أما بعد:
الجهاد في سبيل الله ،ذروة سنام هذا الدين ،ناشر لوائه ،وحامي حماه ،بل لا قيام لهذا الدين في الأرض إلا به.
أولئك الذين يريدون أن ينشروا دين الله عن طريق البرلمانات ،أو الانتخابات ،أو المؤتمرات ،كلهم يخطئون ،فإن هذا الدين لا يقوم ،إلا كما قام أول مرة ،تحت ظلال السيوف ،به نال المسلمون العز والتمكين في الأرض ،وبسبب تعطيله ،حصل للمسلمين الذل والهوان والصغار ،واستولى علينا الكفار ،بل تداعت علينا أرذل أمم الأرض كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ،وأصبحنا مع كثرتنا غثاءً كغثاء السيل ،نزع الله المهابة من قلوب أعدائنا ووضعها في قلوبنا.
أيها المسلمون: لقد حرص الأعداء على تشويه صورة الجهاد والمجاهدين ،وتخذيل المسلمين عنه ،ووضع العراقيل دونه ،وعلى قصر معناه على الدفاع فقط. بل حتى الاسم ،لا بد أن يكون دفاعاً لا حرباً ولا هجوماً ولا جهاداً ،وأصبحت وسائل الإعلام تطلق على المجاهدين: متطرفين ومجرمي حرب. بينما في المقابل تجد أن إسرائيل تُسمي وزارتها ،وزارة الحرب ،كل ذلك وغيره خوفاً من أن يؤوب المسلمون إليه ،فيهزموهم ،ويذلوهم ،ويلزموهم الذل والصغار ،لأنهم يعلمون أنه متى أعيد الجهاد بصورته التي كان عليها الرعيل الأول ،فإنه لن تقوم لهم قائمة ،ولن يقدروا على الصمود ،أمام زحف جحافل الحق ،التي وعدت بالنصر والتمكين ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز . الجهاد لم يشرع عبثاً ،ولا لتحقيق أهداف شخصية ،أو مطامع مادية ،أو مكاسب سياسية ،أو لبسط النفوذ وتوسيع الرقعة ولا لإزهاق النفوس وسفك الدماء ،والتسلط على الناس واستعبادهم ،ولكن شرع الجهاد لتعبيد الناس لله وحده. وإعلاء كلمة الله في الأرض ،وإظهار دينه على الدين كله ولو كره المشركون. قال الله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين . وقال سبحانه: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير .
لقد شرع الجهاد ،لرد اعتداء المعتدين على المسلمين ،يقول الله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين . وقال تعالى: ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين .
لقد شرع الجهاد لمنع الكفار من تعذيب المستضعفين من المؤمنين والتضييق عليهم ومحاولة فتنتهم في دينهم وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها . لقد شرع الجهاد لتغيير الأوضاع والأنظمة الشركية وما ينتج عنها من فساد في شتى مجالات الحياة. فإن هذه من شأنها أن تفتن المسلم عن دينه ،ولذلك فإن أهل الجزية من أهل الذمة ونحوهم ،يمنعون من المجاهدة بدينهم والتعامل بالربا وبإظهار الزنا ،لأن هذه الأوضاع تفتن المسلم عن دينه. لقد شرع الجهاد لمنع صد الكفار الذين تحت ولايتهم عن استماع الحق ،وإقامتهم سياجاً منيعة أمام دين الله لئلا يدخله الناس ،فيجب أن يقام على هؤلاء الجهاد حتى يتسع المجال لدين الله أن يراه الناس ويعرفونه وتقوم عليهم الحجة به. لقد شرع الجهاد لحماية الدولة الإسلامية من شر الكفار ودفع الظلم والدفاع عن الأنفس والحرمات والأوطان والأموال قال الله تعالى: أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله . لقد شرع الجهاد ،لتأديب المتمردين والناكثين للعهود المنتهزين سماحة الإسلام وأهله قال الله تعالى: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطنعوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون .
لقد شرع الجهاد لإرهاب الكفار وإخراجهم وإذلالهم وإغاظتهم وأعدوا لهم ماستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ، ويقول تعالى: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين لهذا ولغيره شرع الجهاد.
أيها المسلمون: قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين . إن مواجهة الكفار وقتال الكفار ،حتم لابد منه ،مادام أن هناك إسلام في الأرض وكفر ،فإن حتمية المواجهة لابد منها. ولهذا ينبغي أن نعلم ،بأن قتال الكفار أصل في دين الإسلام ،لا يمكن أن يتغير بتغير الزمان ،وعليه ،فإن مصطلح "التعايش السلمي" مصطلح كاذب ،مخالف لشريعة رب العالمين.
الكفار في الإسلام لنا معهم ثلاث حالات معروفة مضبوطة في ديننا. إما أن يسلموا فلهم مالنا وعليهم ما علينا ،أو يبقو على دينهم ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وهذا قال بعض أهل العلم بأنه خاص بأهل الكتاب ،أما الكفار فإما الإسلام أو الثالثة وهو السيف. قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسيره لقول الله جلا وعلا: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم عن علي بن أبي طالبٍ قال: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف: سيف للمشركين فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين وسيف لكفار أهل الكتاب قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ،ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أُوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون . وسيف للمنافقين جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم . وسيف للبغاة فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله .
أيها المسلمون: إن الآية التي قرأتها قبل قليل يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار علق عليها الحافظ ابن كثير رحمه الله تعليقاً نفيساً جداً أقرأه بطوله ،لأنه يبين ،بأن الجهاد والقتال أصل في شريعة الإسلام، وأنه يجب على المسلمين أن يقاتلوا الكفار الذين يلونهم ثم الذين يلونهم الأقرب فالأقرب ،وأن هذا كان نهج ولاة المسلمين. قال رحمه الله: أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولاً فأول ،الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب ،فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة وهَجْر وخيبر وحضرموت وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا ،شرع في قتال أهل الكتاب. فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام لكونهم أهل الكتاب ،فبلغ تبوك ثم رجع لأجل جهد الناس وجدب البلاد وضيق الحال وكان ذلك سنة تسع من هجرته عليه السلام ،ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجته حجة الوداع ثم عاجلته المنية صلوات الله وسلامه عليه بعد الحجة بأحد وثمانين يوماً فاختاره الله لما عنده ،وقام بالأمر وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر رضي الله عنه ،وقد مال الدين ميلة كان أن ينجفل فثبته الله تعالى به ،فوطد القواعد ،وثبت الدعائم ورد شارد الدين وهو راغم ،ورد أهل الردة إلى الإسلام ،وأخذ الزكاة ممن منعها من الطغام ،وبين الحق لمن جهله ،وأدى عن الرسول ما حمله ،ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصلبان ،وإلى الفرس عبدة النيران ،ففتح الله ببركة سفارته البلاد ،وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد ،وأنفق كنوزهما في سبيل الله ،كما أخبر بذلك رسول الله ،وكان تمام الأمر على يدي وصيه من بعده وولي عهده ،الفاروق الأواب ،شهيد المحراب ،أبي حفص عمر بن الخطاب ،فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين ،وقمع الطغاة والمنافقين ،واستولى على الممالك شرقاً وغرباً ،وحُملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم ،بعداً أو قرباً ،ففرقها على الوجه الشرعي ،والسبيل المرضي ،ثم لما مات شهيداً وقد عاش حميداً ،أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار على خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان شهيد الدار ،فكسا الإسلام رياسة حُلةٍ سابغة. وأمدت في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة ،وظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ،وعلت كلمة الله وظهر دينه وبلغت الأمة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها ،فكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار ،امتثالاً لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار . انتهى.
اللهم إن حـانت وفاتي فلا تكن على شرجعٍ يُعلى بخضر المطارف
ولكن قبـري بطرُ نسـرٍ مقيله بجو السماء فـي نسـور عـواكف
وأمسي شهيداً ثاوياً في عصابةٍ يصابون في فـج من الأرض خائف
فوارس من عدنـان ألّف بينهم تقى الله نزّالـون عنـد التـزاحف
إذا فارقوا دنياهمو فارقوا الأذى وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف
بارك الله لي ولكم . . . |