أيها الناس: إن يومكم هذا من الأيام المشهودة، وسمه دينكم بسمة هي الغرة اللائحة في جبين الأيام، وهي هذه الشعيرة التي تقيمون أركانها، وتجتمعون لأجلها.
فاحمدوا الله تعالى على الهداية، واسألوه أن تكون كل ساعة تأتي بعد ساعتكم هذه خيراً مما قبلها، وأن يكون اجتماعكم هذا فاتحة اجتماعات في الخير تنقضي مع العمر، تتآمرون فيها بالمعروف وتتناهون عن المنكر، وتتواصون بالحق وتتواصون بالصبر.
عباد الله: لو كانت كلمة الحكمة توازن بالذهب، أو تقدّر بالمال والنسب، لكانت كلمة علي بن أبي طالب هي تلك الكلمة، وفوقها قدراً وقيمة تلك الحكمة التي ثقفتها الفكرة العالية، ومحضتها الخبرة الراقية، وهي قوله – -: ((قيمة كل إنسان ما يحسنه)) بيّن لنا – رضي الله عنه – وهو مصدر البيان، وينبوع التبيان، أن الأعمار هي الأعمال؛ وبالإحسان فيها تتفاوت قيمة الرجال، وأن ذلك لا يرجع إلى وزن بميزان، ولا كيل بقفزان، وإنما هو عقل مفكّر، ولسان متذكّر، ومن لا عمل له، فلا عمر له، ومن لا أثر له في الدين يمتثل به أمر ربه، ولا أثر له في الدنيا تزدان به صحيفة كسبه، فوجوده عدم، وعُقباه ندم وحياته مسلوبة الاعتبار، وإن شارك الأحياء في الصفة والمميزات.
فاحرصوا، رحمكم الله، على أن تكون لحياتكم قيمة، واربأوا عن أن تكون في كفة النحس والهضيمة، واسعوا في الوصول بها إلى القيم الغالية، والحصول منها على الحصص العالية.
وأن الأعمال التي تجمل الحياة وتُغليها، وتقف بها في مستوى الإجلال وتحييها لا تعدو نوعين: وظائف العبادات التي هي سور الوحدانية، والعنوان الصادق على الإخلاص في العبودية، وهي أخف النوعين محملاً وأقربهما تحصيلاً وعملا، لأن الله لم يكلفكم من عبادته إلا باليسير، وشغل بها القليل من أوقاتكم وترك لكم الكثير.
والنوع الثاني السعي فيما تقوم به هذه الحياة الدنيا من الأعمال وتتوقف عليه عمارتها، وهذا يرجع إلى الدين بإخلاص النية، وتمحيض القصد للجري على حكمة الله وتأييد سنته الكونية.
جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وكشف عن قلوبنا - لإدراك الحقائق – حجاب الغفلة والسنة، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
|