أما بعد: فقد اخترنا أن نقدم بين يدي دروس السنة النبوية الشريفة بيان حقوق النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وحقوقه علي أمته كثيرة.
أعظمها وأجلها اتباع سنته والعمل بها ونصرتها والذب عنها وإحياؤها إن كانت قد أميتت, وكم من سنة نبوية نسيها الناس أو جهلوها ولعظم أهمية هذا المقام فإنا نزيده بإذن الله تعالى بيانا وإيضاحا تثبيتا لمن كان علي السنة النبوية وموعظة له, وتذكرة ونصحا لمن كان على البدعة وتحذيرا له من مغبة ما هو عليه, فنقول قال الله تبارك وتعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [الأحزاب:21].
قال محمد بن على الترمذي الحكيم: الأسوة في الرسول الاقتداء به واتباع سنته وترك مخالفته في قول أو فعل. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استن بسنتي فهو مني ومن رغب عن سنتي فليس مني))، رواه عبد الرزاق وبعض هذا الحديث في الصحيحين وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
إن اتباع السنة من أعظم حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم ولذلك قال الله تعالى في كتابه العظيم مخاطبا نبيه ومصطفاه: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [آل عمران:31]. لم يقل فأحبوني مع أن الاتباع يتضمن المحبة إذ لا فائدة من اتباع بلا محبة كما أنه لا تقبل المحبة دون اتباع.
ولكن السر في هذا التعبير القرآني البديع هو تنبيه السامعين إلي قوة التلازم بين الاثنين, بين محبة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وبين اتباع سنته فتفقد نفسك يا مسلم.
على كل مسلم محب للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يتفقد نفسه وأن يعرف موقفه من منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يعرف موقفه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن كان على منهج المصطفى متمسكا بسنته وهديه فليحمد الله عز وجل وليثبت فإنه على سبيل النجاة التي لا سبيل غيرها يوصل إلى الله والتي يسلم سالكوها من النار, وهي الطريق الوحيدة الموصلة إلى الجنة, إنها طريق الفرقة الناجية التي على رأسها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هاديا وقائدا ورائدا لم يكذب أهله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه الكرام الأئمة الأعلام الذين جاهدوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الجهاد وأبلوا أحسن البلاء ونصر الله بهم الدين وأعز بهم الملة ثم من بعده صلى الله عليه وسلم نقلوا للأمة سنته وهديه وشريعته, فجزاهم الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء.
قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((افترقت بنو إسرائيل على اثنين وسبعين فرقة وتفترق أمتي علي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) قالوا: ومن هي يا رسول الله. قال: ((الذي أنا عليه الآن وأصحابي)).
تفقد نفسك يا مسلم من أنت من هذه الفرقة الواحدة الناجية, اسأل نفسك يا مسلم أنت على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهج أصحابه الكرام, إذن فأنت من أصحاب هذه الفرقة الواحدة الناجية التي لا ينجو غيرها أبداً, وانتبه لنفسك يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم, اسأل نفسك هل أنت على سنته؟ هل أنت متمسك بهديه؟ هل سنته وهديه مقدمان عندك على هواك؟ فإن دعوى المحبة وحدها لن تنفعك إذا لم تقرنها بالاتباع, أعظم الناس محبة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أصحابه الكرام ولذلك فهم أشد الناس اتباعا له, أشد الناس تمسكاً بهديه وبسنته صلى الله عليه وسلم لا يقدمون على ذلك أي شيء, يمتثلون أمره صلى الله عليه وسلم لا يردهم ولا يمنعهم من ذلك أي شيء, يمتثلون أمره سواء فهموا الحكمة والعلة أم لم يعرفوها.
سأل رجل عبد الله بن عمر رضى الله عنهما فقال: يا أبا عبد الرحمن إنا نجد في القرآن صلاة الخوف وصلاة الحضر ولا نجد صلاة السفر. فقال له ابن عمر: يا ابن أخي إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلينا ولا نعلم شيئا وإنما نفعل كما رأيناه يفعل.
نعم هذا هو الامتثال يفعلون كما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل يقتدون بهديه ويتمسكون بسنته, ينفذون أمره, ينزجرون عن نهيه سواء عرفوا الحكمة والعلة من ذلك أم لم يعرفوا, وهذا المعنى أوضح في قول عمر الفاروق رضى الله عنه وهو يخاطب الحجر الأسود حينما قال: إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله الفاروق رضي الله عنه, معنى كلامه إنني لا أعلم السر في تقبيلك ولا الحكمة ولا العلة من تقبيلك, الذي أعلمه أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولكنني مع ذلك أمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتمسك بسنته وهديه فأقبلك لأنني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك, والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم هو نفسه إنما قبل الحجر الأسود لأن الله تبارك وتعالى أمره بذلك فامتثل أمر ربه ونحن نقبله اتباعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وإلا فإنه حجر لن يخرج في حقيقة كنهه عن ذلك, ليس السر في الحجر وإنما السر في الامتثال, السر في الاتباع, اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب [الحشر:7].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|