.

اليوم م الموافق ‏03/‏جمادى الثانية/‏1446هـ

 
 

 

العولمة – 1 -

1145

أديان وفرق ومذاهب

مذاهب فكرية معاصرة

ناصر بن محمد الأحمد

الخبر

23/12/1419

النور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- معنى " العولمة " وخطورتها والمقصود منها 2- العمليات التي تسعى العولمة لتحقيقها 3- مجالات العولمة 4- وسائل الغرب لإدخال العولمة إلى بقية المجتمعات 5- حقيقة العولمة في المجال الاقتصادي 6- كيف يمكن للدول الإسلامية أن تُفلت من فخ العولمة

الخطبة الأولى

أما بعد:

تطرح لنا وسائل الاعلام ومراكز البحوث في العالم بين فترة وأخرى بعض الشعارات وبعض المصطلحات والتي تحمل في طياتها عقائد وأفكار وسلوكيات تكون هي حديث الصحافة، وترددها وسائل الاعلام المختلفة شرقاً وغرباً، والمصطلح الذي يغزو العالم كله اليوم، والذي هو حديث رجال الفكر وصناع القرار هو مصطلح "العولمة". فما هي حقيقة العولمة؟ وماذا يهدف أصحابها من وراء رفع هذا الشعار؟ وما هي مجالات العولمة التي يريدون؟ وما هو موقف الاسلام منه؟ وما مدى السلبيات أو الايجابيات إن كان فيها ايجابيات التي تكسبها الدول الاسلامية من الانخراط في هذا المضمار؟ هذا ما سنحاول توضيحه بإذن الله عز وجل بعد توفيقه وتسديده في عدد من الخطب.

العولمة أيها الأحبة: هو مخطط رهيب وخطير يهدف إلى كسر جميع القيود بين شعوب ودول العالم، إنه مرادف لما دعت إليه من قبل الماسونية وما دعى وما زال يدعو إليه ما يسمى بالنظام العالمي الجديد من محاولة لطمس هوية كل أديان العالم وأفكار الشعوب ومعتقداتها، لتصبح مواثيق الأمم المتحدة التي صاغها الغرب وفكّر فيها وخاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي هي الدين الجديد الذي يُفرض على العالم كله.

فهو مخطط خطير يحاول أن يزيل كل شيء موجود بين جميع الدول بحيث تصبح الأخلاق والسلوكيات والأفكار والبضائع والشركات والدين كله سواء ويفتح جميع هذه الأشياء على مصراعيها.

وقد تقرأ أخي الحبيب في بعض الكتابات والمقالات أو حتى ربما تسمع مسميات أخرى لهذا الفكر، فقد تقرأ أو تسمع مصطلح: الكوكبة أو الكوننة أو الشوملة فكلها مترادفات لمعنىً واحد.

إن هناك جهوداً جبارة ومحاولات كبيرة ممن يقبعون وراء هذا الشعار إلى عولمة كل شيء: الاقتصاد والاستثمار، وعولمة الشركات والمعاملات التجارية، وعولمة الأفكار والثقافات، وعولمة المعلومات والاتصالات، وعولمة المشاكل البيئية والمناخية، وعولمة الأمراض والأوبئة المقاومة للصناعة، وعولمة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وعولمة الإرهاب والصراعات السياسية، وأخطر من هذا كله محاولة عولمة الدين.

إن مخطط العولمة يسعى إلى تحقيق ثلاث عمليات:

الأول: انتشار المعلومات، بحيث أن أية معلومة في أي مجال يمكن أن يكون متاحاً لكل أحد، وقد نجحوا في هذا من خلال ما أسموه بمعجزة هذا العصر وهو: "الانترنت" الذي من خلاله وأنت في بيتك وعن طريق الكمبيوتر الشخصي يمكنك أن تدخل على جميع الدول وأن تحصل على أي شيء تريد بالصورة والصوت خلال دقائق معدودة، وفي هذا فتح لباب من الشر عريض يفوق شر القنوات الفضائية بمراحل ومراحل.

العملية الثانية: تذويب الحدود، وهي محاولة لتحطيم الحدود الجغرافية بين دول العالم، وفي المرحلة الأولى تكون العملية اختيارية لمن يريد، وبعد فترة من الزمان الذي لايرضى ولا يوافق يبقى معزولاً عن العالم كله، وسيحارب عن طريق الحرب الباردة، ويحاصر اقتصادياً حتى يرضخ لهذا المخطط الرهيب، ولعل توحيد جميع دول أوربا يعتبر نواةً لهذا المخطط.

العملية الثالثة: زيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمؤسسات والمجتمعات، وذلك عن طريق تسهيل حركة الناس والمعلومات وجميع السلع بين هذه المجتمعات ومع مرور السنوات تزيد معدلات التشابه وتختفي بعض الفوارق شيئاً فشيئاً خصوصاً إذا كانت شركات العالم واحدة وكذلك مؤسساتها وإعلامها وغير ذلك – هكذا زعموا.

أيها المسلمون: ينبغي أن لا نغفل من أن طرح هذا الشعار من خلال وسائل الاعلام الغربية ما هو إلا تطبيق للنظام العالمي الجديد الذي تسعى كل من أوربا وأمريكا بكل ما أوتوا من إمكانات إلى تحقيقه. ولا نغفل أيضاً من أن العولمة سيف مسلط ونوع من المؤامرة على أعناق الدول النامية ودول العالم الثالث، ولتتخذ منه الدول الكبرى قناعاً تخفي وراءه أطماعها في الهيمنة والسيطرة السياسية والاقتصادية، وتستخدمه كأداة للضغط والتخويف وكسر لقدرة الدول الصغرى على المقاومة دفاعاً عن مصالحها.

أيها الأحبة: إن العولمة سيكون تطبيقها على منهج – الكيل بمكيالين – كباقي الشعارات والادعاءات التي رفعت من قبل. وبلغة صريحة فإن الحضارة الغربية لا تصلح لقيادة العالم في ظل العولمة أو في ظل النظام العالمي الجديد، لأنها وبكل تأكيد ستقوم على الكيل بمكيالين، سواء في مجال القيم أو في مجال السياسة أو في مجال الاقتصاد أو في غيرها من مجالات العولمة والتي سيكون عنها حديث بالتفصيل، إن الغرب في ظل العولمة سيسعى إلى اصطناع قيم جديدة نصيب الدين فيها قليل، ونصيب الأخلاق فيها أقل، والتطفيف في الكيل واضح، فهي تطفف في كيلها مع اليهود وتنقص في كيلها مع المسلمين والعرب فلها مكيالان وميزانان، كما أنها متعصبة للجنس الأبيض. فلا ينبغي تصديق بأن العالم سيسعد في ظل العولمة، أبداً، سيزداد الفقير فقراً، وسيبقى المستورد مستهلكاً لايعطى فرصة للابداع، بل سيتاح الفرصة في عالم العولمة للغني أن يزداد ترفاً وجبروتا، وللقوي أن يزداد تسلطاً وتحكما.

خلاصة القول: أن العولمة، العدل فيها معدوم، والظلم فيها موجود، والإيمان بها كفر، والسؤال عنها ومعرفتها واجب وحتم.

أيها المسلمون: وإذا أردتم نموذجاً حياً لواقع مرير يمر بها العالم هذه الأيام لظلم ظاهر موجود وعدل معدوم فهو ما يحصل اليوم على أرض كوسوفو من إبادة عرقية للمسلمين، وإلا فما ذنب هذه الآلاف من الأسر المشردة، وهؤلاء الذين يذبحهم الصرب ذبح النعاج على مرآى ومسمع من العالم، فأين العدل المزعوم؟ وأين القرارات التي لابد أن تنفذ؟ وأين الذين يدّعون وجود مجلسٍ  للأمن؟ لقد ظهر جلياً لمن أراد الانصاف سياسة الكيل بمكيالين، وظهر جلياً في كوسوفو ومن قبلها في أرض الله أن شريعة هؤلاء هو التسلط للأقوى، وأن هناك تعصباً واضحاً لجنس معين ولعرق معين، وأن هناك حرباً لا هوادة فيها ضد دين، ودين معين فقط يحاولون تقتيل أبناءه ونهب خيراته وأمواله، وإضعاف قدراته والتسلط والتحكم على شعوبه ودوله.

وقد يتساءل البعض بأن هناك مساعدات تقدم من دول غربية كافرة شاهدناها عبر وسائل الاعلام من خيام نصبت للمشردين، وهناك تدخل مباشر من بعض الدول لايقاف هذه الحرب فكيف يفسر هذا؟ يفسر هذا بالجواب الصريح للرئيس الأمريكي عندما قال: إذا لم نقم بالجزء الذي يخصنا من مهمة حلف الناتو فسنُضعف التحالف ونعرض الزعامة الأمريكية في أوربا للخطر.

إذن: هي لغة المصلحة، والمصلحة عند هؤلاء هي عقيدة سياسية، والنبرة المصلحية كانت واضحة جداً في كتاب "بين الأمل والتاريخ" عندما قال  المذكور نفسه: عندما تصبح التحالفات ضرورية فإن علينا أن نقيمها، وعندما تصبح المفاوضات ضرورية فإن علينا إجراءها، وعندما تصبح الاستثمارات مطلوبة فإن علينا تقديمها، وعندما تصبح القوة مطلوبة لضمان أمننا فإن علينا استعمالها. هذه هي لغة القوم وهذا هو أسلوب تعاملهم مع الآخرين فإلى متى أيها الأحبة ونحن نعيش سطحية في التفكير، وجهلاً لما يراد لنا وبنا، كفانا أيها المسلمون جهلاً بواقعنا، وكفانا سذاجة في تناول الأمور، وإن لم نكن بمستوى هذا التحدي العالمي ونحاول جادين للارتقاء بأنفسنا فإن العاقبة والعلم عند الله تعالى تكون غير سارة. الأمم من حولنا تخطط وتتعلم وتنفذ وكل يوم تسمع بإنشاء مركز للبحوث هنا أو هناك وفي كافة المجالات، ونحن ما يزال شبابنا من رواد المقاهي الشعبية، ويضيع ليلهم جلوساً على الأرصفة والله المستعان.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه . .


 

الخطبة الثانية

أما بعد:

إن مجالات العولمة كما أشرنا إليها في الخطبة الأولى متعددة متنوعة، وإن من أبرز هذه المجالات التي يكثر الطرق عنها والتي بُدأ بها ومن خلالها تدخل العولمة للدول التي قد ترفض كل صورها، هو المجال الاقتصادي، وقد وضع أسس يدار عليها الاقتصاد العالمي وأنشأ عدد من المؤسسات التي تشكل في مجملها النظام الاقتصادي الدولي الحالي وهي:

- صندوق النقد الدولي: الذي يقوم بدور الحارس على النظام النقدي الدولي.

- البنك الدولي: الذي يعمل على تخطيط التدفقات المالية طويلة المدى.

- الاتفاقات العامة للتعريفات والتجارة والتي تهدف إلى تمكين الدولة العضو من النفاذ إلى الأسواق كباقي الدول أعضاء الاتفاقية، وذلك لتحقيق التوازن بين الحماية المناسبة للانتاج وبين تدفق التجارة الخارجية.

أيها المسلمون: للغرب وسائل متعدد لإدخال العولمة في باقي المجتمعات، فمن ذلك عقد مؤتمرات تحت أسماء براقة كمؤتمر الايواء البشري وقد عقد على نظر من الأمم المتحدة والتي دأبت على عقدها وفق دعايتها بتحسين أوضاع العالم الاقتصادية والتجارية والعمرانية والسياسية والاجتماعية، لكن حقيقة الأمر بخلاف ذلك، بل إن هذه المؤتمرات أداة تستخدمها الرأسمالية اليهودية للسيطرة على العالم اقتصادياً وفكرياً من خلال تأطير السلوك الاجتماعي والسياسي ليوافق الفكر العلماني الذي تقوم عليه الرأسمالية اليهودية المعاصرة.

مشكلة الإيواء وتوفير الأماكن الكافية لاستيعاب ملايين البشر، هذا الإطار ما هو إلا غطاء للتسلل لاحتواء موارد الدول الفقيرة واستغلالها لصالح المؤسسات المالية والمالكين لها من دهاقنة اليهود والمتهودين فكراً وسلوكاً.

إن شعار العولمة الاقتصادية والتي تخدع بها شعوب العالم هو: المساواة والعدالة لجميع الأفراد، للحصول على الإيواء وتوفير البنية التحتية المكملة للمسكن الملائم. واستئصال الفقر.

أما حقيقة العولمة في المجال الاقتصادي فهو:

1/ العمل على تغيير مفهوم الأسرة القائم على الأسس الدينية والقيم الاجتماعية الفطرية، وتوسيع هذا المفهوم ليشمل أنماطاً من الأشكال التي تم تبنيها في المجتمع الغربي بوجه عام.

2/ توسيع النظام الربوي، وتمكين المؤسسات المالية الربوية من السيطرة.

3/ تغيير قوانين الملكية الخاصة بالأراضي: سواء الزراعية أو السكنية، وقوانين الإسكان والإيجارات، وفتح باب سوق شراء وبيع العقارات، وإزلة جميع العوائق الخاصة بتوفير المناخ الملائم لحرية السوق العقاري.

4/ ربط اقتصاديات الدول المتخلفة باقتصاديات الدول الرأسمالية.

وظاهرة "العولمة" التي أخذت في الازدياد في الفترة الأخيرة لها خطورتها على النمو الاقتصادي والحضاري والثقافي للمجتمعات المختلفة، وبخاصة المجتمعات الإسلامية، حيث يتوفر في بلاد المسلمين مصادر الثروات الطبيعية، مما يدفع إلى الاستحواذ عليها من قبل الرأسمالية اليهودية العالمية.

إن السؤال الذي يـبرز هنا هو: لماذا تتجه الرأسمالية اليهودية في نقل وتركيز بعض عمليات الإنتاج في الدول المختلفة؟ الجواب: إن الهدف الحقيقي هو البحث عن أعلى معدلات للربح. فقد أخذ البنك الدولي بتوجيه من بعض الدول الكبرى بإجبار دول العالم الإسلامي إلى إعادة هيكلة اقتصادياتها على ضوء هذه السياسة الليبرالية.

خلاصة العولمة الاقتصادية هو أن هناك عقد يوقع بين الدول التي تريد أن تدخل في هذا الاتفاق، وهو أن جميع المجالات الاقتصادية تكون شائعة بين الدول الموقعة، ومن حق جميع الشركات أن تدخل الدولة التي تشاءها وتعمل بها وتفتح مصانعها، وسيلغى جميع الاحتكارات التجارية بأن يكون فلان هو وكيل السلعة الفلانية لايبعها غيره، وهذا يعني من جهة أخرى أن هذه الشركات عندما تدخل المجتمعات التي تريدها فإنها ستدخل ومعها كل سلبياتها أيضاً خصوصاً الأخلاقية وانحرافاتها السلوكية. والدولة التي سترفض الدخول في هذا العقد ستحارب اقتصادياً من الجميع مما يضطرها أن تقف وحدها وسترضح على زعمهم في النهاية.

إن المخرج أيها الأحبة من هذا الفخ الذي نصبته الرأسمالية اليهودية هو قدرة العالم الإسلامي في اتخاذ قراره السياسي المستقل، وهذا لايمكن أن يتحقق إلا إذا طرح الفكر العلماني بكل مناهجه وتوجهاته، وتبنى الفكر العقائدي الإسلامي ومايحتويه من سلوكيات وقيم ونظم وتشريعات لتحقيق سعادة الانسان الدنيوية والأخروية ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون .

ثم لو اتفق المسلمون لتجاوز هذه المرحلة بتعاون اقتصادي صادق فيما بينهم بإنشاء سوق مشتركة تشكل قاعدة صلبة للتضامن فيما بينهم فقد تكون أمامهم فرصة بإذن الله عز وجل للإفلات من أخطار العولمة.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً