أما بعد :
فما أعظم خسارة أولئك الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أولئك الذين يظنون أنهم قادرون أن يخادعوا الله والذين آمنوا ، ولكنهم لضلالتهم وغفلتهم لا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون .
أولئك هم المنافقون الذين كشف الله حقيقتهم في القرآن الكريم وتحدث عنهم حديثا مستفيضًا رأينا بعض ملامحه في الأسبوع الفائت ، وتعرفنا على خطورة النفاق والمنافقين ونشأتهم وكفرهم .
ولخطورتهم تحدث الله تعالى عنهم كثيرا وبين صفاتهم وأخلاقهم :
1-فهم الذين في قلوبهم مرض ، بل النصيب الأكبر من مرض القلب وفساده من حظ أولئك المنافقين: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً .
2-وهم الذين يتحاكمون إلى الطاغوت ويتركون حكم الله سبحانه مع أنهم يزعمون الإيمان بالله ورسوله: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً .
3-وهم الكاذبون الذين يتخذون أيمانهم الكاذبة ستارا لإخفاء كفرهم على الناس: ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون .
4-وهم الذين يعيبون المؤمنين ويسخرون منهم ولا يرضيهم منهم شيء وهم الذين يغدرن ولا يوفون بالعهد: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون .
5-ثم هم الذين يفسدن في الأرض: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد .
إنه نموذج للمنافق الشرير ، ذلك اللسان الذي يعجبك منه منظره ويسوؤك مخبره ، يتحدث كأنه خلاصة الطهر والنقاء والإخلاص والخير ، ولكنه امتلأ في إهابه خصومة وفسادا ، يسعى لإهلاك كل ما في الحياة من خير وأعجب ما فيه أنه عندما يفسد يزعم أنه يصلح ، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون .
بل إنهم يتظاهرون أمام الناس بأنهم على حق وأن غيرهم من المؤمنين على باطل فيقولون قولة فرعون المشرك الوثني الذي ادعى الألوهية وقال للقوم أنا ربكم الأعلى ، الذي علا في الأرض وجعل أهلها شيعا ، ولكنه يزعم أنه يريد المحافظة على الدين لئلا يفسده النبي موسى وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر الأرض الفساد .
إنها والله نكتة طريفة ، فاقع لونها ، فهل هناك أطرف وأعجب من أن يدعي فرعون عن موسى أنه يريد أن يبدل الدين ، وإنها لتتكرر في كل زمان ومكان .
ولذلك يزدادون في الفساد ويقيمون عليه عندما يتخذون وسائل ظاهرها الخير ليجعلوها مركزا التآمر على المسلمين والإضرار بهم ، فقد قال الله تعالى عنهم: والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاَ بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون .
وقد أنزل الله تعالى هذه الآيات الكريمة في أعقاب مؤامرة دبرها المنافقون ، فقد كان هنالك رجل من الخزرج اسمه أبو عامر الراهب الفاسق كان قد تنصر في الجاهلية وقرأ كتب القوم.
ولا يزال مسجد الضرار يتخذ صورا شتى تلائم ارتقاء الوسائل الخبيثة التي يتخذها أعداء هذا الدين في صور ظاهرها الدعوة للإسلام والحرص عليه وباطنها لسحق الإسلام وتشويهه ، فلم يكن عجبا أن ينفق القرآن جهدا كبيرا لبيان حقيقة أولئك المنافقين وصفاتهم ليعرفهم المسلمون بسلوكهم وواقعهم: أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم .
هذا العدو قاتلهم الله أنى يؤفكون ؟
وليس النفاق نوعا واحدا أو درجة واحدة ، بل هو نوعان اثنان :
أما الأول منهم وهو أخطر النوعين ، ذاك هو نفاق الاعتقاد ، الذي يخلد صاحبه في النار بل يجعله في الدركات السفلى من النار ، وذلك بأن يظهر صاحبه الإيمان وهو في الحقيقة على الكفر الباطن ، وقد يقر بوجود الله ويؤمن به ، ولكنه لا يرى متابعة الرسول عليه السلام وتصديقه فيما أخبر به ، وعلى هذا النوع كان عبد الله بن أبي وطغمته من المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً . وقال: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً . وقال سبحانه آمرا محمدا عليه الصلاة و السلام ألا يصلي على أحد مات منهم أبدا ،لأنهم كفار مرتدين ، فقال: ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون .
والنوع الثاني : هو الذي لا يخرج الإنسان من الدين ، ولكنه من أكبر الذنوب والمعاصي ، وهو النفاق والعملي ، ومن أمثلته هذا النفاق الرياء ، ومنهم الكذب والغدر وعدم الوفاء بالوعد لقول النبي فيما رواه أبو هريرة :((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان)).
فاحذروا النفاق والمنافقين وخداعهم ، واحذروا التخلق بأخلاقهم فإنه خطر عظيم وجر إلى الكفر والخسران والبوار ، ولخطورتهم الشديدة شن الله تعالى عليهم حملة كبيرة ، وتحدث عنهم حديثا مستفيضا ليبين حقيقتهم أمام المسلمين وليحذروهم ، كان لا بد من أكثر من حديث عن هؤلاء المنافقين وصفاتهم ومواقفهم ، أرجو الله أن يوفق لذلك ، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
|