أما بعد :أيها الناس اتقوا الله تعالى وكونوا مع الصابرين فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، والصبر حبس النفس على طاعة الله وحبسها عن معصية الله وحبسها عن التسخط من أقدار الله، وما أُعطي الإنسان عطاء خيرا وأوسع من الصبر فإذا صبر الإنسان نفسه على طاعة الله وثابر عليها صارت غريزة له وطبيعة يفرح بفعلها ويغتم لفقدها وإذا صبر نفسه عن المعصية تعودت ترك المعاصي وصارت المعاصي مكروهة لديه وبغيضة عنده يفرح بفقدها ويغتم لوجودها حتى يوفق للتوبة منها، وإذا صبر نفسه عن التسخط من أقدار الله صار راضيا مطمئنا بما قدره الله عليه إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له فالإنسان يصاب بمصيبة في نفسه ومصيبة في أهله ومصيبة في ماله ومصيبة في أصحابه ومصيبة في أنواع أخرى فإذا قابل هذه المصائب بالصبر وانتظار الفرج من الله صارت المصائب تكفيرا لسيئاته ورفعة في درجاته وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة في ذلك فقال الله تعالى: وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون وقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: ((ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) وقال لامرأة من الصحابيات: ((أبشري فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الحديد والفضة)) وقال : ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة)) وقال: ((ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة)) وقال: ((صداع المؤمن وشوكة يشاكها أو شيء يؤذيه يرفعه الله بها يوم القيامة درجة ويكفر عنه بها ذنوبه)) الصداع وجع الرأس، وقال : ((إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة)) يريد عينيه، وقال : ((إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها)) وقال: ((ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)) وقال للنساء: ((ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار فقالت امرأة: واثنين فقال: واثنين)). فهذه الأحاديث وما ورد بمعناها بشرى للمؤمن يحتسب من أجلها المصائب التي يصيبه الله بها فيصبر عليها ويحتسب ثوابها عند الله ويعلم أن ذلك من عند الله تعالى وأن سببه من نفسه كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير .
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن إذا ابتلي صبر وإذا أنعمت عليه شكر وإذا أذنب استغفر واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم. |