أما بعد :
فإن الفرد منا لو أحسن إليه أحد من العباد فأخرجه من ضائقة أو قضى له حاجة، أو أعانه على أمر، أو حتى عامله بلطف، فإنه لا يعرف كيف يشكره ويرد جميله، بل قد يقول له: إني عاجز عن الشكر، وإن لك علي لفضلا.
هذا مع عبد من العباد وفي أمر يحصل على قلة وقد لا يتكرر ، فكيف يكون موقفنا مع رب الأرباب ذي الطول والحول العزيز الوهاب ؟! الذي يقول: وءاتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها [إبراهيم:34]. وقال تعالى: وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة [لقمان:20]. يخبرنا سبحانه وتعالى أنه لا سبيل لعد وحصر نعمه فهي كثيـرة متتابعـة.
لكننا سنعيش مع بعض منها لنشكره جل وعلا إذ يقول: وسنجزي الشاكرين [سورة آل عمران:145]. والشكر طريق الزيادة: لئن شكرتم لأزيدنكم [إبراهيم:7].
إن من أعظم النعم نعمة الإسلام وإكمال الدين إذ بها صلاح الدارين ويمتن المولى علينا فيقول: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة:3]. ومن النعم علينا نعمتا الأمن من الخوف ، والإطعام من الجوع ، ولا يعرف قدر هاتين النعمتين إلا من فقدهما، ومن نظر إلى الأمم من حوله فكم من حروب دمرت ونسفت، وكم من مجاعات أكلت وأبادت، ومن النعم اكتمال حواسنا من سمع وبصر وأفئدة: قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون [الملك:23].
ومن نعمه سبحانه سعة ذات اليد فالنبي يقول: (( من أصبح منكم آمنا فـي سربـه، معافـاً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا )) أو كما قال فليس منا اليوم أحد إلا وعنده قوت أسبوعه أو شهره، بل قل سنته أو سنواته، ولا ننسى نعمة الزوج والذرية إن صلحت .
ويعجب البعض لو علم أن نعم الله لا تنفك عنا حتى في المصائب فمن نعمه سبحانه في المصيبة إن اتصفنا بصفات الصابرين رفع الأجر، ووضع الوزر، وكونها ليست في الدين، وكونها يدفع بها بلاء أعظم منها، وكونها مقدرة وقد وقعت وانتهت .
إنها نعم كثيرة عظيمة فكيف السبيل إلى حفظها ، وبم نقيدها إنه يا عباد الله الشكر: فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون [البقرة:152]. والشكر يكون بالجنان وباللسان وبالجوارح، بالجنان بإسناد النعمة إلى منعمها وبقصد الخير وإضماره لكافة الخلق.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها ، وما أذنب عبد ذنباً فندم عليه إلا كتب الله له مغفرة قبل أن يستغفره، وما اشترى عبد ثوبا بدينار أو نصف دينار فلبسه فحمد الله عليه إلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر الله له ))
وشكر باللسان بقوله الحمد لله في مبدأ أمرنا ، فكل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع – أي ناقص – وفي آخر أمرنا إذ يقول المصطفى : (( إن الله ليرضى من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها )) رواه مسلم. ونشكره كذلك في سائر أحوالنا وقليل من عبادي الشكور [سبأ:13]. ويكون شكر الله بجوارحنا بعبادته كما أمر ابتعاداً عن النواهي، وفعلاً للأوامر، وبإظهار نعم الله علينا بلسان الحال والمقال، فالله يقول: وأما بنعمة ربك فحدث [الضحى:11]، يقول أحد الصحابة: (( أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة ، قال : هل لك من مال؟ قلت : نعم . قال : من أي المال ؟ قلت : من كل ، من الإبل والخيل والرقيق والغنم . قال : فإذا آتاك الله مالاً فلير عليك )) والله سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده دون عجب ولا غرور أو كبر .
إنه لا يمكن أن نؤدي شكر الله، ولكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها وهذه نعمة أخرى فهو سبحانه أنعم علينا بما هو من قدره ويقبل شكرنا على قدر طاقتنا وقدرتنا، فلنر الله من أنفسنا خيراً.
اللهم لك الحمد أولاً وآخراً ، ونشكرك اللهم ولا نكفرك، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
|