أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واستغنوا بما أباح لكم من الطعام والشراب عما حرمه عليكم فإنه ما من شيء ينفعكم من ذلك إلا أباحه لكم فضلا منه وإحسانا وما من شيء يضركم إلا حرمه عليكم رحمة منه وامتنانا فكما أن لله النعمة عليكم فيما أباحه لكم من الطيبات فله النعمة عليكم أيضا بما حرمه من الخبائث والمضرات فعلى العباد أن يشكروا نعمته في الحالتين فيتناولوا ما أباحه لهم فرحين مغتطبين ويتجنبوا ما حرمه عليهم سامعين مطيعين.
أيها الناس: لقد انتشر شرب الدخان في مجتمعنا حتى عم كثيرا من الصغار في الأسواق والدور وهو الشراب الذي لا ينكر ما فيه من ضرر في البدن والمال والمجتمع والدين.
أما ضرره في البدن فإنه يضعف البدن ويضعف القلب ويحدث مرض السرطان والسل والسعال ويفضي إلى الموت كما يشاهد ذلك كثيرا، وكما قرر ذلك كثير من العلماء المختصين وأكد تقريرهم كبار الهيئة الصحية العالمية، وشهد به الأمر الواقع فكم من إنسان أنهك جسمه وأفسد صحته وقتل نفسه بما تعاطاه من هذا الدخان ولا تغتروا بما يرى من بعض الناس الذين يشربونه وأجسامهم سليمة فإن هؤلاء المدخنين ليسوا بحسب مظهرهم واسألهم ماذا يحدث لهم من قلة الشهية وكثرة السعال والنزلات الصدرية والفتور العام والتعب الشديد عند أقل عمل وكلفة؟ ولو أقلعوا عن شربهم لحصل لهم من القوة والنشاط ما لم يكونوا عليه حين شرب الدخان. وأما ضرره في المال فاسأل من يشربه ماذا ينفق كل يوم في شربه؟ ولو كان ينفق هذا المال فيما يعود عليه وعلى أهله بالنفع من الطعام الطيب والشراب الحلال واللباس المباح لكان ذلك خيرا له في دينه ودنياه ولكنه ينفق الكثير في هذا الدخان الذي لا يعود عليه إلا بالضرر العاجل والآجل فنسأل الله لنا وله الهداية أما ما انتفع به بعض الناس من الاتجار به والتكسب حتى صاروا بعد الترب متربين وبعد الإعواز واجدين وبعد الفقر مغتنين فلبئس ما كسبوا حراما واكتسبوا آثاما وإنهم لأغنياء المال فقراء القلوب واجدون في الدنيا عادمون لما كسبوه من الحرام في الآخرة فإنهم إن تصدقوا بهم لم يقبل منهم وإن أنفقوه لم يبارك لهم فيه وإن أخلفوه كان زادا لهم إلى النار، لا يدرون متى يأتيهم الموت فيفارقون أموالهم أشد ما يكونون بها تعلقا وأعظم ما يكونون بها طمعا وبعد ذلك يتلقاها الوارث له غنمها وعلى مخلفها غرمها وإن الفقر لخير من مال يكسبه الإنسان بمعصية الله.
أما مضار الدخان الإجتماعية فإن تفشي الأمور الضارة في المجتمع توجب فساد المجتمع وإن كثيرا ممن يشربونه الآن لا يبالون بانتشاره بين الناس بل ربما يفرح بعضهم بانتشاره وكثرة استعماله وتعاطيه ليتسلى بغيره وتهون مصيبته ولذلك كانوا يشربون أمام الناس وأمام أولادهم الصغار وهذا لا شك يهون شربه عند الصغار ويؤدي إلى نتيجة حتمية وهي أن الصغير إذا اعتاده من صغر فتك به فتكا أعظم ثم لا يستطيع الخلاص منه عند كبره وكم حصل من أعقاب السجائر وهي بقية السجائر التي يلقونها في الأرض كم حصل بها من أضرار وأمراض معدية لمن يأخذونها ويشربونها.
وأما مضاره الدينية فإن المحققين من أهل العلم الذين عرفوا مصادر الشريعة ومواردها وسلموا من الهوى قد تبين لهم تحريمه من عمومات النصوص الشرعية وقواعد الدين المرعية وإذا كان حراما كان فعله معصية لله ولرسوله وكل معصية لله ولرسوله فإنها ضرر في الدين فإن الإيمان ينقص بالمعصية كما يزيد بالطاعة.
أيها المسلمون: إن نصيحتي لمن منّ الله عليه بالعصمة منه أن يحمد الله على هذه النعمة ويسأله الثبات عليها وأن يدعو الله لإخوانه بالعصمة منه، وأما نصيحتي لمن ابتلوا به فأن يتأملوا بإمعان ودقة في مضاره ونتائجه ليقتنعوا بضرورة الامتناع عنه ويهون عليهم تركه واجتنابه وأن يلحوا على ربهم بالدعاء أن يعصمهم منها ويستعينوه على ذلك ويستعملوا الأسباب التي تعينهم على تركه وذلك بقوة العزم وعدم الجلوس في محل يشرب فيه والتسلي عنه بما أباح الله لهم من الطعام والشراب فقد فتح الله لهم من الطيبات كل باب ولم يضيق عليهم في ذلك ولله الحمد، ولينظروا في حال من عافاه الله منها كيف استصحوا وقويت أبدانهم وزالت عنهم الأضرار الناتجة عن شربه ولله الحمد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |