الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، ودليلا للسالكين، وحجة على الخلق أجمعين.
أما بعد:
فالوصية الثالثة هي أَن الفرج مع الكرب.
وهذه الوصية تمحو وتحجب اليأس، وتدعو إلى استشراف المستقبل بثقة واطمئنان، مذكرا أن الليل كلما اشتد سواده كان مؤذنا بفجر جديد.
فاشدد يديك بحبل الله معتصما فإنه الركن إن خانتك أركان
ولقد حصل للناس في عهد النبي كرب وضيق احتبس عنهم المطر، وجهد الناس، فسألوه أن يستسقي ربه، فرفع النبي يديه فاستقى لهم فنشأ السحاب ومطروا إلى الجمعة الأخرى حتى قاموا إليه وسألوه أن يستصحي لهم ففعل فأقلعت السماء: فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَٱنظُرْ إِلَىٰ ءاثَـٰرِ رَحْمَةِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْىِ ٱلأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وكثيرة تلك الوقائع التي تُظهر الفرج مقترنا بالكرب.
عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب
عسى فرجا يأتي بـه الله إنـه له كل يوم في خليقته أمر
فهذا إبراهيم خليل الرحمن ـ عليه الصلاة والسلام ـ رأى في المنام أنه يذبح ابنه فلذة كبده، يذبحه بيديه وهو سوف يرى ابنه بعد قليل يتشحط في دمه، إنها لحظات شِداد فجاء الفرج من الله: وَفَدَيْنَـٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.
وقصة عائشة بنت الصديق ـ رضي الله عنهما ـ عندما اتهمها المنافقون في حادثة الإفك، ولبثت شهرا، تعيش همّ هذه القرية الآثمة، حتى نزلت براءتها من فوق سبع سماوات: إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ والقصص في هذا المعنى كثيرة جدا.
الوصية الرابعة: ((إن مع العسر يسرا)) وهذه الوصية تأكيد للوصية السابعة قال ـ تعالى ـ: سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً. وإن الله لا يجمع على عبده عسرين، فهي بشرى للمسلم أن تيسير أمره يكون بعد العسر.
ولا شك أن غاية ما يرجوه إنسان هو اليسر، وإنها لنعمة عظيمة أن يرى المسلم أموره ميسرة بعد العسر الذي ألم به، وقد جاء في الأثر: لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه، ومتى وقع المسلم في العسر، فإنه لا بد له من الدعاء والتضرع وهذا في حد ذاته نعمة عظيمة.
إن هذه الوصايا يا عباد الله التي أوصى بها نبي الأمة ابن عباس، إنها درية الألفاظ، عسجدية المعاني، مشرقة المعاني محكمة الألفاظ، قد تجافت عن مضاجع القلب، إنها تعيش في المشاعر، وتتحرك في الجوارح، وهي زاد عظيم، وعلم جليل، يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلى بشيء كتبه الله عليك، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا.
اللهم ارزقنا العمل بوصية نبيك صلى الله عليه وسلم...
|