أما بعد:
أيها الأحبة الكرام : كان الحديث في الخطبة الماضية عن حال المرأة في ظل الجاهليات القديمة لها والحديثة ، وكيف أنها تعيش تحت الذل والاستعباد ، والكيد والقهر والتسلط ، فكأني بها تحادث نفسها وهي تعيش مأساة حقيقية تقول لِمَ خلقت أنثى ولم تخلق ذكرا ، قويا جبارا متسلطا ، إن كانت هذه هي الحياة ، فبطن الأرض خير من ظهرها.
ولكن الله الرحيم اللطيف بعباده ، العليم بما هو خير لهم ، لم يشأ أن يطول الظلام ، وتستمر الظلامة على المرأة فجاء الله بالإسلام وأرسل محمدا فأشرق وجه الفجر، وبدا ثغر الشمس ضاحكا، وانطلقت أشعة الشمس في سباق محموم لتطرق على المرأة باب خدرها، تطرق عليها الباب لتقول: أبشري بخير يوم طلعت فيه الشمس عليك ، ولتأخذها إلى عالم أكثر هدوءا ، وأعظم رحمة، وأهدى سبيلا، إنه موعد طالما انتظرته المرأة موعد مع السعادة، موعد مع التكريم والعزة ، موعد مع الحرية الحقيقية.
أيها الأحبة الكرام: أنى لي أن آتي على كل مظاهر إعزاز وتكريم الإسلام للمرأة، في هذه الخطبة القصيرة، بل من أين أبدأ ، ماذا عسى أن أقول ، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
أيها الاخوة الكرام: لقد ساوى القرآن في أغلب تكاليف الإيمان بين النساء والرجال قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار . وقال تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً .
وقال : (( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له لكل مؤمن ومؤمنة حسنة )).
أما ثوابها على أعمالها الصالحة في الدنيا والآخرة فعظيم قال تعالى : من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون . وقال سبحانه: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم .
وقال : (( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت )) ، فإذا احتمل الرجل نارا الهجير واصطلى جمرة الحرب ، وتناثرت أوصاله تحت ظلال السيوف ، فليس ذلك بزائد مثقال حبة على المرأة إذا وفت لبيتها ، وأخلصت لزوجها ، وأحسنت القيام إلى بنيها .
ومن فضائل النساء ما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : ((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)) ، ومن عظيم أجر المرأة عند ربها ، ((أن رسول الله عاد عبد الله ابن رواحة ، فلما تحوز له عن فراشه ، تنحى ، فقال : أتدري من شهداء أمتي؟ قال : قتل المسلم، قال : إن شهداء أمتي إذاً لقليل ، قتل المسلم شهادة ، والطاعون شهادة، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء ، تموت وفي بطنها ولد شهادة ، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة )).
وقد يظن ظان أن أجور الرجال أكثر عند الله لما يقومون به من شهود الجماعات ، والجنائز ، والجهاد وغيرها ، والصحيح أن أجر المرأة كأجر الرجل متى قامت بأعمال يسيرة: ((أتت أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها النبي فقالت : إني رسول الله ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي : إن الله بعثك إلى الرجال والنساء ، فآمنا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات ، قواعد بيوت ، وإن الرجال فضلوا بالجمعات، وشهود الجنائز والجهاد ، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم ، وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت رسول الله بوجهه إلى أصحابه فقال: هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله فقال رسول الله انصرفي يا أسماء ، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل أحداكن لزوجها ، وطلبها لمرضاته ، واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال )) فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا بمقالة النبي ، إنه عمل قليل وأجر عظيم.
وكان يوصي أمته بالنساء خيرا وأن يرفقوا بهن قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((واستوصوا بالنساء خيرا ، فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخياركم خياركم لنسائكم )).
أيها الاخوة الكرام : إن المرأة تمر بمراحل ثلاث: تكون بنتا ثم تكون زوجا ثم تغدوا أمّا ، ولكل مرحلة من المراحل الثلاث التي تمر عليها تعيش المرأة أسمى مظاهر العطف والرحمة والعزة والرفعة .
فإذا كانت المرأة بنتا: فإن الإسلام اعتنى بها أيما عناية وصانها وحفظها وفرض لها حقوقا ، فمن ذلك العدل بين الأولاد في الهبة فعن ابن عباس رضي الله عنها مرفوعا : ((سووا بين أولادكم في العطية ، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء)) ، ومن الناس من إذا رزق إناثا ولم يرزق الذكور تبرم وتضجر ، وتشاؤم وحزن وقد نهى الله تعالى عن كل ذلك ، قال تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم قال واثلة بن الأسقع إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى ، قبل الذكر لقوله تعالى: يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور فبدأ بالإناث.
ورعاية البنت وتربيتها تربية صحيحة يدخل وليها الجنة قال : (( من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو . وضم أصابعه، أي معا ))، وعن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله يقول: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن من جرته، يعني ماله ، كن له حجابا من النار )) إن من يسمع هذا الثناء والإطراء ليجتهد ويجهد في الإحسان إليهن ، والعمل على إحسان تربيتهن تربية صالحة .
كتب أحد الأدباء رسالة إلى صديق له يهنئه بالبنت يقول : أهلا وسهلا بعقيلة النساء ، وأم الأبناء ، وجالبة الأصهار ، والأولاد الأطهار والمبشرة بإخوة يتناسقون ، ونجباء يتلاحقون :
فلو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخر للهلال
فها هي البنت تعيش جوهرة مصونة ودرة مكنونة في كنف أسرتها ، تلقى كل الحب والرعاية، وتتعلم التربية السوية الصالحة من أبويها لتكون غدا زوجا صالحة مصلحة .
|