أما بعد:
فيقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين [المائدة 51].
لقد قرر الله سبحانه وتعالى مبدأ الولاية بين المؤمنين ، وجعل بعضهم أولياء بعض ، يتناصرون ويتعاونون ويتعاضدون ، ويتحابون فيما بينهم بمقتضى ميثاق الأخوة الإيمانية: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وذلك لأن طبيعة المؤمن هي طبيعة الأمة المؤمنة المسلمة التي تتجمع وتتعاون لموجهة كل من يعارض الإسلام ويحارب المسلمين ويعاديهم .
والخروج عن هذا المبدأ الإسلامي الأصيل ثغرة في الإيمان ونقص ينبغي تداركه وإذا وصل إلى موالاة الأعداء ومحبتهم والتعاون معهم فإنه الخروج على قانون الإسلام أو الارتداد عنه .
ولذلك جاءت الآيات الكريمة ، يحذرنا الله فيها من أن نلقي بالمودة والمحبة إلى الكفار، أو أن نتخذهم أولياء لله دون المؤمنين حتى ولو كانوا أقرب الناس نسبا ، فقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هو الظالمون [التوبة 23]، يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة [الممتحنة 1]، لا يتخذ المؤمنون الكافرون أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه و إلى الله المصير [آل عمران 28].
والولاية التي نهى الله تعالى عنها تعني: التناصر والتحالف مع الكافرين ، ولا تتعلق بمعنى إتباعهم في دينهم ، فبعيد جدا أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين ، فإن ذلك ردة صريحة وكفر واضح مستبين ، إنما هو ولاء التحالف والتناصر الذي قد يلتبس أمره على بعض المسلمين فيحسبونه جائزا بحكم ما يقع بين الناس من تشابك المصالح والأواصر .
ويرشدك إلى هذا المعنى أن الله تعالى أنزل على نبيه محمد صدر سورة الممتحنة في شأن حاطب بن أبي بلتعه ، وفيه نهى الله تعالى عن موالاة أعداء الله ، وما كان حاطبا متبعا للكافرين ، وإنما ألقى بشيء من أسرار النبي إلى الكفار بحكم ما كان بينه وبين القوم فأراد أن يصنع عندهم يدا ، فقد كان حاطب رجلا من المهاجرين ، وكان من أهل بدر وكان له بمكة أولاد ومال ، ولم يكن في قريش من أنفسهم ، بل كان حليفا ، ولما عزم النبي على فتح مكة أرسل إليهم الخبر خشية منه على أهل له بمكة،فكان ذلك موالاة لهم.
المؤمنون بعضهم أولياء بعض ، والكافرون بعضهم أولياء بعض مهما اختلفت مللهم وتباينت نحلهم ، وتعددت راياتهم ، ولن يهدأ لهم بال حتى يردوا المسلمين عن دينهم إن استطاعوا ، قال تعالى: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم . وقال: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم .
ويتفق موقف أهل الكتاب من اليهود والنصارى مع موقف المشركين تجاه الإسلام والمسلمين و الواقع التاريخي كله ،شاهد صادق على ذلك والأمثلة عليه تعز على الحصر ، وحسبنا أن الله سبحانه وتعالى أعلمنا بذلك فقال: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ، وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة .
ولذلك أيها المؤمنون: كان الإيمان هو الآصرة التي يتجمع حولها المسلمون ، وكانت كلمة التوحيد ، كلمة لا إله إلا الله هي الراية التي ينضمون تحتها ، وكانت كل دعوة عداها دعوة جاهلية منتنة ، ينبغي على المسلم أن لا يعبأ بها ولا ينتصر لها ، إن النسب المصلح أو الجنس أو الوطن أو القوم أو غير ذلك من الشارات والشعارات ينبغي أن تكون الدعوة إليه ، إن كانت على أساس أنه ينضوي ويدخل تحت راية لا إله إلا الله ، وإلا فإن الإسلام بريء من ذلك .
وقد قطع الله تعالى العلاقة بين نوح وابنه ، وبين نوح وزوجته ، وبين لوط وزوجته ، وبين إبراهيم وأبيه ، وبين محمد وأقرب الناس إليه ، لقد فرقت بينهم العقيدة .
أيها المسلمون :ولئن كانت كل صور المودة والولاء للكفار على ما سبق من التحرش ، ولئن كانت ولايتهم تعني التناصر معهم والتحالف ، فإن ذلك يتخذ في عصرنا الحاضر صورا شتى عند بعض الناس ، نجد أمثلة لها في أولئك القوم الذين هم من بني جلدتنا ويتكلمون لغتنا ويزعمون أنهم على ديننا ، ولكنهم صنيعة من صنائع الكفار ، صنعوهم على أعينهم ، وربوهم تربية غربية خالصة في التفكير والسلوك فكانوا نموذجا لطليعة التغريب وأمثلة للغزو الفكري وأداة التقريب بين الكفار والمسلمين ليتيح موقف المفاصلة وكسر الحاجز النفسي بين المسلمين والكفار ، وأداة لمحاربة العقيدة السمحة .
ونجد هذا الذي أشرنا إليه في مجالات كثيرة ، نجده في مجالات التربية والتعليم ، عند الذين يريدون لهذه الأمة أن تخضع لمناهج الغرب في التربية والثقافة ، ونجد في وسائل الإعلام المتنوعة التي تسبح باسم الحضارة الغربية وتمجدها ، وتجده أيضا في التلقي عن الكفار والترويج لأفكارهم وآرائهم .
كما تجده في نشر المذاهب العلمانية اللادينية والأفكار الجاهلية ، وفي تقليد الكفار في أمورهم التافهة التي تشغل الأمة عن معالي الأمور عن الجد والعمل النافع المثمر ، حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلناه ، وهذا ما حذر منه النبي : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) وهنا جملة أمور يجب التنبيه عليها ، ليتم لفاعلها مجانبته دين المشركين والبراءة منهم ، ليتحقق الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين :
الأمر الأول : ترك اتباع أهواء الكفار في قليل الأمر وكثيره ، وقد أمرنا الله تعالى بذلك فقال: ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك .
الأمر الثاني: معصيتهم فيما أمروا به ، لأن الله تعالى نهى عن طاعة الكافرين فقال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً .
والأمر الثالث : ترك الركون إلى الكفرة والظالمين حيث قال تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون .
الأمر الرابع : ترك مودة أعداء الله: لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم .
الأمر الخامس: ترك التشبه بالكفار في الأفعال الظاهرة مما هو من خصائصهم ، لأن التشبه في الظاهر يورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن .
فيا أيها المسلمون: عودوا إلى أنفسكم وتلمسوا فيها الإيمان وحافظوا عليه ، فإن هذا الولاء لله وللمؤمنين ، والبراء من الكفر والشرك والكافرين والمشركين ، من لوازم التوحيد ومن مقتضيات العقيدة الإسلامية ، ومتابعة النبي ومحبته: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين .
نفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . .
|