وبعد:
فإن الله ندب المؤمنين إلى التوبة وحثهم قائلا: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون [النور:31]. وقال سبحانه: استغفروا ربكم ثم توبوا إليه [هود:52]. وهو سبحانه يحب من تاب وتطهر: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين [البقرة:222].
وهو جل جلاله إذ ينادي عباده المؤمنين يحثهم على التوبة النصوح: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً [التحريم:8]. والتوبة النصوح هي المستغرقة الشاملة لجميع المعاصي والذنوب المخلصة لله من شوائب الرياء والشرك الجامعة لشروط التوبة .
والتوبة عباد الله كما قال العلماء واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها شروط ثلاثة:
الأول: الإقلاع عن المعصية.
والثانى: الندم على فعلها.
والثالث: العزيمة على ألا يعود إليها أبداً.
أما إذا كانت متعلقة بحق آدمي فيضاف إلى ما تقدم من الشروط شرط رابع وهو البراءة من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو حقاً رده إليه، وإن كانت حداً مقترفا مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها واستغفر له حتى يرى أنه أدى حقه، وإذا تاب العبد من بعض الذنوب قبلت توبته فيما تاب منه وبقي عليه وزر وإثم ما لم يتب منه .
لقد كان رسول الله وهو من هو مكانة ومنزلة عند ربه وطاعة وتقربا إلى مولاه سبحانه كان يتوب في اليوم ويستغفر الله أكثر من سبعين مرة إذ يروي البخاري بسنده أن النبي يقول: ((والله إني لأستغفر وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة )).
فما بالنا اليوم ونحن في زمن الفتن لا نتوب ولا تخبت قلوبنا لخالقها وتهتدي.
إن من فضل الله وكرمه فرحته بتوبة عبده كثيراً، قال النبي : (( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح )).
وعن أبى موسى الأشعري عن النبي : ((إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)).
وللتوبة- معشر المسلمين – أمد محدود وزمن معين لا تقبل بعده فإذا طلعت الشمس من مغربها كما تقدم لم تقبل التوبة، وإذا وصلت الروح إلى الحلقوم لم تقبل كذلك قال تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدكم الموت قال إني تبت الآن [النساء:18]. ولقوله فيما يرويه الترمذي: ((إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر )).
ومن الناس من يسوف في التوبة ويؤخرها ويقول: إذا كبرت وشخت تبت، فيا من هذا فعله هل ضمنت عمرك وعرفت متى يأتيك أجلك؟
كم من الأصحاب كانوا بالأمس فماتوا وزالوا وأفضوا إلى ما قدموا؟ وكم سمعنا أخبار من خرج من بيته ماشيا وعاد إليه محمولاً أو كان واقفا فسقط ميتا؟
ثم على فرض أنك عشت وبلغت من العمر عتيا، أليس من سوء الأدب أن تعطي قوتك وشبابك لإبليس وجنوده وتبقي هرمك وضعفك لمن غذاك برزقه وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة؟
ثم ما عساك تستطيع أن تفعل من الطاعات إذا اشتعل رأسك شيبا وخارت قواك ووهن عظمك وأتى الموت يطلبك؟
|