أما بعد:
فيا إخواني، أوصيكم ونفسي بتقوى الله في الظاهر والباطن وبمتابعة النبي قولاً وعملاً.
أيها المؤمنون، بعد أن كانت الأمة موئلا للتوحيد وملاذا للإيمان وقلعة من قلاع العقيدة، غزت بعض تلك الأمم أو قل كلها تيارات الشرك، وأناخت بركابها الشعوذة، فأمطرت سحبها وأزهر سوقها، وطال ربيعها.
إن السحر عالم عجيب، ظاهره جميل خلاب، وباطنه قذر عفن، لقد عبّد الشيطان السحر والسحرة وأتباعه للشمسَ والقمر والنجوم والأوثان، بل ترقى به الحال إلى تعبدهم لنفسه الخبيثة، لقد كان السحر ولا يزال منزلقا لم يجن البشر من ورائه إلا ثمرات مُرَّة، إنه صورة مشوهة، وأيد ملطخة بدماء الأبرياء، لقد سلب الفرحة من قلوب كثير من الناس، وأزال البسمة عن شفاههم، إنه تاريخ مظلم بظلام آثاره وضلال أتباعه.
لقد نعى الله ـ تبارك وتعالى ـ على فريق من الذين أوتوا الكتاب أنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وتركوا ما فيه، واتجهوا إلى ما يضاده، ألا وهو السحر، قال ـ تعالى ـ: وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ.
لقد انتشر السحر في طول الدنيا وعرضها، لم يدع أمة من الأمم إلا كان فيها، واستخدم لتعبيد الناس لغير رب العالمين، بل لقد كان أداة فاعلة في حرب الرسل والرسالات، وتهمة جاهزة تلصق بكل نبي يدعو إلى عبادة الله ونبذ الشرك.
وقد جاء السحر بمعان متعددة، فمن معانيه الإزالة والخداع، وإخراج الباطل في صورة الحق، ويأتي بمعنى الإفساد، أما معناه الاصطلاحي فقيل فيه: عزائم ورقى وعقد، تؤثر في الأبدان والقلوب، فيمرض ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن الآخر، والذي يصنع هذه الأمور هو الساحر أو الساحرة، ولكي يعملوا هذه الأعمال الخبيثة فإنه لا بد لهم من طريقة معينة يسلكونها، ونظام ثابت يتبعونه ليبلغ درجة الكفر بالله، أرجو أن لا يقشعر بدنك، فهم يرتدون المصحف في أقدامهم يدخلون به الخلاء، أو يكتبون آيات الله بالقذارة أو بدم الحيض، ويذبحون لغير الله، ومنهم من يأتي أمه أو ابنته، ومنهم من يسجد للكواكب.
إن هذه الفعال الكفرية التي يفعلها الساحر هي دليل صدقه في التعلم، وعنوان صداقته لإبليس ـ لعنه الله ـ: إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ، وكلما كان الساحر أشد كفراً كان الشيطان أكثر طاعة وأسرع في تنفيذ أمره، وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَاء فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ .
لقد خرج هذا الساحر إلى حيث أراد إبليس خرج إلى حيث غضب الله وسخطه، وقصده الذي قال: فيما حكاه الله عنه: لاَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً، كَذٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ حَسَرٰتٍ عَلَيْهِمْ، ومن يعمل هذه الأعمال فهو كافر. وقد اتفق الأئمة العلماء على ذلك واستدلوا بقول الله تعالى: وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ.
وحد الساحر القتل، لأنه من أهل السعي في الأرض بالفساد، لتعلمه السحر، واستدعائه الناس إليه وإفساده إياهم، مع ما صار إليه من الكفر.
ومن كان هذا حكم الله فيه فقد ظهر خطره، لكنه لا يظهر أمام الناس بوجهه الكالح، بل يظهر على أنه رجل معالج وربما أطلق عليه (السيد) أو (الشيخ) نعم إنه شيخ ضلالة، وربما تجده يصلي بالناس أحيانا ليلبس على الناس، وربما ادعى أنه يصوم النوافل فيُخْدَع به المغفلون.
وبعد كل ما يصنعه فإنك تجد ـ أخي الكريم ـ أن هذه البضاعة منتشرة مشهورة في بلاد المسلمين، وأن لها رواداً وعواداً، حتى عادت شيئا لا غرابة فيه ، ولا أحد ينكره إلا من رحم الله، فأنت ربما تجد الساحر في وسائل الإعلام يجعل الحيةَ حبلا، ويخرج حيوانات كثيرة من قبعته وغير ذلك باسم المهارة والألعاب العجيبة، وربما تجرى معه المقابلة ويظهر الساحر بمظهر ذلك الإنسان الذي فتح قدرات لا يملكها غيره من الناس إمعانا في التلبيس وخداع البسطاء من الناس.
أخي الكريم، هل أتاك نبأ أولئك النفر الذين يذهبون إلى هناك، نعم هناك حيث يطفأ نور الإيمان، حيث المعصية، لقد اشتعلت قلوب بعضهم بفتيل الحسد، فسهروا الليل وكابدوا النهار، فساروا بخطوات سريعة، متناسين هواتف النفس، بأن هذا الطريق إيذاء للمسلم.
لقد دخل على الساحر وتحدثا بحديث الغدر والخيانة، ثم ما لبث أن سمع كلمات الطمأنينة من هذا الساحر المفسد بأن كل شيء سوف يسير كما يخططون: أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ، أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ثم ما هو إلا وقت يسير حتى يشعر ذلك المسكين المبتلى بأن نفسه ليست تلك الأولى، وأن حياته قد طرأ عليها أمر ما غيره مسارها إلى حيث لا يريد، قال الفضيل بن عياض: "والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا أو خنزيرا بغير حق فكيف تؤذي مسلما". كم أثرت تلك الصفقات المعقودة في جنح الظلام على حياة أسر، فكم من نساء قد طُلقْنَ، كم من أبرياء قد ماتوا وكم من شركاء في التجارة وغيرها فُرِّق بينهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
أقول قولي هذا...
|