أما بعد:
إن من خلل التوازن عندنا ،هو أننا نتحمس لقضية معينة فترة من الزمن ،ثم تأتي قضية أخرى، والقضية الأولى مازالت قائمة ولم تذهب فننساها تماماً ونتجاهلها تماماً ،وكأن لم يحصل شيء وننشغل بالثانية ،ثم تأتي الثالثة ،فننسى الثانية أما الأولى فقد صارت نسياً منسياً. وهكذا.
مع أن الأصل أن يكون هناك توازن واعتدال في كل القضايا ولا نغلب جانب على جانب. أذكر عندما كنا صغاراً في المرحلة الإبتدائية ،كان هناك ما يسمى - ريال فلسطين - وسنوات ونحن ندفع ريال فلسطين ،وكانوا يلقوننا في المدارس ونحن أطفال - ادفع ريالاً تقتل يهودياً -، ويتحمس الصغار ويدفعون ومضى الآن عشرون عاماً تقريباً ،واليهود في ازدياد والقتل في الفلسطينيين.ولم تنفع تلك الريالات ،ولم تقتل أحداً. ولعلها محفوظة لحين ينطق الحجر والشجر ويقول يا مسلم يا عبد الله ،هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله.
ثم جاءت قضية أفغانستان. وتحمست الأمة كلها ،وهبوا من كل فج عميق ،وبذلوا أموالاً خيالية في القضية الأفغانية ،ونسوا فلسطين تماماً إلا من رحم الله وكأن لم تكن هناك قضية ،وصار الإتجاه نحو أفغانستان ،حتى أن كثيراً من شباب الأمة من مختلف البلدان ذهبوا بأنفسهم ،واستنزفت دماء على تلك الجبال وفي تلك الهضاب. وفعلاً حققت الأمة أشياء كثيرة ،وظهرت طاقات.
ثم جاءت قضية البوسنة ،ونسى الناس أفغانستان تماماً ،وكأن الأمور قد انتهت هناك ،وانشغل الناس بما يجري على أرض البلقان ،وصار جمع التبرعات لتلك الجهات أما فلسطين فلم تعد تذكر.
ونحن لا نقلل من شأن ما يجري الآن على أرض البوسنة ،فإن العدو الكافر قد كشفت أوراقه للعالم كله ،وهذا التواطؤ المعلن من الجميع أصبحت فضيحة ،لكن أين الذي يخجل.
أعود لأصل الموضوع وهو أن التوازن مطلوب وينبغي أن لا تشغلنا شيء عن شيء ،ولا قضية عن قضية. صحيح أن الأحداث المتلاحقة في السنوات الأخيرة والآلام والجراحات التي أصابت الأمة ،صارت ترقق بعضها بعضها، والمسلم أصبح لا يدري إلى أين يلتفت.
هل يتابع أحوال المسلمين في الصومال وما يواجهون وكيف يظلمون ،أم يسأل عن المسلمين في المغرب والجزائر وما حولها من الدول هناك أم ينتقل إلى الشرق ويتابع آخر الأحداث في الفلبين وكشمير والهند وما يحصل هناك.
لكن مع كل هذا فالتوازن والاعتدال مطلوب.
أيها المسلمون: هذه الخطبة كانت لتذكيركم بالمسلمين في فلسطين ،وأن القضية التي كنا ندفع لها ريالاً مازالت قائمة ،وأن الوضع الحالي لا يكفيه الريال المسكين. بل يحتاج إلى أكثر من ذلك.
إن لكم إخوانا مسلمين في تلك البلاد مازالوا يكافحون ويدافعون عن أعراضهم ونساءهم ،وهناك الكثير المحافظون على دينهم ،وهناك ولله الحمد صحوة إسلامية مباركة دبت في نفوس أبنائها. رغم كل الكيد ورغم كل التعتيم ورغم كل الصد إلا أن الخير باقٍ والخير ينتشر بإذن الله.
أيها الأحبة في الله: لقد طغى الصهاينة وعاثوا وداسوا ولوثوا ،ولكن العزة لله ورسوله وللمؤمنين ،والذل والصغار والمسكنة لمن غضب الله عليهم ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ،نقضت العهود والمواثيق يحرفون الكلم عن مواضعه ،سماعون للكذب أكالون للسحت ،ملعونون على ألسنة أنبياء الله ورسله يريدون في الأرض علواً وفساداً ،يوغلون فيها عتواً واستكباراً ،استعدوا أمم الأرض ،ولم يكن لهم فيما اغتصبوه من حق ولكن تآمر قوى الكفر على أمة الإسلام تجزئة وتقسيماً وتفرقة وتدميرا.
لقد أكدت الأحداث وأثبتت الوقائع أنهم لا ينصاعون لمساومات ولا يصدقون في محادثات الخيانة خلقهم والكذب مطيتهم والدسائس في السراديب المظلمة مسلكهم. وإني لأتصور أن عمل السراديب كان هذا قديماً ،فهم الآن ليسوا في حاجة إلى سراديب أو عمل خلف الكواليس ،لأنهم يعلمون بأنه ليس أمامهم أحد ،فقد تمكنوا فيمن حولهم ،وكل من كان فيه غضبة لدين ،أو نخوة ،فإن إبر التخدير قد عملت فيه دورها. إنه لا حل لهذه القضية ،وكل قضية يكون العدو الكافر طرفاً فيها إلا برفع راية الجهاد ،والمواجهة بالمثل ،وإلا فالذلة. إنه حقاً على الأمة أن تربيها التجارب والوقائع ،وتصقلهم الإبتلاءات والمحن. إن الأمر كله لله ،بيده مصائر الأمور وكل شيء يجري في طريقه المرسوم حتى يبلغ أجله المحتوم إما موت وإما قتل ،أمر لا مفر من ملاقاته، فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيل أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة . إنك لتعجب كيف يرضى بالذل وكيف يرضى بالقعود من يملك وسائل الجهاد والبذل ،كيف لا يذودون عن حرمة ،ولا ينتصرون لكرامة ولا يستشعرون صغاراً ولا ذلة.
لابد أن نعلم أيها الأخوة ،بأن وراءه حب الدَعَة وإيثار السلامة سقوط الهمة ،وذلة النفس ،وانحناء الهامة والتنكص عن المواجهة.
كيف تحلو الحياة لمن يضيع دياره ،وإذا ضاع الحمى ذهبت كل التضحيات خسارة.
قد استبيحت بها الأعراض والحُرَم فمن أراد ذهاباً فالطريق دم أين المواثيق والهدنات والذمم ؟ أين السلام وهم ليست لهم قيم والخبث دليلهم إن العداة هم أرجاؤه ظُلم من فوقها ظُلم بلا سفين وموج البحر يلتطم
|
سلوا فلسطين إن رمتم بها خبراً عز الذهاب إلى مسرى النبي بها سلوا بلاداً بلبنان التي طُعنت أمن يهودٍ تريدون السلام لكم ؟ فالشر منطقهم والغدر شيعتهم هذا الزمان عجيب لست أفهمه إني أرى أمتى قد أبحرت سفهاً
|
فنسأل الله عز وجل أن يعجل فرج هذه الأمة ، وأن يرينا الحق حقاً. . .
|