما يؤخذ من قصة ثمامة بن أثال رضي الله عنه. والله المسؤول بمنه وكرمه أن يهدينا سبل الرشاد. وأن يجمعنا بالصحابة الكرام في جنة الفردوس.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وفقنا لما تحبه وترضاه وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اهدنا سبل الرشاد. اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين.
اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان …
عباد الله:
صلوا وسلموا على النبي المصطفى الأمين المبعوث رحمة للعالمين. خير البرية وأزكى البشرية .. فقد أمركم بالصلاة والسلام عليه، فقال في محكم التنـزيل: إِنَّ اْللهَ وَمَلَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اْلنَّبِيِّ يَأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً . اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. |