أما بعد:
فالشهادة في سبيل الله هدف الحياة حياة المسلم يجب أن تكون كلها توحيد وعبادة وجهاد فالجهاد في سبيل الله دعامة كبرى من دعائم الإسلام بل هي ذروة سنام الإسلام والجهاد في سبيل الله أيضا حياة كاملة يجب أن يحياها المسلم أي يجب على كل مسلم أن يجعل من برنامج حياته نصيبا كبيرا للجهاد فإذا غفل عن ذك ونسي الجهاد واستكان إلى متاع الحياة الدنيا وليس من حياته أي نصيب للجهاد مات على شعبة من النفاق فالمنافقون هم الذين كانوا يتخلفون عن الجهاد ولم يكن يتخلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يتخلف عن الجهاد إلا عاجز أو منافق لذلك جعل الله الجهاد علامة فارقة بين المؤمنين والمنافقين قال تعالى : وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعانكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما بما يكتمون [آل عمران:167].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يغزُ ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق)) أخرجه مسلم. والمراد بالغزو في هذا الحديث القتال في سبيل الله فالمؤمن إذن بين حالين إما أن يكون غازيا بنفسه مقاتلا في سبيل الله بنفسه أو يكون محدثا نفسه بذلك أما إذا كانت الحالة الثالثة وكان غافلا عن الغزو والقتال لا يقاتل ولا يحدث نفسه بذلك فهو على شعبه من نفاق وليس المراد بحديث النفس في هذا الحديث الخواطر والأماني فالخواطر والأماني لا اعتبار لها ولا قيمة لها بالإيمان: ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب [النساء:123] ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل . فحديث النفس المقصود المراد به في هذا الحديث النية الصادقة والعزم الأكيد على الجهاد بأن يهيئ المؤمن نفسه لذلك بأن يكون على استعداد للجهاد يصبغ حياته بصبغة الاستعداد للجهاد فالمؤمن المجاهد جندي في حالة استعداد دائم واستنفار مستمر ولذلك هو يتبلغ من الحياة بالقليل فإن تاقت نفسه إلى شيء من طيباتها أخذ بالقصد والاعتدال كيف يجاهد كيف يجاهد من كان أثير الترف وحياة البذخ والإسراف. الأمة التي تعيش في قصور سقوفها من ذهب ومعارجها من فضة ورياشها من حرير. الأمة التي عودت نفسها على حياة البذخ الأوربي الإفرنجي لا تصلح للجهاد أبدا لا تفكر في الجهاد أبدا لن تحدث نفسها بالجهاد أبدا بل ربما كانت حربا على الجهاد والمجاهدين يضيق صدرها بذكر الجهاد والمجاهدين ربما كانت حربا على الجهاد والمجاهدين. المؤمن المجاهد يصبغ حياته بصبغة الاستعداد للجهاد ولذلك يكتفي من الحياة الدنيا بالقليل لأنه جندي في حالة استنفار مستمر أما المؤمن الغازي فهو الذي بذل نفسه في ميدان القتال وباشر القتال في سبيل الله بنفسه وقدم دمه طاهرا ذكيا في ميدان الجهاد في سبيل الله ومثله الذي جهز غازيا في سبيل الله من ماله ويلحقهما في الأجر والثواب المؤمن الذي خلف الغزاة في أهلهم بخير أي كان سندا لهم من وراء الجبهة فهذا مرفق من أهم وأخطر المرافق في الجهاد. عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يغزُ ولم يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة)) أي أصابه بمصيبة داهية أخرجه أبو داود.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)) فقد يكون للسان ووسائل البيان ووسائل الإعلام أثر أشد من أثر السلاح في كثير من المواقع لذلك قال صلى الله عليه وسلم لشاعره حسان رضي الله عنه: ((اهجُ المشركين وروح القدس معك فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من نضح النبل)) أي من وقع السهام من وقع النبال فوسائل اللسان والبيان قد تكون في بعض الميادين والمجالات أشد أسلحة الجهاد أثرا ونكالا بالعدو . الإسلام دين الجهاد والقتال وبعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وجعل رزقه تحت ظل رمحه والمؤمن المسلم الذي لا يجاهد ولا يحدث نفسه بالجهاد على شعبة من نفاق ومع ذلك كيف تركنا الجهاد وكيف غفلنا عن الاستعداد للجهاد والمسلمون اليوم أكثرهم لا يجاهدون ولا يحدثون أنفسهم بالجهاد بل بعضهم حرب على الجهاد وأهله ولذلك ضرب الذل والصغار عليهم وبلغوا درجة شديدة من التدهور والانحطاط في جميع المجالات السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية نحن المسلمون اليوم واقعون تحت قهر أعدائنا شعرنا بذلك أم لم نشعر فسلطان أعدائنا السياسي يتحكم فينا بمختلف الوسائل وفكرهم وإعلامهم وإسلوب حياتهم سيطر علينا في حياتنا وفي مجتمعاتنا وقبلتنا الأولى داستها أقدام القردة والخنازير ونحن نتفرج لا نحير جوابا ولا يتحرك فينا عرق فأي ذل وأي صغار هذا الذي نعيش فيه إنه تحقيق للوعيد النبوي الذي أنذر به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته إن هي تركت الجهاد فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم)) وعن عبد الله بن عمر أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إذا تبايعتم بالعينة - والعينة نوع من أنواع البيوع الربوية - وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) أخرجه أبو داود هذا هو واقعنا اليوم كل همنا في حياتنا أن تكبر التجارة والجري لاهثين وراء متاع الحياة الدنيا وأغلب بيوعنا وقعت ضحية المعاملات الربوية وقعنا ضحية لشبكة الربا العالمية المتحكمة كالأخطبوط في حياة البشر وتركنا الجهاد لا نجاهد ولا نحدث أنفسنا بالجهاد ولم نهيئ أنفسنا ولا أبناءنا للجهاد ولذلك فهذا هو الذل الذي ضرب علينا ولن يرفع أبدا حتى نرجع إلى ديننا دين الجهاد الدين الذي بعث نبيه بين يدي الساعة بالسيف وجعل سيفه تحت ظل رمحه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير [ التوبة:38]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.