.

اليوم م الموافق ‏24/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر

40

الإيمان, العلم والدعوة والجهاد

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, خصال الإيمان

صالح بن عبد الله بن حميد

مكة المكرمة

المسجد الحرام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

حكمة ابتلاء الله عباده – أسباب فساد الأحوال واضطرابها – أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وعاقبة تركه

الخطبة الأولى

 

أما بعد:

فاتقوا الله ـ أيها الناس ـ وتوبوا إليه، واستغفروه، فالذنوب كثيرةٌ، ورحمة الله قريبٌ من المحسنين، والأعمال سيئة، والتفريط كبير، والله لا يصلح عمل المفسدين.

عبادَ الله، ما أصاب أهل الأرض من شدةٍ، وما وقع فيهم من محنةٍ، إلا ليعلم الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين. يبتلي عباده بالمصائب تارةً، ويعاقبهم على أعمالهم تارةً، وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين.

معاشر الإخوة، لا تفسد الأحوال ولا تضطرب الأوضاع إلا بطغيان الشهوات، واختلاط النيات، واختلاف الغِيَر والمداهنات. لا تكون ضعةُ[1] المجتمع، ولا ضياع الأمة، إلا حين يُترك للناس الحبلُ على الغارب، يعيشون كما يشتهون. بالأخلاق يعبثون، وللأعراض ينتهكون، ولحدود الله يتجاوزون من غير وازع، ولا ضابط، وبلا رادع، ولا زاجر.

أيها المسلمون، التقصير في فرائض الله وفشوِّ المنكرات يؤدي إلى سلب نور القلب، وانطفاء جذوة الإيمان، وموت الغيرة على حرمات الله، فيستمرئ الناس المعاصي، ويحيق بالقوم مكر الله.

إن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت من القلوب وحشتها، وأصبحت النفوس تعتادها. يقول بعض الصالحين: إن الخوف كل الخوف من تأنيس القلوب بالمنكرات؛ لأنها إذا توالت مباشرتها ومشاهدتها أنِست بها النفوس، والنفوس إذا أنست شيئاً قلَّ أن تتأثر به، ومن ثمَّ تدعو فلا يستجاب لها.

أيها الإخوة في الله، إن الحصن الحصين، والدرع الواقي، والسياج الحامي من كل ذلك بإذن الله هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنه الوثاق الذي تتماسك به عرى الدين، وتحفظ به حرمات المسلمين. يحمي أهل الإسلام من نزوات الشياطين، ودعوات المبطلين. بفشوِّه وتأييده تظهر أعلام الشريعة في البلاد، ويكون السلطان لأحكام الإسلام على العباد.

إنه مجاهدة دائبة دائمة، يقوم بها كل مسلم حسب طاقته في بيته وفي سوقه وفي كل مرفق، يقوم من أجل بقاء أعلام الدين ظاهرةً، والمنكرات قصية مطمورة. هو فيصل التفرقة بين المنافقين، والمؤمنين: ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ هُمُ الْفَـٰسِقُونَ [التوبة:67].

وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].

يقول الغزالي رحمه الله: فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين.

بارتفاع راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعلو أهل الحق والإيمان، ويندحر أهل الباطل والفجور. يقول سفيان رحمه الله: إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر أخيك، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق. ويقول الإمام أحمد: إن المنافق إذا خالط أهل الإيمان فأثمرت عدواه ثمرتها صار المؤمن بين الناس معزولاً؛ لأن المنافق يصمتُ عن المنكر وأهله فيصفه الناس بالكياسة والبعد عن الفضول، ويسمون المؤمن فضوليًا.

إذا تعطلت هذه الشعيرة ودُكَّ هذا الحصن وحُطِّم هذا السياج فعلى معالم الإسلام السلام، وويلٌ يومئذٍ للفضيلة من الرذيلة، وويلٌ لأهل الحق من المبطلين وويلٌ للصالحين من سفه الجاهلين، وتطاول الفاسقين.

ولا يضعف هذا الركن العظيم إلا حين تستولي على القلوب مداهنة الخلق، وتضعف مراقبة الخالق، ويسترسل الناس في الهوى، وينقادون للشهوات.

جاء في حديثٍ حسنٍ عند الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه فتدعونه فلا يستجيب لكم))[2].

وفي حديث آخر عنه : ((ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا، ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمَّهم الله منه بعقاب))[3]. أخرجه ابن ماجه، وأبو داود واللفظ له، من حديث أبي بكر رضي الله عنه. وإسناده صحيح.

أيها الإخوة، إذا كثر الخبث استحق القوم الهلاك، وبكثرة الخبث تنتقص الأرزاق، وتُنزع البركات، ويعمّ الفساد، وتفشو الأمراض، وتسود الفوضى، وتضطرب الأحوال.

أقبل رسول الله يومًا على أصحابه فقال: ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنَّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضتْ في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا..))[4].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




[1]  ضعة: الذلة وضعف الحال.

[2] حسن، أخرجه أحمد (5/388)، والترمذي: كتاب الفتن – باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديث (2169)، وقال: حديث حسن. وأخرجه أيضاً ابن ماجه: كتاب الفتن – باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديث (4004) بنحوه. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1762).

[3] صحيح، سنن أبي داود: كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي، حديث (4338)، سنن ابن ماجه: كتاب الفتن – باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديث (4005)، وأخرجه أيضاً أحمد (1/2، 5). وصححه ابن حبان (304)، وذكره الضياء في المختارة (1/145)، وانظر مشكاة المصابيح بتعليق الألباني، رقم (5142).

[4] صحيح، أخرجه ابن ماجه: كتاب الفتن – باب العقوبات، حديث (4019)، والحاكم (4/540) وصححه، وأبو نعيم في الحلية (8/333-334). قال البوصيري في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به، وقد اختُلف في ابن أبي مالك وأبيه... (4/186). وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة (106).

الخطبة الثانية

 

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا رب لنا سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن أقام أمره واجتنب نهيه ودعا بدعوته واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المؤمنون، إن من التحدث بنعم الله سبحانه أن نذكر ببعض ما تتمتع به هذه البلاد من مزايا كبرى، لا تكاد توجد في غيرها صانها الله وحفظها من كيد الكائدين وحسد الحاسدين، وكتب الخير والتوفيق والصلاح والأمن والرخاء لكافة بلاد المسلمين.

أيها المسلمون، لقد قامت هذه البلاد على دعوة الحق والتوحيد، وتحكيم كتاب الله وسنة نبيه محمد ، وأخذ الناس بهما في كافة مجالات الحياة، والسير على طريق السلف الصالح فلله الحمد والمنة.

وإن هناك خصيصة عظمى لا توجد في غير هذه البلاد فيما نعلم، تلكم أنها البلد الوحيـد الذي أنشأ جهازًا خاصًا يقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهـي عن المنكـر متمثلين قوله تعالى: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ [آل عمران:104].

إنه جهاز خاص له نظامه وصلاحياته، كما أنه له الأثر العظيم في البلاد، وهو يحظى بتأييد كافة المسئولين ودعمهم، متعاون مع جميع المصالح الحكومية في سبيل تثبيت المعروف ونشره، وإزالة المنكر بشتى أشكاله وصوره، ولأهله النشاط المعروف والجهد المشكور في القضاء على الجرائم في مهدها. وبسط الأمن والطمأنينة على الأرواح والأعراض والممتلكات، سالكين مسلك العلم والحكمة، والرفق في غير ضعف، والقوة في غير عنف، وهم بعد توفيق الله وعونه مؤيدون كل التأييد من المسئولين في البلاد، محل الثقة من المجتمع كله، فجزى الله الجميع عن البلاد وأهلها خير الجزاء.

أيها الإخوة، إنها كلمة حق يجب أن تقال، وأعمال يجب أن تذكر فتشكر مع ما نرجو ونؤمل من المزيد من النشاط والعمل، كما نؤمل المزيد من الدعم والتأييد، فالتيارات كثيرة، والمغرضون كثير، ولكن الخير ظاهر، والحق علي بإذن الله، والحمد لله على ذلك كثيرًا.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً