أما بعد : أيهـا المسلمون اتقوا الله تعالى وأطيعوه وتقربوا إليه بصالح الأعمال ، واعلموا رحمكم الله أن من أعظم أسباب السعادة في الدنيا والآخرة ورغـد العيش وتماسك الأمة وارتفاع معنوياتها هو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، وهذا هو المبدأ الصحيح لكل أمة تريد أن تعيش على الحق والمعروف والخير ، قال الله تعالى واصفا حال هذه الأمة بالخيرية : الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور [الحج:41].
فأخبر تعالى أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم مقومات وأسباب النصر المبين على الأعداء ، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم [محمد:7-8]. أي: إن تنصروا الله بإقامة دينه وتحكيم شريعته ينصركم نصرا عزيزا مؤزراً كما نصر نبيه على أعدائه بالرعب مسيرة شهر.
وقال تعالى: فأيدنـا الذيـن آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين [الصف:14]. أي: منتصرين على أعدائهم بالحق، فبالصلاة وصلهم سبحانه بالخيرات والبركات ، وبالزكاة زكاهم وطهرهم من داء الشح والبخل ورفعهم بعزة النفس وقوة الإيمان واليقين .
أخرج الترمذي عن ابن أبي كبشة أن النبي قال: (( ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزة ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله )) .
فبين بهذا الحديث وأكد بالقسم أن الصدقة لا تنقص المال إذا خرجت منه بل تباركه وتنميه وتزكيه، وهو الصادق في قوله المصدوق من ربه.
وفي الحديث بيان فضل الصدقة وآثارها الحسنة على المزكين والمتصدقين، وأنها لا تنقص المال، بل تفتح للمتصدقين أمورا عجيبة من وجود المكاسب المشروعة وتيسر الأمور وسعة الرزق والبركة فيه ، وانفساح الحياة لهم على حسب إحسانهم وعواطفهم الأخوية ، وتصديقهم بالحسنى ، ولقد وعد الله المزكين بتيسير أمورهم لليسرى فقال جل من قائل: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى [الليل:5-11]. أى: إذا بخل بزكاته وصدقته.
فهذه الأمور يا عباد الله ملموسة ومشاهدة من أحوال الناس، فإن الله بكل خير أسرع إليه.
المحسن والمتصدق ابتغاء وجه الله فإنه يخلفه ويضاعفه . يقول الله تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين [سبأ:39].
ولقد حذر النبي من البخل بالزكاة إذ يقول في رواية للنسائي: (( ما من رجل له مال لا يؤدي حق ماله إلا جعل له طوقا في عنقه شجاعا أقرع ، وهو يفر منه وهو يتبعه )) ، وعن جابر عن النبي قال: (( إذا أديت زكـاة مالك فقد أذهبت عنك شره )) .
وقال عمر بن الخطاب: قال رسول الله : (( ما تلف مال في بر ولا في بحر إلا بحبس الزكاة )) ، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : (( مانع الزكاة يوم القيامة في النار )).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : (( ما خالطت الصدقة أو قال الزكاة مالا إلا أفسدته )) .
قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث يحتمل معنيين:
أحدهما: ما تركت الزكاة في مال ولم تخرج منه إلا أهلكتها، والثاني: أن يأخذ الرجل من الزكاة فيضعها في ماله فتهلكه.
ألا يا عباد الله فليعلم الأغنياء المالكون لنصاب الزكاة أن الدنيا غرارة متقلبة، فلينفقوا مما آتاهم الله، وليؤدوا فريضة الله، وليعلموا أن الله الذي رزقهم قادر على أن يسلبهم ما خولهم من النعم .
ألا فلنتذكر المستحقين وحاجاتهم والفقراء وفاقتهم ، ألا فلنتذكر المجاهدين في سبيل الله في كل مكان، وخاصة في أفغانستان ولا ننسى إخواننا في دول أفريقيا المتضررة بالجفاف ، ألا فلنبحث عن المستحقين الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ولا سيما من الأقارب ، لا الوالدين والزوجة والأولاد ، إذ الصدقة لا تجزئ على من تلزمه نفقته.
يروي الإمام أحمد عن النبي قوله: (( الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة )) .
|