.

اليوم م الموافق ‏19/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم اتباع سنته

914

قضايا في الاعتقاد

الاتباع

عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري

المدينة المنورة

قباء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

"من أعظم حقوق رسول الله اتباعه – المراد بالأسوة – بين المحبة والاتباع – أهمية إحياء السنة ليس في الإسلام بدعة حسنة – الأصول الثلاثة لمذهب أهل السنة

الخطبة الأولى

أما بعد: فقد اخترنا أن نقدم بين يدي دروس السنة النبوية الشريفة بيان حقوق النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وحقوقه علي أمته كثيرة.

أعظمها وأجلها اتباع سنته والعمل بها ونصرتها والذب عنها وإحياؤها إن كانت قد أميتت, وكم من سنة نبوية نسيها الناس أو جهلوها ولعظم أهمية هذا المقام فإنا نزيده بإذن الله تعالى بيانا وإيضاحا تثبيتا لمن كان علي السنة النبوية وموعظة له, وتذكرة ونصحا لمن كان على البدعة وتحذيرا له من مغبة ما هو عليه, فنقول قال الله تبارك وتعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [الأحزاب:21].

قال محمد بن على الترمذي الحكيم: الأسوة في الرسول الاقتداء به واتباع سنته وترك مخالفته في قول أو فعل. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استن بسنتي فهو مني ومن رغب عن سنتي فليس مني))[1]، رواه عبد الرزاق وبعض هذا الحديث في الصحيحين وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)).

إن اتباع السنة من أعظم حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم ولذلك قال الله تعالى في   كتابه العظيم مخاطبا نبيه ومصطفاه: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله          [آل عمران:31]. لم يقل فأحبوني مع أن الاتباع يتضمن المحبة إذ لا فائدة من اتباع بلا محبة كما أنه لا تقبل المحبة دون اتباع.

ولكن السر في هذا التعبير القرآني البديع هو تنبيه السامعين إلي قوة التلازم بين الاثنين, بين محبة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وبين اتباع سنته فتفقد نفسك يا مسلم.

على كل مسلم محب للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يتفقد نفسه وأن يعرف موقفه من منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يعرف موقفه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن كان على منهج المصطفى متمسكا بسنته وهديه فليحمد الله عز وجل وليثبت فإنه على سبيل النجاة التي لا سبيل غيرها يوصل إلى الله والتي يسلم سالكوها من النار, وهي الطريق الوحيدة الموصلة إلى الجنة, إنها طريق الفرقة الناجية التي على رأسها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هاديا وقائدا ورائدا لم يكذب أهله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه الكرام الأئمة الأعلام الذين جاهدوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الجهاد وأبلوا أحسن البلاء ونصر الله بهم الدين وأعز بهم الملة ثم من بعده صلى الله عليه وسلم نقلوا للأمة سنته وهديه وشريعته, فجزاهم الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء.

قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((افترقت بنو إسرائيل على اثنين وسبعين فرقة وتفترق أمتي علي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) قالوا: ومن هي يا رسول الله. قال: ((الذي أنا عليه الآن وأصحابي))[2].

تفقد نفسك يا مسلم من أنت من هذه الفرقة الواحدة الناجية, اسأل نفسك يا مسلم أنت على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهج أصحابه الكرام, إذن فأنت من أصحاب هذه الفرقة الواحدة الناجية التي لا ينجو غيرها أبداً, وانتبه لنفسك يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم, اسأل نفسك هل أنت على سنته؟ هل أنت متمسك بهديه؟ هل سنته وهديه مقدمان عندك على هواك؟ فإن دعوى المحبة وحدها لن تنفعك إذا لم تقرنها بالاتباع, أعظم الناس محبة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أصحابه الكرام ولذلك فهم أشد الناس اتباعا له, أشد الناس تمسكاً بهديه وبسنته صلى الله عليه وسلم لا يقدمون على ذلك أي شيء, يمتثلون أمره صلى الله عليه وسلم لا يردهم ولا يمنعهم من ذلك أي شيء, يمتثلون أمره سواء فهموا الحكمة والعلة أم لم يعرفوها.

سأل رجل عبد الله بن عمر رضى الله عنهما فقال: يا أبا عبد الرحمن إنا نجد في القرآن صلاة الخوف وصلاة الحضر ولا نجد صلاة السفر. فقال له ابن عمر: يا ابن أخي إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم  إلينا ولا نعلم شيئا وإنما نفعل كما رأيناه يفعل.

نعم هذا هو الامتثال يفعلون كما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل يقتدون بهديه ويتمسكون بسنته, ينفذون أمره, ينزجرون عن نهيه سواء عرفوا الحكمة والعلة من ذلك أم لم يعرفوا, وهذا المعنى أوضح في قول عمر الفاروق رضى الله عنه وهو يخاطب الحجر الأسود حينما قال: إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله الفاروق رضي الله عنه, معنى كلامه إنني لا أعلم السر في تقبيلك ولا الحكمة ولا العلة من تقبيلك, الذي أعلمه أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولكنني مع ذلك أمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتمسك بسنته وهديه فأقبلك لأنني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك, والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم هو نفسه إنما قبل الحجر الأسود لأن الله تبارك وتعالى أمره بذلك فامتثل أمر ربه ونحن نقبله اتباعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وإلا فإنه حجر لن يخرج في حقيقة كنهه عن ذلك, ليس السر في الحجر وإنما السر في الامتثال, السر في الاتباع, اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب [الحشر:7].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم  فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] البخاري كتاب النكاح (4776)، وعبد الرزاق في مصنفه (10379).

[2] أبو داود كتاب السنة (4596).

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فإن من أفضل ما تفعله يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحيي سنته, تطبقها علي نفسك وعلى أهل بيتك وتذكر بها الناس إن كانوا قد هجروها أو جهلوها, تنشرها بينهم بكل ما تستطيع من وسائل, قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلي يوم القيامة من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا))[1]، صدق النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم, ومعنى من سن في الإسلام سنة حسنة أي من أحيى سنته صلى الله عليه وسلم بين الناس فاقتدى الناس به في ذلك فله إلى جوار أجره مثل أجور العاملين بتلك السنة اقتداءً به لما ذكرهم بها ونشرها فيما بينهم, أما من ابتدع بدعة في الدين وهي التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سيئة أي بدعة في الدين فإن عليه إلى جانب وزره وإثمه إثم كل من عمل بتلك البدعة إلى يوم القيامة واقتداءً بذلك المبتدع.

فيا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحوجك إلى ذلك الأجر العظيم وما أغناك عن هذا الوزر الثقيل أولى لك ذلك الأجر العظيم, عن عمر بن عوف المزني رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث: ((من أحيى سنة من سنتي أميتت من بعدى فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة فإن عليه من الآثام مثل من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا)), فإحياء سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم لك إلى جانب أجرك العظيم مثل أجور من عمل بها, أليس هذا أولى بك يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم مما وقع فيه كثير من الناس من البدع باسم محبة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يقولون إنها بدع حسنة لا بأس بها فإن فيها تذكيراً للناس بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فنقول لا يوجد في الدين شيء اسمه بدعة حسنة أو بدعة مقبولة، كل البدع مردودة في الدين.

من زعم أن هناك بدعة في الدين حسنة فقد نسي قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار))[2] يقول صلى الله عليه وسلم: ((كل)) وكل: يعرف العرب أنها من صيغ العموم فشملت كل محدثة لا يخرج من ذلك أي بدعة فكل البدع في الدين ضلالات وكل الضلالات مآلها إلي النار.

فانتبه لنفسك يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم واعلم أن عملاً ولو كان قليلاً توافق به سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم خير لك وأفضل لك عند الله وأعظم بركة عليك من عمل كثير تنفق عليه الأموال وتبذل فيه الجهود وتنصب وتتعب وتكد وتسعى وهو في بدعة لأن العمل الأول الذي توافق به السنة لك عليه الأجر العظيم والعمل الآخر الذي تقع به في البدعة عليك فيه وزر ثقيل كما أخبر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وهكذا كان يقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

روى الدارمي عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه قال: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة. وهكذا كان يقول التابعون لهم بإحسان قال الحسن البصري رحمه الله: عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة.

ثم يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتبه لهذه الأصول واحفظها فانك إن حفظتها ونفذتها وعملت بها فأنت على المنهج, أنت على سبيل النجاة وطريقة الفرقة الناجية, قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: أصول مذهبنا ثلاثة, أولاً الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأعمال, ثانياً الأكل من الحلال, ثالثاً إخلاص النية في الأقوال والأفعال. هذه أصول الشريعة التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, فتمسك بها يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هديه صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله علي الجماعة ومن شذ شذ في النار وأعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

يا ابن أدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان ثم صلوا علي خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا))[3] اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبى السبطين على وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.



[1] مسلم كتاب العلم (1017).

[2] أصله في مسلم كتاب الجمعة (867).

[3] صحيح مسلم (408).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً