أما بعد: فقد أثنى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فاجتمع لهم ثناء الله تعالى في كتابه وثناء رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم , روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)), في هذا الحديث يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بتعظيم أصحابه ومعرفة قدرهم وحقهم ويكفي لبيان منزلتهم أنه صلى الله عليه وسلم وصفهم بالصحبة وأضافهم إلى نفسه فقال أصحابي, فكيف وقد بين صلى الله عليه وسلم المنة العظمى في أعناق الأمة لأصحابه صلى الله عليه وسلم لذلك الرعيل الأول الذين حملوا الرسالة مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه حق الجهاد وأنفقوا في سبيل الله كل غالٍ ورخيص في أوقات بالغة الأهمية وفي مرحلة عظيمة القدر مع ضيق الحال وقلة ذات اليد , ومع ذلك رضوان الله عليهم أجمعين فقد تحملوا المشاق وكابدوا المتاعب في سبيل نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ولعظيم أثر تلك النصرة وعموم بركتها على سائر الأمة فان ما أنفقه واحد من أولئك الأصحاب الكرام مهما قل مقداره وحجمه فهو أعظم بركة وأثراً وثواباً عند الله تعالى مما ينفقه من جاء بعدهم مهما عظم حجمه وعظمت كميته , فمد من الطعام أو نصف مد أنفقه واحد من الصحابة الكرام في سبيل الله هو أعظم أثراً وبركة وثواباً عند الله من مثل جبل أحد ذهباً ينفقه من جاء بعدهم , عن عبد الله بن عمررضي الله عنهما قال: "لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة-يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم- خير من عمل أحدكم أربعين سنة" رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة.
فعلى هذه الأمة أن تعرف قدر سادتها وأن تحفظ حق قادتها رعيلها الأول وصدرها المبجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم يمثلون أفضل حقبة في تاريخ البشرية , في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) قال عمران رضي الله عنه: فلا أدرى أذكر قرنين بعده أم ثلاثة.
وقال صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث: ((ثم إن من بعدكم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يفون ويكثر فيهم السمن)), القرن هم أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران لأن أهل كل زمان يقترنون في أعمارهم وفي أحوالهم والقرن أربعون سنة وقيل ثمانون وقيل مائة سنة وهو الأصح, فعلى شرار القرون أن يتأدبوا مع خير القرون, على أهل هذه الأزمنة الفاسدة التي كثر فيها الخبث وقلت فيها الأمانة وظهر فيها السمن وكبرت الكروش من الترف والنعمة والقعود عن الجهاد, على أهل هذه الأزمنة الفاسدة أن يعرفوا قدر أنفسهم وأن يبقوا على أحوالهم وأن يتقربوا إلى ربهم بحب سلفهم وصدرهم المبجل أصحاب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلنا ببركة هذا الحب وبركة هذا التبجيل والتعظيم لأولئك الأسلاف الكرام ندرك النجاة ونسلم من الخسف والنسخ, على حد قول الشاعر:
أحب الصالحين ولست منهم و أرجو أن أنال بهم شفاعة
إن الأمة التي لا تحافظ على رموزها المبجلين ولا تحمي عرض سادتها الحقيقيين ولا تذب عن سادتها الحقيقيين عن صدرها الأول وعن رعيلها الأول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, إن أمة لا تعظم رموزها المقدسين المعظمين ولا تذب عن عرضهم ولا تحمى مقامهم لا تستحق الحياة.
وماذا يبقى لنا من كرامة وكيان وعقيدة ودين إذا سبوا سادتنا وأهانوا قادتنا وسلبوا قدوتنا رعيلنا الأول وصدرنا المبجل رضى الله عنهم أجمعين وأرضاهم, أيرضى أحدكم أن يسب أبوه أو يهان ابنه أو أخوه؟ أصحاب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم حقهم في أعناقنا أكبر من حق الأباء والأبناء والأخوان , أعظم من حق العشيرة والقبيلة, فكيف لا نغضب من أجلهم ؟ وكيف لا نذب عن عرضهم؟ وكيف لا نفديهم بأنفسنا وبكل ما نملك؟ إن هذه المسألة لا تتعلق فقط بأشخاص نحبهم ولا بأعيان نعظمهم إنما تتعلق بديننا وشريعتنا وعقيدتنا وقرآن ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فكل ذلك متعلق بالصحابة الكرام الذين نقلوه إلينا رضي الله عنهم وأرضاهم.
اللهم إنا نشهدك على حبهم, على حب أصحاب رسول الله وأنصار رسول الله وجند رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اصطفاهم الله لرسوله وخليله ونبيه صلى الله عليه وسلم. اللهم إنا نشهدك على حبهم وحب من يحبهم ونشهدك على بغض من يبغضهم. نشهدك على بغض أعدائهم وخصومهم من منافقي هذه الأمة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|