.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

في موكب الصحابة – 1 -

1168

قضايا في الاعتقاد

الصحابة

ناصر بن محمد الأحمد

الخبر

15/8/1419

النور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل الصحابة ومكانتهم في هذه الأمة 2- أقوال بعض العلماء في وجوب حب الصحابة وذم بعضهم والتنقّص منهم وحكم من سبّهم 3- أسباب بلوغ الصحابة هذه المنزلة 4- قصص من حياة بعض الصحابة تدلّ على حُبهم للدين وبذلهم من أجله

الخطبة الأولى

أما بعد:

قال الله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم . وقال تعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً .

إن الله تعالى لما جعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء جعل الصحابة أفضل الحواريين واختارهم الله تعالى لصحبة رسوله وحمل دينه وتبليغ شرعه، فقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن الصحابة هم رؤوس  الأولياء وصفوة الأتقياء وقدوة المؤمنين وأسوة المسلمين وخير عباد الله بعد الأنبياء والمرسلين شرّفهم الله بمشاهدة خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم وصُحبته في السراء والضراء، وبذلهم أنفسهم وأموالهم في الجهاد في سبيل الله عز وجل حتى صاروا خيرة الخيرة، وأفضل القرون بشهادة المعصوم صلى الله عليه وسلم، فهم خير الأمم، سابقهم ولاحقهم، وأولهم وآخرهم، هم الذين أقاموا أعمدة الاسلام بسيوفهم، وشادوا قصور الدين برماحهم، واستباحوا الممالك الكسروية، وأطفأوا الملة النصرانية والمجوسية، وقطعوا حبائل الشرك من الطوائف المشركة العربية والعجمية، وأوصلوا دين الله إلى أطراف المعمورة شرقها وغربها ويمينها وشمالها.

أولئك قوم شيّد الله فخرهم          فما فوقه فخر وإن عظم الفخر

عن أبي وائل قال: قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((إن الله تعالى اطلع في قلوب العباد فاختار محمداً صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته، وانتجبه بعلمه، ثم نظر في قلوب العباد بعد، فاختار له أصحاباً فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه صلى الله عليه وسلم)) [1].

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم الا بخير، وحبهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.

قال الشارح: فمن أضل ممن يكون في قلبه غل على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين.

وقال أيوب السختياني رحمه الله: من أحب أبابكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق.

قال أبو زرعة الرازي رحمه الله: اذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة[2].

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لاتسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) رواه البخاري ومسلم. إلى آخر كلامه رحمه الله.

وقد بين رحمه الله أيضاً في كتابه القيم الصارم المسلول على شاتم الرسول بيَّن حال من يسب الصحابة فقال بعد تفصيل للمسألة: من زعم أن الصحابة ارتدوا أو فسقوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا ريب في كفره لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين.

ورحم الله القحطاني اذ يقول في نونيته:

قـل إن خيـر الأنبيـاء محمـدٍ         وأجل من يمشي على الكثبان

وأجل صحب الرسل صحب محمد           وكذاك أفضل صحبه العُمران

إلى قوله:

لا تركنن إلى الروافـض إنهم                        شتموا الصحابة دونما برهان

لَعنوا كما بغضوا صحابة أحمد                    وودادهم فرض على الإنسان

حب الصحابة والقرابـة سنـة                  ألقى بها ربـي اذا أحيـاني

أيها المسلمون:

الصحابة رضى الله عنهم هم صدارة هذه البشرية بعد الأنبياء والرسل تحقق فيهم رضى الله عنهم ما لم يتحقق فى غيرهم منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة وعوامل الخير تجمعت فيهم ما لم يتجمع فى جيل قبلهم، ولن يتجمع فى جيل بعدهم، فهم بحق ذلك الجيل القرآنى الفريد ولهذا كان لهم من الشرف والكرامة عند الله جل وعلا ما ليس لغيرهم لماذا هذا الشرف ولماذا هذه الكرامة؟ ذلك:

لأنهم أخلصوا دينهم لله، وجردوا متابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التمام والكمال ودافعوا عنه فى جميع الأحوال هان عليهم فى سبيل هذا الدين الأموال والأولاد والأرواح والدماء غادروا الأوطان وهى عزيزة عليهم راضين مختارين، تاركين ورائهم كل شىء، والعجيب فى تضحية أولئك الرجال، أن مغادرتهم، وذهابهم كان إلى أراضٍ لا عهد لهم بها لا يعرفون شىء عن تلك البقاع التي ذهبوا إليها وذهبوا إلى أمم لا نسب ولا ألفة بينهم وبينها، ومكثوا وراء البحر فى بلاد الحبشة سنين وأعواما حتى أعز الله دينه ونصر جنده وأعلى كلمته.

خرجوا من مكة مهاجرين إلى المدينة، كل على قدر حاله وقوته إما سراً وإما إعلاناً.

وكان من جملة المهاجرين من مكة صهيب الرومى رضى الله عنه، فاتبعه نفر من قريش فقالوا له: أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا، فبلغت ما بلغت، ثم تنطلق بنفسك ومالك ؟! والله لا يكون ذلك، فنـزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال : يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمى بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شىء فافعلوا ما شئتم، فإن شئتم دللتكم على مالي وخليتم سبيلي قالوا: نعم ففعل، فلما قدم على النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((ربح البيع أبا يحيى ربح البيع))، فنـزل قوله تعالى: ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد (1).

هكذا كانوا رضى الله عنهم إذا طمع غيرهم فى المال والمتاع جعلوه فداء لعقيدتهم مسترخصين فى أدنى حرمة من حرمات دينهم.

وأما دفاعهم وذبهم رضى الله عنهم عن نبيهم واسترخاصهم كل شىء فى سبيل ذلك فقد نوه الله - عز وجل - بذلك وسجله لهم فى كتابه العزيز بقوله: ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر  وما بدلوا تبديلا [الأحزاب:22-23].

ولقد حفظت لنا كتب السيرة والتواريخ ما أجاب به المهاجرون والأنصار النبيّ صلى الله عليه وسلم من القول الدال على عظيم استجابتهم لله ولرسوله عندما استشارهم صلوات الله وسلامه عليه فى غزوة بدر لما لاقوا العدو على غير ميعاد وغير استعداد فقد قام فيهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه خطيبا فقال: ((أشيروا على أيها الناس)) فقام الصديق فقال وأحسن القول، ثم قام عمر فقال وأحسن القول، ثم المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد(3)لجالدنا معك دونه حتى تبلغه، ثم قام سعد بن معاذ فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: ((أجل)) قال: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبرٌ فى الحرب، صدقٌ فى اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسِر على بركة الله، فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((سيروا وابشروا فإن الله تعالى وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأنى أنظر إلى مصارع القوم))(4).

وإذا تأمل الانسان مساومة قريش لزيد بن الدثنة عندما أخرجته قريش من مكة لتقتله فى الحل بعد أن أسر هو وخبيب بن عدى يوم الرجيع رأى صلابة الصحابة فى الدين وحبهم للنبى صلى الله عليه وسلم ولتملّكه العجب كما تملّك أبا سفيان بن حرب فإنه قال لزيد بن الدثنة عندما قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمداً عندنا الآن فى مكانك نضرب عنقه وأنك فى أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمداً الآن فى مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأنى جالس فى أهلي قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً(5).

أما خبيب بن عدي رضي الله عنه، فعندما أراد مشركوا مكة قتله سطر أبياتا تكتب بماء الذهب طلب منهم أن يصلى ركعتين فبعدما صلى، إلتفت إليهم وقال:

لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا           قبـائلهـم واستـجمعوا كـل مجمـع

وكلهم مبـدي العـداوة جـاهد                 علـي لأنـي فـي وصـال بمضـبع

وقد جمعوا أبنائهم ونسـائـهم             وقربـت مـن جـذع طـويل فمنـع

الى الله اشكو غربتي ثم كربتـي         وما أرصد الاحزاب لي عند مصرعي

فيارب صبرني على ما يراد بي         فقد بضعوا الحمى وقد يأس مطمعـي

وقد خيروني الكفر والموت دونه           وقد هملـت عينانـي من غير مجزع

وما بي حذار الموت إني لميت               ولكـن حـذاري جسـم نـار ملفـع

ولست أبالي حين أقتل مسلمـا                 على أي جنب كان فى الله مصرعـي

وذلك فى ذات الإله وإن يشـأ              يبارك على أوصـال شلـو ممـزع

ولست بمبـد للعـدو تخشعـاً                ولا جزعاً. إنى إلى الله مـرجعــي

وليس هذا التفانى والإخلاص أحرزه الرجال دون النساء والشبان بل كانوا جميعاً سواء، يتسابقون فى مرضاة الله ورسوله ويتهافتون على حياض الموت فى سبيل الله، ففى إثر وقعة أحد التي أثخنت جراحها المسلمين، وفقدوا عظماء فيها من كبارهم وفضلائهم مرّ سيد الأولين والآخرين بامرأة من بنى دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نعوا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيراً يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت: أرونيه حتى أنظر إليه فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل! تريد صغيرة(1).

وأما بذلهم للمال والمتاع فلم تشهد الأرض فى مسيرة بنى آدم الطويلة عليها أن توارث قوم فيما بينهم من غير قرابة ولا رابطة دم وعن طواعية واختيار ورضى إلا فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تتفجر ينابيع السخاء والكرم فى أمة من الأمم كما تفجرت فى جيل الصحابة الكرام الذين استظلوا براية الإسلام وشرفوا بتربية سيد الأنام ولذلك استحقوا ثناء الله عز وجل الذى تتلوه الألسنة على الدوام وعلى ممر السنين والأعوام والذين تبوء والدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون [الحشر:9].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، واتباع سنة. . .


 



[1] أخرجه أحمد والبغوي في شرح السنة وهو حديث حسن .

[2] الكفاية للخطيب ص 49

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 3/228 ، ورواه الحاكم فى المستدرك 3/398 وقال عقبه صحيح على شرط  مسلم ولم يخرجاه ، أسباب النـزول للواحدى ص 39

(3) برك الغماد : موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلى البحر وقيل : بلد باليمن دفن عنده عبد الله بن جدعان التميمى القرشى " معجم البلدان " 1/399 .

(4) السيرة النبوية لابن هشام 1/614 - 615 ، تاريخ الأمم والملوك 2/ 434 - 435 وأورده ابن الأثير فى الكامل 2/120 ، وابن كثير فى البداية والنهاية 3/287 - 288 .

(5) السيرة النبوية لابن هشام 2/172 ، وانظر تاريخ الطبرى 2/542 ، أيام العرب فى الاسلام ص49 .

(1) السيرة النبوية لابن هشام 2/99 ، تاريخ الأمم والملوك 2/533 .

الخطبة الثانية

أما بعد:

إن الصحابة الكرام رضى الله عنهم هم أعلام الفضيلة، ودعاة الهداية، الذين حملوا نور الإسلام فى أنحاء المعمورة وأنقذوا به البشرية من أغلال الوثنية، وأرسوا قواعد الحق والخير والعدل للإنسانية، نشروا كلمة الله حتى علت فى الأرض ورفرف علم الإسلام فى الآفاق ولقد بذلوا فى سبيل ذلك قصارى جهدهم، سهروا من أجل تبليغ كلمة الله ونشرها الليل والنهار دون ملل أو كلل بل كانوا كما أخبر الله عنهم فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما وضعوا وما استكانوا [آل عمران:146]. لم يميلوا إلى دعة ولا أخلدوا إلى راحة ولم تغرهم الحياة الدنيا بزخارفها، ضحوا بكل غال ورخيص لكى يخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

حرصوا رضى الله عنهم على ملازمة النبى صلى الله عليه وسلم حتى أخذوا عنه الكتاب والسنة واجتهدوا فى حفظهما وفهمهما فهماً متقناً، ثم بلغوهما إلى من جاء بعدهم كما تلقوهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان ولا تحريف ولا تبديل، فهم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين من جاء بعدهم من الأمة، فمن قدح فى تلك الواسطة فقد قدح فى الدين، إذ القدح فى الناقل قدح فى المنقول ومهما مدح المادحون الصحابة الكرام رضى الله عنهم فإنه ضئيل إلى جانب ثناء الله ورسوله عليهم يكفيهم شرفاً وفخراً أن يكون الكتاب العزيز ناطقاً بجميل وصفهم وعظيم مدحهم، كما يكفيهم فخراً ورفعة أن يكون حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام مشيداً بتعداد محاسنهم، ومنوهاً بفضائلهم ومآثرهم إنه لا يعرف عظم قدرهم إلا من قرأ سيرتَهم وتابع أخبار حركتَهم ومسيرتَهم ومتى عرف الإنسان ذلك أدرك لماذا أثنى الله عليهم وزكاهم فى محكم التنـزيل فقد عدلهم الله من فوق سبع سماوات، ووصفهم بأنهم خير أمة أخرجت للناس قال تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً [البقرة:143]. وقال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [آل عمران:110]. وقال عليه الصلاة والسلام فيهم: ((خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم…))(3) وقال: ((لا تسبوا أصحابى فوالذى نفسى بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه))(4)، وبهذا فهم لا يحتاجون بعد شهادة الله والرسول لهم بالفضل والخيرية إلى ثناء أحد أو تزكية بشر إنهم جيل نصر وثلة خير وأئمة دعوة ولهذا كان من تقدير العزيز العليم ومن حكمة الله البالغة أن جعلهم أمناء على حمل الرسالة السماوية الأخيرة التى ختم الله بها الرسالات والتي أنزلها الله على محمد عليه الصلاة والسلام ليقوموا بمهمة الأنبياء فى التبليغ والأداء ورغم ما تبوأه جيل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم من مكانة عالية ومقام رفيع فقد تعرض هذا الجيل فى القديم والحديث إلى حملات العداء والتشويه لتاريخهم وسيرتهم المشرقة ممن أصيبوا بالخذلان والزندقة فقد وقف منهم الرافضة والخوارج والنواصب وبعض المعتزلة موقفاً سيئاً فقد جعلوهم غرضاً لمطاعنهم القبيحة التى خالفوا بها وصية المصطفى عليه الصلاة والسلام إذ أنه وصى أمته أن يكرموهم ويحترموهم وحذرهم من التعرض لهم بالقول السيىء ولكنهم انقادوا للشيطان بزمام لم يوفقوا للاعتقاد السديد فيهم بل طعنوا فيهم وملأوا قلوبهم بالغل والكراهية لهم، ولم يوفق لمعرفة قدر الصحابة إلا أهل السنة والجماعة فلله الحمد والمنة فقد وفوهم حقهم من التكريم والإجلال، فقد كانوا موضع محبتهم واعترفوا بفضلهم ولا يذكرونهم إلا بالجميل والثناء الحسن فهم الذين انطبق عليهم الوصف الإلهى الكريم فى قوله: والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم [الحشر:10].

أيها الأحبة: سيكون بإذن الله عز وجل بعض خطب عن الصحابة رضي الله عنهم، وما هذه إلا مقدمة بين يدي هذه السلسلة، أسأل الله تعالى العون والتوفيق.

اللهم رحمة إهد بها قلوبنا، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم صلِّ . . .



(3) صحيح البخارى 2/288 ، صحيح مسلم 4/1963 .

(4) صحيح البخارى2/292 ، صحيح مسلم 4/1967 ، واللفظ له .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً