.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

عقوبة المعاصي

1063

الرقاق والأخلاق والآداب

الكبائر والمعاصي

محمد حموش

تامنفوست

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الذنوب والمعاصي سبب هلاك الأمم 2- التحذير من استدراج الله تعالى 3- المعاصي سبب زوال النعم 4- المعاصي تنقص الإيمان والرزق والأمن 5- المعاصي سبب الخسران في الدنيا والشقاء في الآخرة 6- ضرر المعاصي على الحيوانات والجمادات 7- إفساد المعاصي للقلوب 8- أقسام القلوب 9- علامات القلب السليم 10- آثار المعاصي على القلوب

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، أيتها المسلمات: إن للذنوب والآثام عواقب جسيمة لا يعلمها إلا الملك العلام، فكم أهلكت من أمم ماضية وشعوب كانت قائمة فهل ترى لهم من باقية، ولا تزال تهدم في بناء أمتنا حتى تحقق فيها سنة الله الجارية، قال جل وعلا: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد .

وقال سبحانه: وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا . فترى الأمم السالفة من عهد نوح إلى هذا الزمان كلما عصت أمة الله عز وجل، أجّلها مدة من الزمان لعلهم يتوبون ويرجعون، بل إن مع عصيانهم لله عز وجل قد يفتح عليهم بالنعم ولكنها استدراج، قال تعالى: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبسلون فبيّن تعالى أن الناس إذا تركوا ما أمرتهم به رسله عليهم السلام فلم يأتمروا بأوامره ولم ينتهوا عن نواهيه فإنه تعالى قد يفتح عليهم الخيرات من سعة في الرزق ووفرة في الأموال وصحة في الأجسام وغيرها حتى إذا فرحوا بها واطمأنوا أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ولنا في الأمم السالفة العبر والعظات في بيان عقوبة المعاصي.

ما السبب في إخراج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ أليست المعاصي؟.

ما الذي أخرج إبليس عليه لعنة الله من ملكوت السماء وطرده من رحمة الله؟ أليست معصية الكبر والحسد؟، فبدل بالقرب بعدا وبالرحمة لعنة وبالجنة نارا تلظى.

ما الذي جعل الماء يعلو الجبال الراسية في عهد نوح ويغرق قومه إلا من نجاه الله عز وجل؟ أليس المعاصي والشرك؟.

إهلاك قوم عاد بالريح العقيم فما الذي أرسلها عليهم حتى أصبحوا وكأنهم أعجاز نخل خاوية وعبرة للمعتبرين؟ أليست المعاصي؟.

ما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذرية والنساء ونهبوا الأموال إنها المعاصي والذنوب قال عز وجل: فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .

وتتجلى عقوبة الله على المجتمعات بسبب الذنوب والمعاصي في عقوبتين عظيمتين:

1)     زوال النعم بمختلف أنواعها وأشكالها وحلول النقم والمحن والفتن مكانها ولقد بين الله تعالى ذلك فقال: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له .

2)     فالله تعالى لا يسلب نعمة أنعمها على قوم أو أمة حتى يحدثوا تغييرا لما هم عليه من الخير والهداية إلى الشر والضلالة، وكذلك لا يغير ما حل بقوم جزاء عصيانهم من عذاب ونكال وذل وخذلان إلى نعمة ورخاء وسلامة وإخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم من الشرور والآثام إلى توبة خالصة وطاعة ترفعهم من رذائل الأخلاق وحضيض الفساد إلى الهداية والصلاح.

وهكذا تقتضى سنة الله وعدله أن يجزي بالإحسان إحسانا وبالسوء عقابا وعذابا، فإن أحسن الناس من كان إحسانهم لأنفسهم لأنه يجنون ثماره نعمة ورحمة وإن أساؤا فعواقب إساءتهم راجعة إليهم لا يضرون إلا أنفسهم، ومن النعم الكثيرة التي تؤثر فيها المعاصي بالنقص أو الزوال :

-       نعمة الإيمان: إن بها سعادة العبد في دار الدنيا الآخرة قال تعالى: لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون فالمعاصي تؤثر على إيمان العبد بالنقص أو الزوال حتى تجره إلى الكفر، وتتراكم على قلب العبد حتى يألفها ويصبح لا يأنس ولا يظمئن إلا بها، قال تعالى: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فكذلك المجتمع فلا يزال يفعل المعاصي حتى تتغير القلوب ويعلوها الران وهناك تتغير الأعمال وتسوء الأحوال فينزل عذاب الله عز وجل.

-        نعمة الرزق والمال: فارتكاب المعاصي يؤدي إلى زوال هذه النعمة قال جل وعلا: وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون فهذا مثل ضربه الله عز وجل لكل قرية أو بلدة تأتيها الخيرات من جميع الأماكن فإنها لما تكفر بهذه النعم وتخالف أمر الله عز وجل وتفعل أنواعا من المعاصي فإنه يحل بها ما حل بتلك القرية من الجوع والخوف جزاء وفاقا إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون .

وإن ارتكاب المعاصي كما يزيل نعمة الإيمان من القلوب ونعمة الرزق والمال يزيل نعمة الأمن في الأوطان: فإن نعمة الأمن والاستقرار لمن أعظم النعم التي يتمناها كل إنسان، كل منا يريد أن يكون آمنا على دينه وعلى نفسه وعى ماله وولده وهذا إلا بتحقيق الإيمان، والابتعاد عن العصيان، قال تعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون فإنه من آمن بالله تعالى وراقبه ولم يشرك به شيئا فله الأمن والأمان في الدنيا والآخرة ومن أعرض عن هذا كانت له الحياة الضنكة قال تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى .

العقوبة الثانية: هي الخسران في الدنيا والشقاء في الآخرة فالمعاصي أيها الناس سبب لخسارة الدنيا والآخرة فهي تنسي العبد ذكر ربه والإنابة إليه، قال تعالى متوعدا من كان هذا شأنه: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الخاسرون ، على العكس من ذك أهل الصلاح والاستقامة الذين قال فيهم الله عز وجل: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون .

وقد أخبر النبي أن من جعل همه الآخرة فإنه يحصل على راحة وطمأنينة في قلبه ودنياه أما من كانت دنياه أكبر همه لم يأخذ منها إلا ما قدر له وكان في شقاء وعناء، فعن ثابت بن زيد قال: سمعت رسول الله يقول: ((من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة)).

فبسبب المعاصي يخسر الإنسان حياته وآخرته، والمعاصي لا يقتصر أثرها وضررها على الإنسان بل تتعدى إلى الأرض والحيوان، فهذا الحجر الأسود خير مثال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم ))، ومر النبي وأصحابه بديار ثمود قوم صالح فأمرهم أن لا يدخلوها إلا وهم باكون حتى لا يصيبهم ما أصابهم ولا يشربوا ماءها لأنها ديار الظالمين، فقد أصاب الأرض والماء ما أصاب القوم من العذاب بسبب المعاصي، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


 

الخطبة الثانية

أيها المسلمون، أيتها المسلمات: إن للمعاصي آثارا وخيمة على مرتكبها أو على أسرته أو مجتمعه وعلى الأرض والسماء والدواب، قال تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ، وقال أيضا: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا أي انتشرت المعاصي في البر والبحر وتبعها الشر والفساد فعبد غير الله تعالى واستبيحت محارمه وأوذي الناس في أموالهم وأبدانهم وأعراضهم نتيجة الإعراض عن دين الله وإهمال شريعته وعدم تنفيذ أحكامه وهذا كله بما كسبت أيدي الناس أي بظلمهم وكفرهم وفجورهم فأصابهم ما أصابهم من جدْب وقحط وفتن ليذيقهم الله بعض الذي عملوا من المعاصي لا بكل ما فعلوا، إذ لو أصابهم بكل ذنوبهم لأنهى حياتهم وقضى على وجودهم ولكنه الرحمن الرحيم بعباده حيث قال: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا .

وعن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدّث أن رسول الله مر عليه بجنازة فقال: ((مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله من المستريح والمستراح منه؟ قال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله عز وجل والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب )).

فالمعاصي إذا فعلت أيها الناس أفسدت على العاصي كثيرا من أموره وإن آثار المعاصي أول ما تظهر إنما تظهر في القلوب، فالقلب هو لب الإنسان وبحياته تكون الحياة السعيدة وبموته تكون الحياة الشقية التعيسة، قال ابن القيم رحمه الله: إن مما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولابد وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا بسبب الذنوب والمعاصي.

فبارتكاب المعاصي يكون فساد القلوب وضلالها وزيغها وذلها وهوانها، ولهذا نجد أن القرآن الكريم يعالج هذا الداء والبلاء، وهو فساد القلوب في كثير من آياته الكونية، ولقد ذكر الله عز وجل في القرآن أمراض القلوب وصحتها في أكثر من مئة وخمسة وعشرين موضعا وهو ما يدل على أهمية الأمر وعظمه وذلك أن الإسلام مبناه على أصول ثلاثة :أقوال وأفعال واعتقاد والقلب هو محل الاعتقاد كما جاء في حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله قال: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.. ))، وحديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله : ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب)) وقد قسم الله عز وجل القلوب في كتابه إلى ثلاثة أقسام فقال سبحانه: ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين آوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ، فالقلوب ثلاثة أنواع: القلب المريض، والقلب القاسي، والقلب المخبت الطائع، فالقلبان الأولان مفتونان وفيهما دخن وبلاء والثالث هو الفائز بخير الدارين قال تعالى: يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وللقلب السليم علامات يظهر من خلالها وكذا الميت والمريض قال ابن القيم رحمه الله: القلب الصحيح السليم ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى إدراكه، فهو صحيح الإدراك للحق تام الانقياد والقبول له والقلب الميت لا يقبله ولا ينقاد له والقلب المريض إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسي وإن غلبت عليه صحته التحق بالسليم، ومن الآثار التي تظهر على القلب بسبب المعاصي والذنوب:

1)    أن المعاصي تضعف في القلب تعظيم الرب جل وعلا ويصيبه كبرياءه فتجرّأ العبد على المعاصي يدل على عدم خوفه وتعظيمه وإجلاله لله تعالى، بل استخفافه بحق الله وآياته وأوامره ونواهيه يصل به إلى درجة أنه يكره ما يقربه إلى الله تعالى ويحب ما يباعده عنه عز وجل، قال تعالى عن مثل هذا الصنف: وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون فلو كان العبد يخاف الله ويعظمه لما تجرأ على محارمه.

2)    أن المعاصي تذهب حياء القلب وغيرته بل يصبح الإنسان لا يبالي بإخبار الناس عن سوء فعله أو قبيح قوله، ولقد بين الرسول ذلك فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله : ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) ومعناه أن الذي لا يستحي فإنه يصنع ما يشاء من المعاصي إذ الحامل على تركها هو الحياء، فإذا لم يكن هناك في قلبه حياء يردعه عن القبائح فإنه يفعلها ومن ذهاب الحياء من القلب أن يجهر الإنسان بمعاصيه فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من الجهر أن يعمل العبد بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره ربه فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا)).

3)    ومن آثار المعاصي على القلب أنها تنكس القلب وتزيغه فلا يطمئن إلا بها فالقلب إذا غرق في أوحال المعاصي والآثام وركن إليها واطمأن بها فإن القبيح يكون لديه حسنا والحسن قبيحا والمعروف منكرا والمنكر معروفا، فما وافق هواه فهو الصواب الحلال وما خالفه فهو الخطأ الحرام وحينئذ تضعف عنده إرادة التقوى بل قد تموت لاستمراره على ما حرم الله كما جاء في حديث حذيفة قال: سمعت رسول الله يقول: ((تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء)) فالمداومة على العصيان والبعد عن طريق الإيمان تسبب انتكاس القلب والختم عليه والزيغ والضلال والانقلاب إلى الباطل عن الحق قال تعالى: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم .

4)    ومن آثار المعاصي أنها تورث الوحشة في قلب العبد وضيق صدره قال ابن القيم رحمه الله: ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن ذكر الله وتعلق القلب بغيره والغفلة عن ذكره ومحبة سواه فإن من أحب شيئا غير الله عُذّب به وسجن قلبه في محبة ذلك الغير.

5)     ومن آثار المعاصي أنها توجب حرمان العلم وتوهن القلب وتجعله يستصغر الذنب الذي يرتكبه.

وإذا حرم الإنسان العلم فمن الذي يقوده إلى نور الله ويبين له الحق من الباطل فيعيش الإنسان في عمى والعياذ بالله، نعوذ بالله من العمى بعد البصيرة ومن الضلال بعد الهدى، جعلني الله وإياكم من المهتدين وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً