.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

تكريم الإسلام للمرأة

260

الأسرة والمجتمع

المرأة

منصور الغامدي

الطائف

21/1/1420

أبو بكر الصديق

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

- مكانة المرأة في الإسلام والوصية بها – المراحل التي تمر بها المرأة وعناية الإسلام بها ( البنت – الزوجة – الأم )

الخطبة الأولى

أما بعد:

أيها الأحبة الكرام : كان الحديث في الخطبة الماضية عن حال المرأة في ظل الجاهليات القديمة لها والحديثة ، وكيف أنها تعيش تحت الذل والاستعباد ، والكيد والقهر والتسلط ، فكأني بها تحادث نفسها وهي تعيش مأساة حقيقية تقول لِمَ خلقت أنثى ولم تخلق ذكرا ، قويا جبارا متسلطا ، إن كانت هذه هي الحياة ، فبطن الأرض خير من ظهرها.

ولكن الله الرحيم اللطيف بعباده ، العليم بما هو خير لهم ، لم يشأ أن يطول الظلام ، وتستمر الظلامة على المرأة فجاء الله بالإسلام وأرسل محمدا فأشرق وجه الفجر، وبدا ثغر الشمس ضاحكا، وانطلقت أشعة الشمس في سباق محموم لتطرق على المرأة باب خدرها، تطرق عليها الباب لتقول: أبشري بخير يوم طلعت فيه الشمس عليك ، ولتأخذها إلى عالم أكثر هدوءا ، وأعظم رحمة، وأهدى سبيلا، إنه موعد طالما انتظرته المرأة موعد مع السعادة، موعد مع التكريم والعزة ، موعد مع الحرية الحقيقية.

أيها الأحبة الكرام: أنى لي أن آتي على كل مظاهر إعزاز وتكريم الإسلام للمرأة، في هذه الخطبة القصيرة، بل من أين أبدأ ، ماذا عسى أن أقول ، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

أيها الاخوة الكرام: لقد ساوى القرآن في أغلب تكاليف الإيمان بين النساء والرجال قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار . وقال تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً .

وقال : (( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له لكل مؤمن ومؤمنة حسنة )).

أما ثوابها على أعمالها الصالحة في الدنيا والآخرة فعظيم قال تعالى : من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون . وقال سبحانه: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم .

وقال : (( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت )) ، فإذا احتمل الرجل نارا الهجير واصطلى جمرة الحرب ، وتناثرت أوصاله تحت ظلال السيوف ، فليس ذلك بزائد مثقال حبة على المرأة إذا وفت لبيتها ، وأخلصت لزوجها ، وأحسنت القيام إلى بنيها .

ومن فضائل النساء ما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : ((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)) ، ومن عظيم أجر المرأة عند ربها ، ((أن رسول الله عاد عبد الله ابن رواحة ، فلما تحوز له عن فراشه ، تنحى ، فقال : أتدري من شهداء أمتي؟ قال : قتل المسلم، قال : إن شهداء أمتي إذاً لقليل ، قتل المسلم شهادة ، والطاعون شهادة، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء ، تموت وفي بطنها ولد شهادة ، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة )).

وقد يظن ظان أن أجور الرجال أكثر عند الله لما يقومون به من شهود الجماعات ، والجنائز ، والجهاد وغيرها ، والصحيح أن أجر المرأة كأجر الرجل متى قامت بأعمال يسيرة: ((أتت أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها النبي فقالت : إني رسول الله ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي : إن الله بعثك إلى الرجال والنساء ، فآمنا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات ، قواعد بيوت ، وإن الرجال فضلوا بالجمعات، وشهود الجنائز والجهاد ، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم ، وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت رسول الله بوجهه إلى أصحابه فقال: هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله فقال رسول الله انصرفي يا أسماء ، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل أحداكن لزوجها ، وطلبها لمرضاته ، واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال )) فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا بمقالة النبي ، إنه عمل قليل وأجر عظيم.

وكان يوصي أمته بالنساء خيرا وأن يرفقوا بهن قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((واستوصوا بالنساء خيرا ، فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخياركم خياركم لنسائكم )).

أيها الاخوة الكرام : إن المرأة تمر بمراحل ثلاث: تكون بنتا ثم تكون زوجا ثم تغدوا أمّا ، ولكل مرحلة من المراحل الثلاث التي تمر عليها تعيش المرأة أسمى مظاهر العطف والرحمة والعزة والرفعة .

 فإذا كانت المرأة بنتا: فإن الإسلام اعتنى بها أيما عناية وصانها وحفظها وفرض لها حقوقا ، فمن ذلك العدل بين الأولاد في الهبة فعن ابن عباس رضي الله عنها  مرفوعا : ((سووا بين أولادكم في العطية ، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء)) ، ومن الناس من إذا رزق إناثا ولم يرزق الذكور تبرم وتضجر ، وتشاؤم وحزن وقد نهى الله تعالى عن كل ذلك ، قال تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم قال واثلة بن الأسقع إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى ، قبل الذكر لقوله تعالى: يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور  فبدأ بالإناث.

ورعاية البنت وتربيتها تربية صحيحة يدخل وليها الجنة قال : (( من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو . وضم أصابعه، أي معا ))، وعن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله يقول: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن من جرته، يعني ماله ، كن له حجابا من النار )) إن من يسمع هذا الثناء والإطراء ليجتهد ويجهد في الإحسان إليهن ، والعمل على إحسان تربيتهن تربية صالحة .

كتب أحد الأدباء رسالة إلى صديق له يهنئه بالبنت يقول : أهلا وسهلا بعقيلة النساء ، وأم الأبناء ، وجالبة الأصهار ، والأولاد الأطهار والمبشرة بإخوة يتناسقون ، ونجباء يتلاحقون :

فلو كان النساء كمن ذكرنا                                        لفضلت النساء على الرجال

وما التأنيث لاسم الشمس عيب                                     وما التذكير فخر للهلال

فها هي البنت تعيش جوهرة مصونة ودرة مكنونة في كنف أسرتها ، تلقى كل الحب والرعاية، وتتعلم التربية السوية الصالحة من أبويها لتكون غدا زوجا صالحة مصلحة .

 


 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأكرمنا به ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين .

وبعد :

أيها الاخوة الكرام: فإذا غدت المرأة زوجة فإنها لا تكون في ظل شريعة الإسلام كما كانت عند الآخرين ودنساً يجب التنزه عنه، ولكن سما بها إلى العلياء ، وجعل رباط الزواج من نعمه سبحانه على عباده قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وقد أوجب الإسلام هدية تكريم للمرأة حين إقبالها على بيت الزوجية قال تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فلا يجوز لأحد أكل مهرها أو التصرف منه بغير إذنها الكامل ورضاها الحقيقي ، فإذا ما تزوجت فإن على الزوج أن ينفق عليها والنفقة تشمل الطعام والشراب والملبس ، وما تحتاج إليه الزوجة لقوام بدنها لقوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته ، وعن معاوية بن حيرة قال : قلت يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ، ولا تضرب )) وقال عليه الصلاة والسلام: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)) وعن أبي هريرة قال : ((دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجر الذي أنفقته على أهلك ))، ولا تكلف المرأة بشيء من الإنفاق ، أماً كانت أو أختا، أو كانت زوجة، قادرة على العمل أو عاجزة عنه ، غنية كانت الزوجة أو فقيرة ، وسواء كان زوجها قادرا على العمل أو عاجزا عنه ، غنيا كان أو فقيرا ، فالرجل المسؤول عن النفقة البيتية ، وليس من حقه أن يلزمها إلا إذا تبرعت مساهمة في تحمل بعض العبء.

ومن حقوق المرأة المتزوجة أن يكون لها مسكن تستظل بظلاله ، وتنعم بالقرار فيه ، وتحس أنها مديرة شؤونه ، ومسؤولة عن كل صغيرة وكبيرة فيه ، قال الله تعالى: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم فإذا وجبت السكنى للمطلقة ، فالتي في صلب النكاح أولى ، قال تعالى وعاشروهن بالمعروف ومن المعروف أن يسكنها في مسكن .

ومن حقوق الزوجة التي كفلها الإسلام أن يعلمها زوجها أمور دينها فيعلمها أركان الإيمان وأحكام الطهارة والعبادات خاصة الصلاة ويحثها على أدائها في أول وقتها وشروطها وأركانها مفسداتها ، لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً . ومن وقايتها من النار تعلمها أمر دينها ، وقد أثنى الله على نبيه إسماعيل عليه السلام بقوله : وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً ومنها : المعاشرة بالمعروف ، وقد أمر الله بها، كيف لا ، وقد اجتمعت الأبدان والأرواح في مكان واحد ، وأصبح المصير واحدا ، والهم هم واحد قال تعالى : وعاشروهن في بالمعروف  فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً وقيل في المعروف : أن لا يضربها ، ولا يسيء الكلام معها ، ويكون منبسط الوجه معها ، ومن المعاشرة بالمعروف أن يناديها بأحب الأسماء ، وأن يكرمها في أهلها عن طريق الثناء عليهم .

ما من حسن المعاشرة ما جاء عنه أنه قال لعائشة رضي الله عنها: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى، قالت : ومن أين تعرف ذلك، فقال: أما إذا كنت راضية فإنك تقولين لا ورب محمد ، وإذا كنت غضبى لا ورب إبراهيم ، قالت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك)). وبعد حياة السعادة الزوجية تغدوا الزوجة أما وتحمل مسؤولية كبيرة في تربية ليوث المستقبل ، ورجالات الأمة ، فهي المحضن الخصب الذي يخرج منه إلى الحياة أولئك الأبطال ، والذي لولاها بعد الله لخرجن نماذج كرتونية ضعيفة هزيلة .

ومما أوجب الله في حق الأم برها والإحسان إليها قال تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ في الجواب ، ولا يحد النظر إليهما ، ولا يرفع صوته عليهما ، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد كلا لهما . وقال تعالى فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما فقد نهى الله أن يقول الابن لأمه : أف وهي أقل كلمة فكيف بما هو أعظم منها؟ ((جاء رجل إلى رسول الله فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي، قال: أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك )) .

فالأم من أعظم الناس فضلا وأحق الناس بالإكرام والإحسان ، ومن لا خير له في أمه فلا خير له فيمن هم دونها: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه قال: ((دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت من هذا ؟ فقيل : حارثة بن النعمان . فقال رسول الله وكذلكم البر .كذلكم البر)). وزاد عبد الرزاق في روايته ، وكان أبر الناس بأمه ، وجاء في الأدب المفرد أن رجلا يمانيا حمل أمه وراء ظهره يطوف بالبيت فرأى ابن عمر فقال : إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر ، الله ربي ذي الجلال الأكبر ، حملت أكثر مما حملت ، فهل ترى جازيتها يا ابن عمر ؟ ثم قال : يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة .

أيها المسلمون: هاهي المرأة المسلمة التي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ، هاهي قد حفت بسياج عظيم من التكريم ، وأمطرت عليها سحب الرسالة فيضا من الحفظ والصون ، والاهتمام والرعاية حتى عدت مشاركة قوية وفعالة في الحياة ، لا تصلح الحياة إذا فسدت.

 وارجع قليلا بذاكرتك إلى الإحصاءات المخيفة في الخطبة الماضية لترى البون الشاسع بين المرأتين ، والفرق الكبير بين الحياتين ، حياة في ظل الإسلام وحياة في ظل الجاهلية النتنة، إلا أنه لم يرق لأعداء دينك هذا الاستقرار الذي تعيشه المرأة المسلمة، فبدأوا بالمؤامرات تلو المؤامرات لإفسادها ، وهذا هو موضوع الخطبة القادمة بمشيئة الله.

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً