أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فنعم اللباس التقوى، ونعم الزاد التقوى.
أيها المسلمون، إن أهل العقل والعلم والنظر المتوازن ليسوا بمغرمين ولا بمبالغين في تصوير أن وراء كل حدثٍ مؤامرة، ولا من المتوهمين أن خلف كل حديث تآمراً. ولكنهم في ذات الوقت لن يكونوا من أولئك الذين يسلمون القياد، ويُرخون الزمام لتقودهم أفكارٌ فاسدةٌ، أو تضلهم دعواتٌ ماكرة، أو يسيروا خلف كل ناعقة.
إننا بين يدي مؤتمرٍ سوف ينعقد قريباً هذه الأيام ليتحدث ويوصي ويقرر عن المرأة والأسرة والبيت وشؤونه، يتحدث عن التنمية والسلام والمساواة. مؤتمرٌ ينسب إلى الأمم المتحدة.
كم تحدثوا وائتمروا عن التنمية والأمية، والتعليم والصحة، ورفع الفقر وأعباء المديونية، وحقوق الإنسان وكرامة الإنسان وهذه كلها كلماتٌ جميلة ودعوات براقة كل يحبها، وكلٌ يتمنى تحقيقها.
لقد مرَّ على قيام هذه المنظمة خمسون عاماً فأي فقرٍ مدقعٍ؟ وأي سلام رسخ؟ وأي كرامةٍ للإنسان حفظت؟.
إن سيطرة القرار الغربي على مجريات الأمور أصبحت واضحةً بيِّنةً. إنه وحده الذي يستصدر قرارات لها أثرها ونفاذها إذا شاء الله، وتكون الأخرى حبراً على ورق إذا شاء.
من هذه المسلمات يكون الحديث عن مؤتمر المرأة هذا، ومن هذه المنطلقات يكون النظر إلى هذا المؤتمر.
إنه مؤتمر لا يعلو فيه إلا صوت الجمعيات المتطرفة التي أعلنت الحرب منذ زمنٍ على الأسرة والحياة الكريمة، والبيت الكريم، التطرف الذي دعا بغلوه إلى الحرية الجنسية، والتفسخ الخلقي، والدعارة المعلنة المقننة. دعواتٌ ومقرراتٌ تصادم الفطرة وتنابذ كل القيم الإيمانية المستقرة في ضمائر الأسوياء من البشر.
وحينما يُقال: إن المتطرف هو الذي يُعِدُّ أوراق عمل هذا المؤتمر وهو الذي يصوغ وثائقه وتوصياته ليس هذا من جُزاف القول، ولا من دعاوى الباطل.
إن جماعات التطرف النسائية لها دورٌ فعالٌ، في الإعداد، وإن أعضاء تلك الجمعيات نساءٌ شاذات متعاطيات للسحاق.
تطرفٌ ينظر إلى مصطلح الأسرة والبيت العائلي نظر ازدراءٍ وتنقص، ونظر رجعية، ومخلفات القرون البائدة.
إن هذا المؤتمر في أنبائه يتحدث عن القهر والعنف الذي تتعرض له المرأة.
بلى لقد حفل التاريخ ولا يزال يحفل بألوانٍ من الأذى وقع على المرأة فقد حملت من القيود والمظالم بسبب التعسف المكروه في التقاليد والعادات الموروثة الجائرة في مختلف الحضارات والنظم.
ولكن ما هو الحل؟ هل الحل ـ كما يريد المؤتمر ـ في تصوير العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة صراع واستعباد واستذلال؟ علاقة تنافس غير شريف؟ سبحان الله كل عالمهم صراعٌ في صراع، وحروب شتى في ميادين شتى، البارد منها والساخن، حتى أدخلوها على الرجل وأهل بيته.
أما علموا أن العلاقة عندنا ـ أهل الإسلام ـ علاقة مودة ورحمة وطمأنينة وسكن: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:189]. وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
وإن كنا نستنكر الممارسات الخاطئة من بعض المسلمين وخلطهم بين التقاليد الموروثة المخالفة لآداب الإسلام وأخلاقه وبين تعاليم الإسلام الحقة الصحيحة.
هذه المرأة المقهورة أفلا يكون الخلاص لها إلا بالإباحية الجنسية، والشذوذ الجنسي، والتفسخ الأسري، وتقويض بنيان البيوت الكريمة ومحاربة الزواج المبكر، وفتح أبواب الإجهاض بسبب صحيح وبغير سبب؟؟.
هل خلاصها أن تكون غانيةً في سوق الملذات والشهوات يستمتع بها الرجل ويستبد من طلوع الشمس إلى غروبها ومن غروبها إلى طلوعها؟ في دور الأزياء، وقاعات السينما، وشاشات التلفاز، وصالات المسارح، وشواطئ البحار والأنهار، وبيوت اللهو والدعارة، وأغلفة المجلات والصحف السيارة؟؟ بل أقول ولا أخشى لائماً حتى في ردهات مستشفياتهم وملاحاتهم الجوية وأستحي أن أقول في دور التعليم ومحاضن التربية؟؟.
هل هذا هو سبيل الخلاص من القهر الذي ينشدون؟ والعنف الذي يقولون؟.
إنها البيوت الخربة والمسؤولية الضائعة حين ألقاها الرجل الغربي عن كاهله فوقعت نساؤهم حيث وقعت، إهمالٌ وتنصلٌ من مسؤولية الإنجاب والتربية. فأصبح ذكرهم وأنثاهم لنفسه لا لأمته، للذاته لا لكرامته، فالفساد في مجتمعاتهم يستشري، والخراب إلى ديارهم يسري.
لم يتحدثوا عن المرأة المقهورة المعذبة، المرأة المشردة، المرأة المغتصبة من إفرازات حروب أنشؤوها، وكوارث أثاروها، من الظلم العالمي، والفقر المتدني في شعوب تنتسب إلى الأمم المتحدة. ما حال أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا في فلسطين وكشمير والبوسنة والشيشان وبورما والصومال؟؟.
إن وثائق المؤتمر لا تكاد تعير هذا اهتماماً في مقابل احتفائها واحتضانها للشاذات والبغايا والمومسات. والمصابين والمصابات بكل ألوان أمراض الجنس الفتاكة.
هذا نبأ من أنباء المؤتمر.
ونبأ آخر وهو يتحدث عن التنمية النسوية. إنه حديث كله أو جله عن ما أسماه بالمرأة العاملة!! العمل شيء محمود، ومبتغى مقصود، مادام منضبطاً بضابط الدين والخلق، والله لا يضيع عمل عاملٍ من ذكر أو أنثى بعضهم من بعض.
ولكن المرأة العاملة في عرفهم هي المترددة على بيتها وأطفالها وشؤون منزلها.
لا يقال ذلك إفكاً أو افتياتاً. إنهم يقولون: إن عمل ربة الأسرة داخل بيتها عمل ليس له أجر إنهم يقولون: ذاك عملٌ لا مردود له. إنهم يقولون: هذه خدمة مجانية، وعملٌ غير منتج.
هذه هي نظرتهم وهذا هو مقياسهم وميزانهم. تربية النشء والحفاظ على الكرامة والاستقرار العائلي والنفسي ليس بعمل، وليس له أجر ولا مردود، وغير منتج. هكذا قاس قائسهم وقدَّر مقدِّرُهم. ألا قُتِل كيف قدر، ثم قتل كيف قدر؟.
إنهم لا يعرفون الرحم ولا التراحم، ولا يعرفون البر ولا الفطرة؟؟ أي خيانة أكبر من خيانة إهمال النشء وإهلاك النسل؟؟.
إنهم يعلمون ـ ولكنهم قومٌ بهت ـ إنهم يعلمون أن السكينة والطمأنينة لا تكون إلا في بيوت مستقرة، في ظلال أسرة حانية بنسائها ورجالها وأطفالها وصباياها. أما الهمل والضياع في الأزقة والأرصفة وزوايا الوجبات السريعة فلا تبني أمة، ولا تجلب طمأنينة. بل إن حياة الطيور في أعشاشها، والسباع في أكنتها خير وأصلح من هذا الهمل الضائع. أي امرأة عاملة تعنون؟ ما قهر الرجل ولا أذل المرأة ولا استعبدهما جميعاً إلا مثل هذه المبادئ المهلكة، والمقاييس الفاسدة، والحضارة المنتنة.
ومن أنباء هذا المؤتمر نبأ الإباحية، ودعوة التحلل والتفسخ وفتح الأبواب مشرعة أمام التفسخ الخلقي، ثم يذهبون يتباكون على أمراض الجنس المتفشية من الإيدز، والنسبة الغالبة في الإصابات بين المراهقين والمراهقات، وهي في النساء أعلى منها في الرجال.
إذا كان هذا هو الإيدز بأرقامه المخيفة ـ وحُق لها أن تخيف وتُرعب ـ إن كنتم مخلصين لماذا لا تطالبون بالقضاء على الأسباب؟؟ وعندكم علم اليقين أن معدل هذه الأمراض يزداد!!!. عجبٌ وعجبٌ يعالجون ظواهر العرض ويدعون أصل المرض؟؟ ينظرون إلى الأثر ويغفلون عن المؤثر؟؟ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [المائدة:103]. ومع هذا ينادون بالسلوك الجنسي المأمون. ولقد جاء في الخبر عن نبينا محمد : ((ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأمراض التي لم تكن في أسلافهم)).
أيها الإخوة، هلا رجعت الأمم المتحدة وراجعت مع خبرائها وباحثيها!! هل ما يعاني منه الغرب من مشكلاتٍ أخلاقية وآثار فساد جسمي وخلقي وتفكك اجتماعي؟ هل هو موجود بالضرورة في بقاع العالم الأخرى. أم أنه نظرٌ إلى الناس بعيون مريضة ومقاييس جائرة؟؟. إن هذه الطروحات والمعالجات هي جالبات الأمراض ومفسدات الأعراض وناشرات الحرام. هكذا تقول الأرقام والإحصائيات والدراسات والملفات.
إننا نقول بكل فخر وبكل ثقة إن أهل الإسلام هم المستهدف الأول من هذه المبادئ الفاجرة لأنهم أكثر المجتمعات محافظةً، فلا وجود يذكر للمشكلات والمصائب التي يئن منها أهل الغرب ومن انزلق في مستنقعهم، لا مكان في بلاد الإسلام يذكر للأمراض الخبيثة التي تجرها الممارسات الشاذة، ولا الحمل الحرام في بنات المسلمين.
ولكنهم لا يحبون الطهر ولا التطهر، القاعدة القرآنية بينة شاهدة: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ [النور:26].
إن الغرب وأبواقه لن يرضوا إلا أن يروا مجتمعاتنا الطاهرة الطيبة وقد انزلقت في وبائه ورجسه.
إنه إصرار من المؤتمرين على فرض النظرة الغربية الملحدة الفاجرة بكل ألوانها وشُعَبِها على جميع الشعوب.
بلى؛ إن هناك إصراراً من الغرب ورجاله ومؤتمراته ولجانه ليصهر الشعوب في عاداته وتقاليده. احتكارٌ وقهرٌ ليجعل هذا السلوك الممقوت مقياس التقدم ورمز الحضارة.
إنهم وبكل جرأة يربطون دعمهم المادي بالالتزام بهذه التوصيات الآثمة والقرارات الهادمة.
إن التوجه إلى فرض أنماط وسلوك على شعوب العالم ودوله يمثل هذه الطرق، وهذا الاستغلال ومن خلال هذه المنظمات والمؤتمرات ما هو إلا استخفاف بالشعوب واحتقار للأمم وتنكر للخصوصيات الثقافية والدينية والتقاليد والأعراف الصحيحة المرعية. وتدخلٌ في حريات الشعوب وخصوصيات الناس ومخالفٌ لما سموه في وثيقة حقوق الإنسان باحترام العقيدة ومنهج التفكير.
إننا نطالب الأمم المتحدة ـ إن كانت مخلصة منصفة ـ أن تكبح هذه النزعات الاستعمارية والهيمنة الغربية التي سببت وتُسبب كلَّ ألوان هذا العناء والشقاء.
أما نحن ـ أهل الإسلام ـ فنأرز إلى إيماننا ونطمئن إلى كتاب ربنا فقد خاطبنا رجالنا ونساءنا في التكاليف والمسؤولية: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:71-72].
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35].
|