أما بعد: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر: 24].
من هذه الأسماء الحسنى انطق حديثنا عن أسرار الخلق، وكيف بدأ الله الخلق، وأول ما خلق، وأنه خلق آدم بيده، وخلق له من نفسه زوجة؛ خلق المرأة من ضلع آدم، كما أخبر بذلك الصادق الأمين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالله الخالق سبحانه، خلق كل شيء فقدره تقديرًا، كل شيء عنده بمقدار، أحسن كل شيء خلقه، فسبحانه ما أعظم حكمته وقدرته، وما أوسع علمه، هذا الكون الهائل العظيم، كل شيء فيه يسير بنظام ويتحرك بقانون، لا يستطيع أن يخرج عنه قيد شعرهة، قدره وصنعه وركبه العزيز الحكيم اللطيف الخبير سبحانه وتعالى.
ومن القوانين الإلهية في هذا الكون أنه سبحانه خلق كل شيء فيه مبنيًا مكونًا من زوجين اثنين، مبنيًا على زوجين اثنين وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات: 49].
ويتم نظام الكون بالتوافق والتكامل بين هذه الزوجين؛ في المكان، وفي الزمان، وفي الحيوان، وفي الإنسان؛ في كل من هؤلاء خلق الله سبحانه وتعالى كل هؤلاء من زوجين اثنين؛ فيتم نظامه ويقوم كيانه على التوافق والتكامل بين هذين الزوجين.
في المكان أعلى يقابله أسفل، وداخل يقابله خارج وشرق يقابله غرب، وشمال يقابله جنوب، في الزمان: ليل يقابله نهار، وظلمة يقابلها إسفار.
وفي الحيوان: ذكر وأنثى؛ قال تعالى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى [النجم: 45].
ولما أراد سبحانه؛ لما أراد بعدله أن يفرق أهل الأرض جميعًا، أمر نبيه نوحًا عليه السلام أن يحمل في سفينته من كل شيء زوجين اثنين. قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [هود: 4].
والإنسان رجل تقابله امرأة، قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا [فاطر: 11].
فكل من الزوجين في كل هذه الأشياء يقابل الآخر، وله مهمة غير مهمة الآخر، وبالتوافق والتكامل بين هذه الأزواج يقوم نظام الكون، ولو اختلطت مهماتها لفسد نظامها واختل كيانها؛ لفسد نظام هذه الأزواج واختل كيانها، فسبحانه ما أعظم قدرته وأعظم حكمته!
هذه الحقيقة الكونية ليس هناك عاقل يجهلها؛ فالنهار له طبيعة غير طبيعة الليل، والرجل له مهمة غير مهمة المرأة.
النار للسعي والحركة، وطلب الرزق ابتغاء فضل الله تعالى، والليل للسكون والراحة والنوم؛ فإن الإنسان بين يوم حافل بالسعي والحركة والعناء والمشقة بحاجة إلى فترة من الراحة يلتقط فيها أنفاسه ويجدد قوته وهمته.
الرجل للسعي والحركة وطلب الرزق والضرب في مناكب الأرض ابتغاء فضل الله، وإدارة الصراع بين قوى الخير والشر.
والمرأة للبيت تبنيه وتعمره ليكون سكنًا يأوي إليه الرجل بعد اليوم حافل بالمشقة والعناء قال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل: 1-4].
فهذه الأشياء المتقابلة؛ الليل يغشى الكون بسكونه وظلمته، والنهار يُسفر بنهاره وصبحه، والذكر يسعى في مناكب الأرض طلبًا للرزق وعمارة لها، والمرأة للبيت ترتبه وتهيئه للسكينة.
فلو اختلطت هذه المهمات من هذه المتقابلات كيف يتم نظام الحياة؟!.
يختل نظام الحياة، لا يتصور عاقل أبدًا أنه يمكن أن تختلط المهمات بين هذه المتقابلات ويبقى نظام الحياة دون أن يختل أو يفسد، فهذه الأشياء المتقابلة لكل واحد منها مهمة خلقه الله سبحانه وتعالى لها؛ فعلى كل من الرجل والمرأة، على كل من الرجل والمرأة أن يقف عند حدود المهمة التي خلقه الله تعالى من أجلها، التي خلقه الله تعالى لها.
فالمرأة سكن والرجل للسعي والحركة، والليل سكن والنهار للسعي والحركة، فمهمة الرجل ألصق ما تكون بالنهار، كما أن مهمة المرأة أشبه ما تكون بالليل؛ ولذلك وصف الخالق سبحانه وتعالى؛ كل من الليل والمرأة وصفهما بأنهما سكن؛ قال سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [يونس: 67]. وقال سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم: 2].
فعلى كل من الرجل والمرأة أن يقف عند حدود المهمة التي خلقه الله عز وجل من أجلها، لا يحاول التمرد على القانون الإلهي والنظام الرباني، بل يتفانى في السعي والحركة ضمن هذا الإطار الرباني والقانوني الإلهي ويعطي مهمته التي خلق الله لها كل من عنده من قدرات وإمكانات، لا يبخل عليها بإمكاناته، ذلك إن كان مؤمنا مصدقا بحكمة الخالق العظيم سبحانه وتعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |