أما بعد :
فإن الإسلام لا يرضى عن الفواحش ، وينهى عن قربانها فضلا عن إتيانها، وهو يحرم الوسائل ويسد الأبواب التي تؤدي إليها كتحريمه الجلوس على مائدة أو في مجلس يدار فيها الخمر وكتحريمه النظر فهو يؤدي إلى اقتراف الزنا وفساد القلب، فكل وسيلة تؤدي إلى محرم أو منهي عنه محرم في الشريعة الإسلامية.
ولقد جاءت آيات بينات ونصوص ظاهرات في تحريم النظر إلى الأجنبية فها هو ربنا سبحانه وتعالى يأمرنا قائلا: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون [النور:30].
وهو سبحانه وتعالى يسمي اختلاس النظر إلى المحرم خيانة وذلك عندما يبين لنا سعة علمه واطلاعه فيقول: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور [غافر:19]. إنه لا يحل لرجل أن ينظر إلى امرأة غير زوجته أو محارمه من النساء.
أما نظرة الفجأة فلا إثم فيها ولا مؤاخذة إذ هي خارجة عن إرادة الإنسان ، ويجب على من وقع له نظرة الفجأة أن يصرف بصره سريعاً لقوله لعلي بن أبي طالب: (( يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة ))، رواه أحمد وأبو داود وهذا هو الصحابي الجليل جرير بن عبد الله البجلي يقول : (( سألت رسول الله عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري ))رواه مسلم.
إن النظر بريد الزنا وداع من دواعيه ومقدمة من مقدماته بل إن النظر بحد ذاته يسمى زنا .
جاء في الصحيحين عن النبي : (( كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستمـاع، واللسـان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى ، والقلب يهوى ويتمنى ، ويصدق ذلك الفرج أويكذبه )). وهذا محمول على ما إذا كان الصادر عن هذه الحواس في معصية الله.
ولقد جعل الإسلام من حق الطريق غض البصر فقد أجاب النبي أصحابه لما سألوه: (( وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر )) رواه البخاري ومسلم.
وهنا قد يسأل سائل ما هي حدود العورات التي يحرم النظر إليها؟ فأجيبه بحول الله وقوته مفصلاً وقائلا:
عورة الرجل مع الرجل وعورة المرأة مع المرأة من السرة إلى الركبة فلا يحل أن ينظر الرجل ولا المرأة إلى ما بين السرة والركبة قال : (( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة )) رواه مسلم. وقال النبي لجرهد الأسلمي لما رأى فخده منكشفة: (( أما علمت أن الفخذ عورة )) رواه أبو داود وأحمد .
وأما عورة الرجل بالنسبة للمرأة فإن كان من المحارم أو من غير المحارم فمن السرة إلى الركبة ما أمنت الفتنة إلا الزوج فليس بينه وبين زوجته عورة .
وأما عورة المرأة بالنسبة للرجل فإن كانت ذات محرم فمن السرة إلى الركبة إذا أمنت الفتنة، وإن لم تكن ذات محرم فجميع بدنها عورة، وذات المحرم هي التي لا يجوز التزوج بها لسبب مؤبد، كالخالة والعمة وابنة الأخ وابنة الأخت.
أما التي لا يجوز التزوج بها لسبب مؤقت كأخت الزوجة مثلا أو ابنة أختها أو خالتها وعمتها، فهؤلاء ليسوا ذوات محرم .
مما سبق يتضح لنا سوء عمل من يجعل لنفسه كرسياً أو متكأ أمام باب منزله أو على رصيف شارع من الشوارع للتطلع إلى ما وراء حجاب المارات من العفيفات، وللاسترسال والتمعن في المتبرجات، ويتضح لنا كذلك سوء عمل من يتخذ من متجره وسيلة للنظر إلى الأجنبيات، ويتضح لنا هنا سوء عمل الناظر إلى صور النساء في المجلات الخليعة المظهرة لمفاتن النساء وفي الأفلام الماجنة التي قد تسمى خلطاً وغلطاً أفلاماً اجتماعية، ويظهر هنا كذلك جرم من يسترق النظر إلى داخل بيوت الناس جيران وغير جيران، فهذا يحل في شريعة الله أن تفقأ عينه، وهي إن فقئت فهي هدر لا يطالب بعوضها إذ يقول النبي : (( من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه )).رواه مسلم.
ولا ننسى ذكر سوء عمل المترصد للطالبات عند دخولهن وخروجهن آمنات من مدارسهن .
إن الناظر إلى ما حرم الله يعيش في حسرة دائمة ونار تكوي فؤاده وفيه يقول الشاعر:
وكنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادرعليه ولا عن بعضه أنت صابر
|