أما بعد:
عباد الله: إن الإسلام أوجب بين الناس التعاون والإحسان، وحرم الأذى والعدوان، وأقام العلائق بين الخلائق، ورغبهم في الحب والإخاء، والتراحم والوفاء.
ولهذا أوصى الإسلام الجار، فأمر بالإحسان إليه، وأكد حقه وحذر من إيذائه وقهره.
ولقد كان العرب في الجاهلية والإسلام يحمون الذمار، ويتفاخرون بحسن الجوار، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار.
اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم لا تصلح الدار حتى يصلح الجار
نعم والله إن الدار لا تصلح حتى يصلح الجار:
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي ولم يعرفوا جاراً هناك ينغص
فقلت لهـم كفـوا المـلام فإنها بجيرانها تغلوا الديار وترخص
فاختيار الجار يكون قبل شراء الدار.
وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذا قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة [التحريم:11].
اختارت الجار قبل الدار.
يقولون قبل الدار جار مجاور وقبل الطريق النهج أنس رفيق
إن الجار الصالح أخو لك لم تلده أمك، يذب عن عرضك، ويعرف معروفك، ويكتم عيوبك، ويفرح إذا فرحت، ويتألم إذا حزنت.
وصدق رسول الله إذ يقول: ((أربع من السعادة وذكر منها الجار الصالح))، ثم قال: ((أربع من الشقاوة: وذكر منها الجار السوء))، رواه ابن حبان في صحيحه، وكان رسول الله ، يتعوذ من جار السوء فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول))، رواه ابن حبان في صحيحه.
ولم أر مثل الجهل يدعو إلى الردى ولا مثل جار السوء يكره جانبه
أيها المسلمون: يقول النبي : ((خير الجيران عند الله خيرهم لجاره))، صححه ابن خزيمة وابن حبان.
جاورت شيبان فاحلولي جوارهم إن الكرام خيار الناس للجار
إن للجار على جاره حقوق عظيمة، أوصى الله بها في كتابه، وعلى لسان نبيه : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب [النساء:36].
فاتق الله – يا عبد الله – في جارك ذو الرحم القريب، وجارك المسلم الغريب.
نزلت على آل المهلب شاتياً غريباً عن الأوطان في زمن محل
فما زال بي إكرامهم وافتقارهم وبرهم حتـى حسـبتهم أهلـي
يقول النبي : ((ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه))، متفق عليه.
الله الله – عباد الله – ارعوا حق الجيرة، وأحسنوا مع جيرانكم السيرة، فو الله إن أذية الجار لموجبة للنار.
أقسم النبي – - ثلاثاً: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن))، قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه))، يعني شروره متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: ((لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)).
إن الأمر ليس كما تتوقعون، ولا كما تحسبون وتحسبونه هيناً وهو عند عظيم .
روي عن أنس أن النبي قال: ((من آذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله)).
اختر ما شئت - أيها الجار – الجنة أو النار.
روى أبو هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها، وصدقتها، وصيامها. وفي رواية تصوم النهار، وتقوم الليل، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال : ((هي في النار))، وقال: إن فلانة تذكر من قلة صيامها، وصلاتها، وإنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها، قال: ((هي في الجنة)) رواه أحمد.
أقول لجـاري إذا أتاني معاتبـا مدلا بحـق أو مدلاً بباطل
إذا لم يصل خيري وأنت مجاوري إليك فما شري إليك بواصل
اتقوا الله – أيها المسلمون – واعلموا أن أذية الجار، موجبة للنار، وعند الله تجتمع الخصوم.
روى عقبة بن عامر أن النبي قال: ((أول خصمين يوم القيامة جاران)) رواه أحمد.
فكيف بك أيها المسكين حين تقف بين يدي رب العالمين وجارك يقول: يا رب! إن جاري هذا لم يرع حق الجيرة، ولم يحسن معي السيرة، آذاني بعينه ينظرإلى محارمي، آذاني بسمعه يتسلط على أسراري، آذاني بلسانه يتفكه بمعايبي.
إن المؤمن من أمنه الناس، وإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
قال أبو حازم: كان أهل الجاهلية أحسن منكم جواراً، فإن قلتم: لا، فبيننا وبينكم قول شاعرهم:
ناري ونار الجار واحدة وإليه قبلي تنـزل القـدر
ما ضر جاراً لي أجاوره ألا يكـون لبيتـه سـتر
أعمى إذا جارتي برزت حتى يواري جارتي الخدر
وإن من حق جارك عليك، إن مرض عدته، وإن مات شيعته وإن استقرضك وأنت قادر أقرضته، وإن أعوز سترته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا ترفع بناءك على بنائه تؤذيه.
وإذا رأيته على منكر نهيته، وإذا رأيته على معروف أعنته، فلربما تعلق برقبتك يوم القيامة، يقول: يا رب رآني على منكر فلم يأمرني ولم ينهني.
ولقد ابتلينا في هذا الزمان، بالإعراض عن الجار، فكثير من الأحياء، الجار فيها لا يعرف شيئا عن جاره، بل لا يعرف اسمه، ولا بلده، ولا غناه ولا فقره.
وواجب المسلم تجاه جاره أن يتحسس حاله، فإن رآه على خير أعانه، وإن رآه معوجاً أقامه. كما عليه أن يتفقد حاله ومعاشه فإن النبي قال: ((ما آمن من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهم يعلم)) رواه الطبراني.
وكيف يسيغ المرء زاداً وجاره خفيف المعى بادي الخصاصة والجهد
وليتق الله – عز وجل – كل جار بينه وبين جاره قطيعة وضغينة .
يقول النبي : ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) متفق عليه.
وليتق الله – عز وجل – أهل الدور والزروع لا يعتدي بعضهم على بعض، وليرعوا حق الجيرة.
روى الإمام أحمد: عن أبي مالك أن النبي قال: ((أعظم الغلول عند الله – عز وجل – ذراع من الأرض تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً)).
إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|