أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى واعرفوا ما منّ الله به على نبيكم من الصحابة الكرام ذوي الفضائل العديدة والخصال الحميدة الذين نصر الله بهم الإسلام ونصرهم به وكان منهم الخلفاء الراشدون الأئمة المهديون الذين قاموا بالخلافة بعد نبيهم خير قيام فحافظوا على الدين وساسوا الأمة بالعدل والحزم والتمكين فكانت خلافتهم أفضل خلافة في التاريخ في مستقبل الزمان وماضيه تشهد بذلك أفعالهم وتنطق به آثارهم وكان أجلهم قدرا وأعلاهم فخرا أبا بكر الصديق عبد الله بن عثمان فما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين خير من أبي بكر خلف النبي في أمته بإشارة من النبي ، فقد ثبت في صحيح البخاري في: ((امرأة جاءت إلى النبي في حاجة فأمرها أن ترجع إليه فقالت: أرأيت إن لم أجدك؟ قال: فائتي أبا بكر وهم ّ أن يكتب كتابا لأبي بكر ثم قال: يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر))، وفي رواية: ((معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر)) وخلفه النبي على الناس في الصلاة والحج فقد أمر أن يصلي أبو بكر بالناس حين مرض النبي وجعله أميرا على الناس في الحج سنة تسع من الهجرة وكل هذا إشارة إلى أنه الخليفة من بعده ولو كان أحد يستحق الخلافة بعد النبي سوى أبي بكر لخلفه النبي في الصلاة والحج.
كان أبو بكر من سادات قريش وأشرافهم وأغنيائهم شهد له ابن الدّعِنَة (سيد القارة) أمام أشراف قريش بما شهدت به خديجة للرسول حين قالت له: إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضعيف وتعين على نوائب الحق. فلما بعث النبي بادر إلى الإيمان به وتصديقه ولم يتردد حين دعاه إلى الإيمان ولازم النبي طول إقامته بمكة وصحبه في هجرته ولازمه في المدينة وشهد معه جميع الغزوات أسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم عثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف. واشترى سبعة من المسلمين يعذبهم الكفار بسبب إسلامهم فأعتقهم منهم بلال مؤذن رسول الله وعامر بن فهيرة الذي صحبهما في هجرتهما ليخدمهما. كان أعلم الناس برسول الله ومدلول كلامه وفحواه. فقد خطب النبي في آخر حياته وقال: ((إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله ففهم أبو بكر أن المخير رسول الله فبكى)) فعجب الناس من بكائه لأنهم لم يفهموا ما فهم. وكان أحب الناس إلى رسول الله قال فيه النبي وهو يخطب الناس: ((إن أمن الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته. وجاء مرة إلى النبي فقال: يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى فأقبلت إليك فقال النبي : يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبو بكر؟ قالوا: لا فجاء إلى النبي فجعل وجه النبي يتمعر حتى أشفق أبو بكر أن يقول النبي لعمر ما يكره فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم مرتين فقال النبي : إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها)). وكان أثبت الصحابة عند النوازل والكوارث ففي صلح الحديبية لم يتحمل كثير من الصحابة الشروط التي وقعت بين النبي وبين قريش حتى إن عمر راجع النبي في ذلك وشق عليه الأمر وراجع أبا بكر فكان جواب أبي بكر كجواب النبي سواء بسواء. ولما توفي النبي اندهش المسلمون لذلك حتى قام عمر وأنكر موته وقال: والله ما مات رسول الله وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم (من خلاف) ولكن أبا بكر جاء فكشف عن رسول الله فقبله وقال: بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا ثم خرج إلى الناس فصعد المنبر فخطب الناس بقلب ثابت وقال: ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وتلا: إنك ميت وإنهم ميتون ، وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين . ولما أراد أن ينفذ جيش أسامة بعد وفاة النبي راجعه عمر وغيره من الصحابة أن لا يسير الجيش من أجل حاجتهم إليه في قتال أهل الردة ولكنه صمم على تنفيذه وقال: والله لا أحل راية عقدها رسول الله ولو أن الطير تخطفنا. ولما مات رسول الله وارتد من ارتد من العرب ومنعوا الزكاة عزم على قتالهم فراجعه من راجعه في ذلك فصمم على قتالهم قال عمر: فعرفت أن ذلك هو الحق. وصفه علي فقال كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا وأحسنهم صحبة وأشبههم برسول الله هديا وسمتا وأكرمهم عليه خلفته في دينه أحسن خلافة حين ارتدوا ولزمت منهاج رسول الله كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف متواضعا في نفسك عظيما عند الله أقرب الناس عندك أطوعهم لله و أتقاهم.
تولى أبو بكر الخلافة بعد رسول الله فسار في الناس سيرة حميدة وبارك الله في مدة خلافته على قلتها فقد كانت سنتين وثلاثة أشهر وتسع ليال ومات ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء ليلة ثلاث وعشرين من جمادى الثانية سنة ثلاث عشرة من الهجرة. ومن بركته أن خلف على المسلمين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فإن هذا من حسناته رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . . الخ.
|