أما بعد:
فيا أيها الاخوة المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى واتباع السنة والصبر عليها، فهي العاصم بإذن الله من فتن تموج كموج البحر .
أيها الاخوة الكرام: لقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أمته بأخبار وعلامات في آخر الزمان قبل قيام الساعة تكون مؤذنة بخراب العالم وانتهائه، وهي أخبار حق وصدق فيها دلائل النبوة وأمارات الرسالة .
ومن هذه العلامات الكبرى: خروج الدجال، وما أدراك ما الدجال، إنه منبع الكفر والضلال، وينبوع الفتن والأوحال، قد أنذرت به الأنبياء قومها وحذرت منه أمتها ونعتته بالنعوت الظاهرة، ووصفته بالأوصاف الباهرة، وحذر منه المصطفى وأنذر، ونعته لأمته نعوتا لا تخفى على ذي بصر .
والمسيح في اللغة يطلق على عيسى ابن مريم عليه السلام الصديق، والمسيح الدجال الضليل الكذاب، فخلق الله المسيحَين أحدهما ضد الآخر، فعيسى ابن مريم عليه السلام يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، والدجال مسيح الضلالة يفتن الناس بما يعطاه من الآيات. وسمي الدجال مسيحا، لأن إحدى عينيه ممسوحة، أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوما.
ومعنى الدجال أي : المموه الكذاب، وسمي الدجال دجالا، لأنه يغطي الحق بالباطل، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيه عليهم، وقد خبره وكان وهو نبي هذه الأمة يتعوذ بالله من شر المسيح الدجال، وحث أمته على الاستعاذة من شره، قال رسول الله : ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ من فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال ))، ولخوفه على أمته من الدجال، ذكر لهم من خبره ما ذكره ليكونوا على بينة وليأخذوا للأمر عدته، عن النواس بن سمعان : ((ذكر رسول الله الدجال ذات عداة فخفض فيه ورفع، أي حقر من شأنه لكونه أعور، ولكونه لا يقدر على قتل أحد، ثم عظمه وفخمه لأجل فتنته، حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رحنا عرف ذلك فينا فقال : ما شأنكم ؟ قلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال عداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال غير ذلك: ((غير الدجال أخوفُني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطَط عينه طافئة، (ومعنى قطط أي: شديد) فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا )) قلنا يا رسول الله: وما لبثه في ؟ قال: أربعون يوما: يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم، قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة وما إسراعه في الأرض، قال: كالغيث استدبرته السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك)) وكان عليه الصلاة والسلام يكثر من ذكره ويجلي أوصافه للناس: فعن صفاته لعنه الله ما جاء في حديث عبادة بن الصامت قال رسول الله : ((إن المسيح الدجال رجل، قصير، أفحج،( أي : بعيد ما بين الساقين) جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا جحراء، فإن أُلبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور)) ومعنى الجحراء: أي التي قد انخسفت فبقي مكانها غائرا كالحجر.
والدجال مكتوب بين عينيه كافر يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب ومن فتنته أن يكون معه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول وتحير الألباب : يكون معه جنة ونار، فجنته نار وناره جنته، وأن معه أنهار الماء، وجبال الخبز، ومن فتنته أنه يقول للأعرابي : أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك، فيقول : نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان : يا بني اتبعه فإنه ربك، وأما اتباعه فإن أكثرهم من اليهود والعجم والترك وأخلاط من الناس غالبهم الأعراب والنساء، روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة)). وفي حديث آخر ((يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة)) وأما كون أتباعه من النساء فلسرعة تأثرهن وغلبة الجهل عليهن، فقد قال : ((ينزل الدجال في هذه السبخة بمرِّقناة، وهو واد بالمدينة يأتي من الطائف، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه والى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطا، مخافة أن تخرج ))، ومحرم على الدجال دخول مكة والمدينة روى عن النبي أنه قال : ((يوم الخلاص وما يوم الخلاص قالها ثلاثا : فقيل له : وما يوم الخلاص، قال : يجئ الدجال فيصعد أُحدا فينظر المدينة فيقول له : أترون هذا القصر الأبيض هذا مسجد أحمد، ثم يأتي المدينة فيجد بكل نقب منها ملكا مصلتا فأتي سبخة الحرف فيضرب رواقه ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج فذلك يوم الخلاص)) والناس يومئذ يفرون من الدجال في الجبال، قالت أم شريك : يا رسول الله فأين العرب يومئذ ؟ قال : هم قليل : وخير الناس في ذلك الزمان أو من خيرهم رجل يخرج إلى الدجال من مدينة رسول الله فيقول للدجال :أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله حديثه : فيقول الدجال :أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون :لا، فيقتله ثم يحييه فيقول : أي الرجل، والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه ))، وأكد ما أخبر به وأصحابه عن الدجال ما جاء في حدث تميم الداري عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت : فصليت مع رسول الله فلما قضى رسول الله صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ((ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال : أتدرون لم جمعتكم، قالوا : الله ورسوله أعلم قال : إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافقه الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر، حتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثيرا الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة قالوا: ومالجساسة قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدبر، فإنه إلى خبركم بالأشواق قال : لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانه، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلتا الدبر، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا من أنت ؟ قد قدرتم على خبري فأخبروني من أنتم، قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم أي حين هاج، فلعب بنا الموج شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، ثم قال : أخبروني عن نخل بيسان وهي مدينة بالأزرن بالغور الشامي، قلنا عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : سألتكم عن نخلها هل يثمر، قلنا له: نعم، قال : أما إنه يوشك ألا تثمر قال: أخبروني عن بحيرة طبرية ؟ قلنا عن أي شأنها تستخبر، قال : هل فيها ماء، قالوا : هي كثيرة الماء، قال : إن ماءها يوشك أن يذهب، قال : أخبروني عن عين زغر قالوا : عن أي شأنها تستخبر قال : هل في العين ماء ؟ وهل يزرع أهلها بماء العين، قلنا، نعم هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها .
قال أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل ؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال أقاتله العرب، قلنا نعم، قال، كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم :قد كان ذلك ؟ قلنا : نعم، قال : أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها أربعين ليلة )). . الحديث.
|