أما بعد :
أيها المؤمنون : إن الاعتقاد في الله وحده والإيمان به يقود إلى الإستلام لسننه وشرعه، وقد شاءت سنة الله أن يخلق البشر ذكرا وأنثى وأن يجعلها شقين للنفس الواحدة تتكامل بهما، وشاءت سنة الله أن يتم الامتداد في هذا الجنس عن طريق النسل عن طريق هذا الالتقاء وجهزهما سبحانه جميعا عضويا ونفسيا لهذا الالتقاء، وجعل اللذة التي ينالانها عندئذ عميقة، والرغبة في إتيانها أصيلة، وذلك لضمان أن يتلاقيا فيحققا مشيئة الله في امتداد الحياة واستمرارها، ثم لتكون هذه الرغبة وتلك اللذة دافعا في مقابل المتاعب التي يلقيا منها بعد ذلك في الذرية من حمل ووضع ورضاعة ومن نفقة وتربية وكفالة.
هذه هي سنة الله التي فطر الناس عليها وفق حكمته وتدبيره وقدرته، ومن ثم يكون الانحراف عنها متصلا بالانحراف عن العقيدة وعن منهج الله في الحياة، يعاقب الله على ذلك الانحراف بعقوبات معجلة في هذه الدنيا مع ما يدخره لصاحبه من العذاب الأليم الشديد في الآخرة .
وقد حدثنا الله سبحانه في كتابه الكريم عن أناس انحرفت فطرتهم بعد أن تقلبوا في الشهوات العارمة الجامحة، فلم يشبع نفوسهم الظامئة للانحراف إلا الشذوذ الجنسي بإتيان الذكور وترك النساء وهو انحراف في الفطرة شنيع لا يحقق نسلا ولا ينجب ذرية، ولا يجد فيها صاحبه لذة سوية ، انحراف تترفع عنه البهائم العجماوات.
قال الله تعالى عن أول قوم ظهر فيهم ذلك الانحراف: ولوطاً إذ قال لقوله أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين .
عجيب أمر هؤلاء الناس إنهم غارقون في الوحل وفي الأذى وفي الانحراف إلى آذانهم، إنهم تجاوزوا منهج الله الممثل في الفطرة البشرية السوية النظيفة، وتجاوزوا وأسرفوا في الطاقة التي وهبهم الله إياها، فإذا هم يريقونها ويبعثرونها في غير موضع الإخصاب، ثم يتبجحون وينكرون على نبي الله لوط وعلى صحبه قائلين: أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ، وما ذاك إلا ليخلو لهم الجو فيتقلبوا في الجريمة والانحراف دونما رادع أو زاجر من سلطة أو ضمير.
ولذلك استحقوا العقوبة في الدنيا، اسمعوا إلى قول الله تعالى يحكي ذلك بعد أن هرع القوم إلى ضيف لوط المكرمين: وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أو لم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين . وقال تعالى: فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد .
تلك قصة قوم حكاها الله وبين عاقبة انحرافهم نجعلها في ذاكرتنا لنتابع البشرية في هذا الجيل الذي نعيش حياته اليوم، لنأخذ عبرة أخرى من بلاد الغرب الذي يسمونه متحضرا متحررا، إنه يعيش في الجاهلية الحديثة في أوربا وأمريكا، حيث ينتشر الانحراف الجنسي الشاذ انتشارا ذريعا بعد أن استشرى الانحلال الأخلاقي والعقائدي فيهم ، بعد أن تحررت المرأة بزعمهم ،وخالطت الرجال وزاحمتهم في الوظائف وأماكن اللهو، وذلك كله لم يؤد إلى إشباع رغباتهم الدفينة ولكنه أدى إلى الانحراف والشذوذ الذي تترفع عنه البهائم.
فما هو الثمن الذي دفعه الغرب المتحلل رغم أننا نراه قويا في إنتاجه وصناعة وحضارته المادية، فلنستمع إلى أخر الأنباء في هذا المضمار تأتينا من وراء البحار.
مرض جديد انتشر في الولايات المتحدة في الثلاث مدن الكبيرة (نيويورك - سان فرنسيسكو- لوس أنجلوس)، بين المختلين خلقيا الذين يمارسون الشذوذ الجنسي، حالة من الذعر تنتاب أمريكا نتيجة هذا المرض الفتاك الذي لا يعرفون له علاجا وأخذ في الانتشار بصورة وبائية منذ عامين، زاد الذعر عندما بدأت تظهر حالات من هذا المرض في أناس لم يمارسوا الشذوذ، ولكن نقل لهم دم من بنوك الدم يشتبه في أنها من تبرع شواذ، مصداقا لقول الله تعالى: واتقوا فتنة لا يصيبن الذين ظلموا منكم خاصة .
أيها الاخوة المؤمنون: مرة أخرى إلى كتاب الله تعالى لنقرأ قوله: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فحق عليها القول فدمرناها تدميراً .
ولنستمع إلى حديث الرسول وتحذيره وهو يبين العقوبات المتعددة لمن يخالف عن دين الله وفطرته عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط))، وقال عليه السلام: ((ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت ولا منع قوم الزكاة إلا حبس عنهم القطر)).
وأقبل يوما على أصحابه فقال: ((يا معشر: خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن:لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، ومالم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)). وفي الحديث: ((إذا كثر اللوطية رفع الله عز وجل يده عن الخلق فلا يبالي في أي واد هلكوا)).
وفي حديث للنسائي: ((لعن الله من عمل عمل قوم لوط))، وأخرج الطبراني والبهيقي: ((أربعة يصبحون في غضب الله تعالى ويمسون في سخط الله: المتشبهون من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال والذي يأتي البهيمة، والذي يأتي الرجال)).
وأما العقوبة في الدنيا لذلك المنحرف الشاذ فقد قال فيها : ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به))، وقال ابن عباس : ينظر إلى أعلى بناء في القرية فيلقى منه ثم يتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط، وقال علي : من أمكن من نفسه طائعا حتى ينكح ألقى الله عليه شهوة النساء وجعله شيطانا في قبره إلى يوم القيامة .
نسأل الله تعالى أن يرفع غضبه عنا وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وأن يطهر قلوبنا وجوارحنا ومنهم الانحراف بين النساء فتكتفي المرأة بالمرأة، شذوذا وانحرافا عن الفطرة. وقد حذرنا النبي ذلك وبين حكمه فقال: ((السحاق زنا النساء بينهن)).
ونفعني الله وإياكم بهدي كتابه، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . |