أما بعد:
فمن أجل ربط المؤمن بأسوته وقدوته وسيده وإمامه سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشكرا لله على هذه النعمة المسداة والرحمة المهداة شرع لنا الصلاة والتسليم عليه في مواطن كثيرة ومواقع عديدة بل لا يذكر ربنا عز وجل إلا وذكر نبينا معه هذا هو معنى قوله: ورفعنا لك ذكرك [الشرح:4]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: رفع الله ذكره فلا يذكر إلا ذكر معه.
وأوجب سبحانه علينا ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كل يوم أوجب علينا السلام عليه كل يوم عشر مرات والصلاة عليه خمس مرات في الصلوات المكتوبة فإذا ضممت إلى ذلك السنن الرواتب والنوافل كان أكثر من ذلك.
كما أمرنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم كما بينا سابقا أن نبدأ الدعاء دائما بعد حمد الله وتمجيده بالصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرفع الدعاء إلى السماء حتى يصلى الداعي على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك موقوفا عن عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه وروي عنه مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد حتى يصلى علي أو حتى يصلي الداعي علي فلا تجعلوني كغمر الراكب صلوا علي في أول الدعاء وفي آخره وفي وسطه)) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقد بينا فيما مضى بعض المواطن سبعة مواطن من المواطن التي يشرع فيها الصلاة والتسليم على النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فنستمر في بيان ذلك فنقول:
الموطن الثامن: في دعاء القنوت من الوتر
فعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: ((اللهم أهدني فيمن هديت وعافني في من عافيت وتولني في من توليت وبارك لي في ما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت))، زاد النسائي في روايته أنه يقول في آخر هذه الدعوات المباركات وصل اللهم على محمد.
الموطن التاسع: إذا قام الرجل من نوم الليل يشرع له الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى النسائي في سننه الكبرى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال يضحك الله إلى رجلين رجل لقي العدو على فرس من أمثل خيل أصحابه فانهزم أصحابه وثبت فإن قتل استشهد وإن بقي فذاك الذي يضحك الله إليه ورجل قام في جوف الليل لم يعلم به أحد فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم حمد الله ومجده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستفت القرآن فذاك الذي يضحك الله إليه يقول: ((انظروا عبدي قائما لا يراه أحد غيري)).
الموضع العاشر: عقب ختم القرآن
سواء كان ذلك في صلاة التراويح بعد أن يفرغ من قراءة قل أعوذ برب الناس أو كان ذلك خارج الصلاة فإن هذا من مواطن إجابة الدعاء ولذلك يشرع فيه الدعاء ولذلك كان السلف رضي الله عنهم أجمعين يجتمعون عند ختم القرآن.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده ودعا قال قتادة رحمة الله: إن الرحمة تنزل عند ختم القرآن.
الموضع الحادي عشر: عند المرور بالمساجد
فقد روى القاضي رحمه الله في كتابه عن علي رضي الله عنه قال: إذا مررتم بالمسجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم تسليما عند مرورك بالمسجد ورؤيتك للمسجد ولو لم تدخل فيه صل على النبي صلى الله عليه وسلم.
الموضع الثاني عشر: عند كتابة اسمه صلى الله عليه وسلم
فقد روي من طرق كثيرة عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي قال: ((من صلى علي في كتاب لم يزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب)).
قال عبد الله بن الحكم رحمه الله: رأيت الشافعي رحمه الله في النوم فقلت: ما فعل الله بك فقال: رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما تزف العروس ونثر علي كما ينثر على العروس. قلت: بم بلغت هذا الحال؟ فقال لي قائل: يقول لك بما في كتابي الرسالة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: فكيف ذلك أي ما صيغة ذلك؟ فقال: صلى الله على محمد ما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون قال عبد الله بن الحكم : فلما أصبحت نظرت إلى الرسالة فوجدت الأمر كما رأيت.
وقال الحسن بن محمد رحمه الله : رأيت أحمد بن حنبل رحمه الله رأيته في النوم فقال لي: يا أبا علي لو ترى صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب كيف تزهر بين أيدينا صلاته على النبي في الكتاب صارت نورا بين يديه رحمه الله.
فكلما كتبت اسم النبي صلى الله عليه وسلم فاكتب الصلاة عليه والتسليم ولا تفعل كما يفعل بعض البخلاء من الكاتبين بدلا من أن يكتب الصلاة والتسليم يكتبون رمزا حرف الصاد أو كلمة صلعم وهذا لا تنطبق عليه هذه الفضيلة المذكورة.
الموطن الثالث عشر: عقب الذنب
إذا ارتكب المؤمن ذنبا فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يكفر عن ذنبه فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا علي فإن صلاتكم علي كفارة لكم من صلى علي صلى الله عليه عشرا)) وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم)) أي فيها تطهير لكم من الذنوب والآثام وفيها بركة ونماء لكم بالصلاة على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم تحصل طهارة النفس من الرذائل وتحصل البركة ويحصل النماء وتحصل الزيادة في الكمالات والفضائل فصلى الله على محمد وسلم عليه تسليما كثيرا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|