أما بعد فقد يقول قائل ما أكثر حديثك عن الإيمان. أليست هناك أمور أخرى تهم المسلمين وهناك مشكلات كثيرة يعاني منها المجتمع ليتك تتحدث عنها.
هناك أمور كثير تهم المسلمين ولكنها كلها تتفرع من قضية الإيمان.
وهناك مشكلات كثيرة يعاني منها المجتمع لكن أهمها وأخطرها ما وقع من الخطأ في إيمان الناس ثم هي سنة المصطفى .
لقد لبث رسول الله في مكة ثلاث عشرة سنة منذ أوحي إليه جعلها في أن يدعو الناس للإيمان بالله وحده.
ولم يُنزل عليه من الشرائع في مكة إلا القليل كالصلاة ثم نُزلت عليه الشرائع تترى في المدينة في مدة ولم تتجاوز عشرة أعوام.
وما امتن الله على رسوله بشيء كما امتن عليه بالإيمان والهداية إليه فقال سبحانه: وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [الشورى: 52].
وامتن الله تعالى على عامة المؤمنين بالهداية للإيمان فقال تعالى: بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين [الحجرات: 17].
ثم إن ما وقع الناس فيه وتكاثرت عليهم المشكلات وفسدت حياتهم لما وقع الخبث وطغى الفساد على إيمانهم.
الإيمان علم وعمل والفساد اليوم وقع في العلم ووقع في العمل.
كثير من المسلمين اليوم تصورهم العلمي للإيمان في غاية من الفساد وذلك بسبب أن الشياطين انصرفت بهم عما جاء به سيدنا محمد من الوحي المنزل، وذهبت بهم الشياطين كل مذهب، فتارة تحط بهم على وساوس أهل الفساد والفلسفة.
وتارة تحط بهم في زحام أوهام أهل الأوهام والمنكشفين من أهل الشر.
وهان عليهم بسبب ذلك بأمرين ما حجب قلوبهم فلم يعد نور الكتاب والسنة يجدي معهم شيئًا ولا يبدد تلك الظلمات التي غلقت تلك القلوب إلا أن يشاء الله تعالى.
وكثير من المسلمين اليوم وقع الخلل في عملهم، فهناك فجوة كبيرة بين إيمانهم وبين حياتهم وذلك إما بسبب خلو القلوب من الإيمان والعياذ بالله أو بسبب ضعف الإيمان في القلوب ضعفًا شديدًا، وهذا الضعف يتفاوت شدةً ففي بعض القلوب قد لا يبقى من الإيمان فيها إلا بسيط ضئيل ضعيف جدًا يطفئه أول داعٍ من شبهة أو شهوة.
ففي بعض القلوب لم يبق من الإيمان إلا هذا القدر البسيط الضعيف الضئيل الذي يطفئه أول داعٍ من شبهة أو من شهوة.
أيها المسلمون إن قضية الإيمان ليست شائكة ولا معقدة كما يصورها أهل الفساد والفلسفة أو كما يصورها الغارقون في أوهام أهل الأوهام في بحر الأوهام.
فإن الإيمان عند هؤلاء وهؤلاء عند أهل الفلسفة والكلام وعند الخارقين في بحار الأوهام بحار الوحدة وفي بحار الكشوفات، الإيمان عند هؤلاء وهؤلاء أشبه ما يكون بطريق وعر وصعب وكثير المهالك، بل من أعجب ما عند هؤلاء من تصوراتهم الدينية للإيمان أن الجبن عندهم هو طريق الإيمان، الجبن عندهم هو طريق الإيمان.
الجبن عندهم أولاً ثم الإيمان أو كما يعبرون بعباراتهم، الشك هو الطريق إلى اليقين والعياذ بالله تعالى.
إن كثيرًا من المسلمين اليوم لا يدرك حقيقة الإيمان ولا يفهم معنى الإيمان من أجل ذلك وتأكيدًا لأحاديثنا السابقة التي حاولنا أن نشرح فيها معنى الإيمان كما ورد في حديث جبريل عليه السلام وكنا قد وقفنا عند جواب رسول الله على سؤال جبريل لما سأله: ما الإيمان؟ أو قال له أخبرني عن الإيمان.
وتلك الوقفة هي قوله : أن تؤمن بالله، فقبل أن نعود إلى تكميل شرح معنى الإيمان كما ورد في حديث جبريل سنشرع منذ اليوم إن شاء الله تعالى في بيان حقيقة الإيمان وفضل الإيمان والدعوة إلى الإيمان كما سنّ سيدنا رسول الله .
فكثير من المسلمين كما ذكرت قد شوشت عقولهم وساوس الفلسفة في علم الكلام دعوا بذلك أم لم يدعوا، أو شوشت عليهم أوهام أهل الأوهام من أهل الكشوفات والخرافات، بل كثير من المسلمين المتعلمين اليوم ممن وقع في حبائل تلك الوساوس أو في حبائل تلك الأوهام العجائز اللاتي لم يقرأن كتابًا قط في بيوتهن إيمانهن أحسن إيمانًا منهم، ولذلك فإن عدداً من كبار أئمة علم الكلام والمتفلسفين وكبار الغارقين في بحر الأوهام والمنكشفين عدد من هؤلاء لمّا حضرتهم الوفاة وكشفت رهبة الموت لهم عن الحقائق خضبوا لحاهم بدموعهم خوفًا من الله تعالى وأسفًا على أعمالهم التي ضيعوها وشغلوها بغير كلام الله وكلام رسول الله فلما أدركوا وهم عند الوفاة أنهم قد فاتهم ندب الإيمان عن الله ورسوله لم يجدوا ملجأ يلجأون إليه إلا أن يخلوا ذممهم يخلوا ذمتهم من وساوس علم الكلام وأوهام أهل الأوهام وهتفوا وهم على أبواب الآخرة: اللهم إيمان كإيمان العجائز، يقولون وهم على أبواب الآخرة: اللهم إيمان كإيمان العجائز، يقولون: عفا الله عنا وعنهم: يا رب نلقاك وقد تخلينا عن كل تلك الوساوس والأوهام التي غرقنا فيها وضيعنا أعمارنا فيها ولا نجد اليوم ونحن على أبواب الآخرة ما نلقاك به وقد فاتنا ندب الإيمان عن كتابك وسنة رسولك إلا أن نلقاك بإيمان العجائز اللاتي لم يقرأن كتابًا قط فهو أسلم من إيمان أهل الكلام وإيمان أهل الأوهام وإيمان أهل الهتورات، إيمان العجائز اللائي في بيوتهن ممن لم يقرأن كتابًا قط أسلم من إيمان هؤلاء.
أيها المؤمنون قضية الإيمان قضية واضحة ناصعة كالشمس والطريق إليها سهل معبد ميسور لا كما يتصور أولئك يحتاج للوصول إلى حقيقة الإيمان أولاً إلى أمرين أولاً إلى نظرة سليمة وثانيًا علم بالكتاب والسنة نتلقى منهما الإيمان.
فأما إذا كانت فطرته قد شوشت عليها وساوس البيان والفلسفة أو أوهام أهل الأوهام فإن الجهد عليك مضاعف والعبء عليك ثقيل والواجب علينا أهل الإيمان أولاً أن تخلي صفحتك من تلك الأوهام والوساوس وثانيًا أن تتلقى الإيمان عن الله ورسوله.
الإيمان واضح وناصع كالشمس لا يحتاج إلى كل تلك المداورات ولا إلى كل ذلك اللف والدوران، ولا إلى كل ذلك الجدال، انظر إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كيف فهموا الإيمان وكيف تلقوا الإيمان وكيف أدركوا حقيقة الإيمان.
يروي البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: بينما نحن جلوس بالمسجد مع النبي مر رجل على جمل فأناخه ثم عقله فقال: أيكم محمد - والنبي متكئ بين ظهرانيهم، بين أصحابه، فلم يعرفه ذلك الرجل - فقالوا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فجاءه فقال له:- بن عبد المطلب قال النبي قد أجبتك، فقال الرجل:- إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجب علي حينًا به، فقال النبي : سل عما بد لك.
فقال الرجل: أسألك بربك وبرب من جاء قبلك آلله بعثك إلى الناس كلهم؟
فقال : اللهم نعم.
فقال الرجل: ناشدتك الله ،آلله أمرك بهذه الصلوات الخمس في اليوم والليلة.
قال النبي : اللهم نعم.
قال الرجل: ناشدتك الله ،آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة.
قال النبي : اللهم نعم.
قال الرجل: ناشدتك الله ، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا وتقسمها على فقرائنا.
فقال النبي : اللهم نعم.
فقال الرجل: آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي أنا ضمام بن ثعلبة أخلف بني سعد بن بكر.
وفي رواية ابن العباس رضي الله عنهما عند أبي داود أن الرجل جاء النبي فقال: ناشدتك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك إلينا رسولاً؟ فقال النبي : اللهم نعم.
فقال الرجل: وأمرك أن نعبده لا نشرك به شيئًا ونخلع هذه الأمثال التي كان آباؤنا يعملون.
فقال النبي : اللهم نعم.
فآمن الرجل.
قضية الإيمان لم تكن معقدة شائكة كما عند أهل الجدال وأهل الأوهام، سأل النبي فأجابه النبي فآمن الرجل بما جاء به النبي هكذا بيسر وسهولة انكشفت له حقيقة الإيمان بفطرته السليمة تلقاها عن الله ورسوله .
وهكذا تجد أصحاب رسول الله إذا دعاهم النبي إلى الإيمان فهموا قضية الإيمان ووعوها بقلوبهم واستجابوا لها ثم تجدهم بعد ذلك صادقين في علمهم وعملهم.
أما نحن اليوم فكثير منا قضية الإيمان عنده أصبحت قضية شائكة صعبة ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا اهدنا إلى الإيمان.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين في كل مكان فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|