.

اليوم م الموافق ‏03/‏جمادى الثانية/‏1446هـ

 
 

 

السحـــــر

244

التوحيد

الشرك ووسائله, نواقض الإسلام

منصور الغامدي

الطائف

23/8/1419

أبو بكر الصديق

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

خطورة السحر وحقيقته – معنى السحر وصوره – حكم الساحر – التحذير من الكهَنة والعرّافين وحكم من يأتيهم لمرض أو نحوه – ماذا يفعل من ابتُلي بالسحر – كيفية الوقاية من السحر

الخطبة الأولى

 

أما بعد:

فيا إخواني، أوصيكم ونفسي بتقوى الله في الظاهر والباطن وبمتابعة النبي قولاً وعملاً.

أيها المؤمنون، بعد أن كانت الأمة موئلا للتوحيد وملاذا للإيمان وقلعة من قلاع العقيدة، غزت بعض تلك الأمم أو قل كلها تيارات الشرك، وأناخت بركابها الشعوذة، فأمطرت سحبها وأزهر سوقها، وطال ربيعها.

إن السحر عالم عجيب، ظاهره جميل خلاب، وباطنه قذر عفن، لقد عبّد الشيطان السحر والسحرة وأتباعه للشمسَ والقمر والنجوم والأوثان، بل ترقى به الحال إلى تعبدهم لنفسه الخبيثة، لقد كان السحر ولا يزال منزلقا لم يجن البشر من ورائه إلا ثمرات مُرَّة، إنه صورة مشوهة، وأيد ملطخة بدماء الأبرياء، لقد سلب الفرحة من قلوب كثير من الناس، وأزال البسمة عن شفاههم، إنه تاريخ مظلم بظلام آثاره وضلال أتباعه.

لقد نعى الله ـ تبارك وتعالى ـ على فريق من الذين أوتوا الكتاب أنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وتركوا ما فيه، واتجهوا إلى ما يضاده، ألا وهو السحر، قال ـ تعالى ـ: وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ.

لقد انتشر السحر في طول الدنيا وعرضها، لم يدع أمة من الأمم إلا كان فيها، واستخدم لتعبيد الناس لغير رب العالمين، بل لقد كان أداة فاعلة في حرب الرسل والرسالات، وتهمة جاهزة تلصق بكل نبي يدعو إلى عبادة الله ونبذ الشرك.

وقد جاء السحر بمعان متعددة، فمن معانيه الإزالة والخداع، وإخراج الباطل في صورة الحق، ويأتي بمعنى الإفساد، أما معناه الاصطلاحي فقيل فيه: عزائم ورقى وعقد، تؤثر في الأبدان والقلوب، فيمرض ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن الآخر، والذي يصنع هذه الأمور هو الساحر أو الساحرة، ولكي يعملوا هذه الأعمال الخبيثة فإنه لا بد لهم من طريقة معينة يسلكونها، ونظام ثابت يتبعونه ليبلغ درجة الكفر بالله، أرجو أن لا يقشعر بدنك، فهم يرتدون المصحف في أقدامهم يدخلون به الخلاء، أو يكتبون آيات الله بالقذارة أو بدم الحيض، ويذبحون لغير الله، ومنهم من يأتي أمه أو ابنته، ومنهم من يسجد للكواكب.

إن هذه الفعال الكفرية التي يفعلها الساحر هي دليل صدقه في التعلم، وعنوان صداقته لإبليس ـ لعنه الله ـ: إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ، وكلما كان الساحر أشد كفراً كان الشيطان أكثر طاعة وأسرع في تنفيذ أمره،  وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَاء فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ .

 لقد خرج هذا الساحر إلى حيث أراد إبليس خرج إلى حيث غضب الله وسخطه، وقصده الذي قال: فيما حكاه الله عنه: لاَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً، كَذٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ حَسَرٰتٍ عَلَيْهِمْ، ومن يعمل هذه الأعمال فهو كافر. وقد اتفق الأئمة العلماء على ذلك واستدلوا بقول الله تعالى: وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ.

وحد الساحر القتل، لأنه من أهل السعي في الأرض بالفساد، لتعلمه السحر، واستدعائه الناس إليه وإفساده إياهم، مع ما صار إليه من الكفر.

ومن كان هذا حكم الله فيه فقد ظهر خطره، لكنه لا يظهر أمام الناس بوجهه الكالح، بل يظهر على أنه رجل معالج وربما أطلق عليه (السيد) أو (الشيخ) نعم إنه شيخ ضلالة، وربما تجده يصلي بالناس أحيانا ليلبس على الناس، وربما ادعى أنه يصوم النوافل فيُخْدَع به المغفلون.

 وبعد كل ما يصنعه فإنك تجد ـ أخي الكريم ـ أن هذه البضاعة منتشرة مشهورة في بلاد المسلمين، وأن لها رواداً وعواداً، حتى عادت شيئا لا غرابة فيه ، ولا أحد ينكره إلا من رحم الله، فأنت ربما تجد الساحر في وسائل الإعلام يجعل الحيةَ حبلا، ويخرج حيوانات كثيرة من قبعته وغير ذلك باسم المهارة والألعاب العجيبة، وربما تجرى معه المقابلة ويظهر الساحر بمظهر ذلك الإنسان الذي فتح قدرات لا يملكها غيره من الناس إمعانا في التلبيس وخداع البسطاء من الناس.

أخي الكريم، هل أتاك نبأ أولئك النفر الذين يذهبون إلى هناك، نعم هناك حيث يطفأ نور الإيمان، حيث المعصية، لقد اشتعلت قلوب بعضهم بفتيل الحسد، فسهروا الليل وكابدوا النهار، فساروا بخطوات سريعة، متناسين هواتف النفس، بأن هذا الطريق إيذاء للمسلم.

 لقد دخل على الساحر وتحدثا بحديث الغدر والخيانة، ثم ما لبث أن سمع كلمات الطمأنينة من هذا الساحر المفسد بأن كل شيء سوف يسير كما يخططون: أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ، أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ثم ما هو إلا وقت يسير حتى يشعر ذلك المسكين المبتلى بأن نفسه ليست تلك الأولى، وأن حياته قد طرأ عليها أمر ما غيره مسارها إلى حيث لا يريد، قال الفضيل بن عياض: "والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا أو خنزيرا بغير حق فكيف تؤذي مسلما". كم أثرت تلك الصفقات المعقودة في جنح الظلام على حياة أسر، فكم من نساء قد طُلقْنَ، كم من أبرياء قد ماتوا وكم من شركاء في التجارة وغيرها فُرِّق بينهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

أقول قولي هذا...


الخطبة الثانية

 

الحمد لله إله الأولين والآخرين، وقيوم يوم الدين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.

أما بعد، عباد الله، وبعض الناس يبتلى بمرض لفترة طويلة ولم يُجْد معه العلاج، فيصاب باليأس والقنوط، فيزين له الشيطان الذهاب إلى الساحرة أو السيد، عله أن يعرف دواء لعلته تلك، ونسي قول رسولنا : ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن))[1].

ومنهن من تذهب إلى الساحر أو الساحرة بزعم أنها لا تريد زوجها أن يتزوج عليها، وإن تزوج فلعله يميل إليها ويطلق الثانية، أولم تعلم هذه الفئة من الناس أنها قد أتت فعلا شنيعاً؟ روى الإمام مسلم في صحيحه، قال : ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما))[2]، وهذا الوعيد عن سؤاله فقط، أما من يسألهم ويصدقهم فقد قال : ((من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد))[3] ومنهم من يدفعه القلق والهموم والحيرة إلى هذا الفعل المحرم، وأصل ذلك كله ضعف الإيمان بالله ـ تعالى ـ، والله ـ سبحانه ـ لم يجعل شفاء فيما حرم عليها.

ومن العلامات التي يعرف بها الساحر دون المعالج لينجلي أمره ويحذره الناس ما يلي:

تجده يسأل المريض عن اسمه واسم أمه، أو يأخذ أثراً من آثار المريض، أو يطلب حيواناً بصفات معينة ليذبحه ولا يذكر اسم الله عليه، وربما لطخ بدمه أماكن الألم من المريض، أو يكتب الطلاسم التي لا يعرف أحد قراءتها أو تلاوة العزائم والطلاسم، ويأمر المريض أن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس، وربما طلب من المريض أن لا يمس الماء مدة معينة، وقد يعطيه أوراقاً يحرقها ويبخر بها، وقد يخبر المريض باسمه واسم بلده ومشكلته التي جاء من أجلها.

ومن ابتلي بشيء من السحر فليتعز بالنبي ، فعن عائشة قالت: ((سحر النبي حتى أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه ثم قال: أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفيته فيه؟ قلت وما ذاك يا رسول الله، قال: جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل، قال: مطبوب، قال ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق، قال في ماذا؟ قال: مُشط ومشاطة وجُفِّ طَلْعَةِ نخل ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان، فذهب النبي في أناس من أصحابه إلى البئر، ثم رجع إلى عائشة فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين، فأمر بها فدفنت)) رواه البخاري[4]، هذا ورسول الأمة قد أصيب بالسحر فكيف بمن دونه.

ثانيا: استخراج السحر وإبطاله فهذا أبلغ ما يعالج به المسحور.

ثالثا: الرقية الشرعية المشتملة على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الثابتة عن النبي : وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ.

رابعا: كثرة دعاء الله والتضرع إليه والافتقار إليه ـ سبحانه ـ: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ.

ولا يشترط أن تكون الرقية من أناس بأعيانهم، يمكن أن يرقي المسلم نفسه أو زوجته أو أولاده، فإنه أفضل متى ما صاحب ذلك التقوى.

خامسا: قراءة سورة البقرة، فإن قراءتها بركة، ولا تستطيعها السحرة، قال : ((اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولايستطيعها البطلة))[5] أما كيف يقي المسلم نفسه من السحر والمس وغيرها فعليه أولاً: أن يحافظ على أذكار الصباح والمساء، وقراءة آية الكرسي والمعوذات، فإنها حصن حصين للمسلم.

ثانيا: أكل سبع تمرات عجوة لقوله : ((من اصطبح كل يوم تمرات عجوة، لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل))[6]، تقيه من كل شيطان.

ثالثا: التسمية على كل شيء، لقوله : ((إذا كان جنح الليل، أو أمسيتم فكفّوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم، فأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم)) رواه البخاري[7].

وهذا من رحمة الله بعباده وشفقة نبينا بأمته في أن لا يصيبهم مكروه، فإن فرطوا فالله المستعان.

ألا وصلوا وسلموا...



[1]  أخرجه مسلم كتاب الزهد – باب المؤمن أمره كله خير (2999).

[2]  المصدر السابق، كتاب السلام: باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان (2230).

[3]  صحيح، أخرجه أحمد (2/429)، وأبو داود: كتاب الطب – باب في الكاهن، حديث رقم (3904)، والترمذي: كتاب الطهارة – باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض حديث (135).

[4]  صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق – باب صفة إبليس وجنوده، حديث (3268)، وأخرجه أيضاً مسلم: كتاب السلام – باب السحر، حديث (2189).

[5]  أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين – باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، حديث (804).

[6]  أخرجه البخاري: كتاب الطب – باب الدواء بالعجوة للسحر، حديث (5768)، ومسلم: كتاب الأشربة – باب فضل تمر المدينة، حديث (2047).

[7]  صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق – باب صفة إبليس وجنوده، حديث (3280)، وأخرجه أيضاً مسلم: كتاب الأشربة – باب الأمر بتغطية الإناء... حديث (2012).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً