أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى روي في السير أن المسلمين لما فتحوا جزيرة قبرص تفرق أهلها شذر مذر فبكى بعضهم إلى بعض فرئي أبو الدرداء يبكي، فقي له: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، فقال : " ويحك ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا هم أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى " عندما نقلب صفحات التاريخ وأحداثه نجد أن أمما وحضارات سادت ثم بادت، وحينما تتعمق في البحث عن أحواله هذه الأمم نجد أن أوان قوتها وازدهارها إن حفظت لنفسها ما يصلح دنياها ومجتمعها فاستمرت عليه، وما لبث انتشار الفساد ورواجه وتقوّي أهله أن قلب موازين هذه الأمة، وحساباتهم، فلم تلبث أن تنحدر في مهاوي السقوط حتى كانت أثرا بعد عين لم نعد نذكر منها إلا ما ذكره التاريخ عنها فكان الفساد وأهله هم الذين قضوا عليها.
إخوة الإيمان: كان من نعم الله عز وجل على عباده المؤمنين لاستمرار أمتهم أن جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الخصائص والميزات التي اختص الله جل وعلا بها هذه الأمة من بين سائر الأمم الكافرة الضالة عن سواء السبيل يقول الله عز وجل: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، فسبب خيرية الأمة أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتركوا الفساد يستشري في جسدهم بدون إنكار عليه، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مؤهلات أمة الإسلام التي اختصت بها كما أنه ضمان للمجتمع وحماية له من التلوث في الأخلاق وحماية له من الانحراف ودواعيه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمان من الله عز وجل للأمة من حلول العقوبات ونزول النكبات: فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون [هود:116-117]. نعم، وأهلها مصلحون، روي في الحديث الصحيح أم سلمة رضي الله عنها قالت أن رسول الله استيقظ ذات ليلة فزعا، وقال: ((ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مقدار هذا وأشار بيده، فقلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : نعم إذا كثر الخبث)) إذاً مع غياب هذه الفريضة تفتح أبواب البلاء وتنعقد أسباب الهلاك وقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأولويات المهمة للمجتمع المسلم قال الله تعالى : ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون .
إخوة الإسلام: إننا أمة ما قامت في هذا البلد على عصبية قبلية أو نخوة وطنية أو عرق أو حدود، وإنما قام بلدنا وتأسس على التوحيد ولذلك فليس بغريب أن توجد هيئة متخصصة حكومية للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقيقا لخيرية هذه الأمة وحماية للمجتمع والفرد.. إن هذا ليس بغريب بل نحمد الله عز وجل أن تحقق لنا مثل هذه الهيئات التي تقوم بهذا الدور المهم، ولكن المستغرب إخوة الإيمان أن نرى بعضا من مجتمعنا لا همَّ لهم إلا الكلام بحقد على الهيئات ورجالها، والتنذر بهم وسرد الحكايات الموهومة والقصص المزعومة عن تجاوز رجال الهيئة كما يدعى ويصور.. ويغيب عن هؤلاء الذين أطلقوا لألسنتهم العنان دور رجال الهيئات وأي بلاء يدافعونه وأي فساد عريض يواجهونه، وأي إنجاز ضخم حققوه للمجتمع، قد لا نشعر به لأننا كفينا مؤنة ذلك فلم نتجرع مرارته، إن إنجازات رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنجازات ضخمة لا يشك أحد أنها فوق إمكانياتهم وفوق قدراتهم يكفي أن نرى أسواقنا مثلا كيف كانت قبل سنوات مضت ثم بعد جهود الهيئات وهذه الصحوة المباركة أصبحت، حتى أن النساء أصبحن يأمن على أنفسهن من تعرض ذئب غادر لإحداهن في الغالب الأعم، إن رجال الهيئات يقفون خلف ذلك، وصدقوني أنه لو غُفِلَ عن الأسواق فقط لا نفتح علينا من أبواب الفساد ما نغرق في نتنه ولست بصدد سرد إنجازات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل أذكر لكم محاربتهم للأفلام الممنوعة التي لو تيسرت لشبابنا لما استطعنا مقاومة أثرها الهادم، هل أحدثكم عن مصانع الخمور التي يقبع خلفها بعض الفاسدين والتي تمسك بها الهيئة، كذلك المخدرات التي يقاومها رجال الهيئة بمعونة رجال مكافحة المخدرات، ترى هل أحدثكم عن معالجة رجال الهيئة للانحرافات الخلقية وكيف نذروا أنفسهم للإصلاح أولا ثم الحماية ثانيا، كم فوت رجال الهيئة الفرصة على ذئاب يريدون اغتيال عفة فتاة بريئة، كم من قضايا أخلاقية عالجها رجال الهيئة بالستر على أعراضٍ وعوراتٍ بالتعاون مع الجهات المسئولة فحموا بيوتا كادت أن تنهار، انظروا إلى رجال تائهين كان المجتمع لا يعرفهم إلا بالفساد وبفضل الله عز وجل ثم رجال الهيئات ومحتسبي الدعوة تحولوا إلى نعيم الهداية ورجالها، فكم من ليلة ينام هؤلاء الوالغين ملء أو ملاحقة شقي عابث، ويسهرون ونحن نائمون لمواجهة المجرمين وهم عزل من كل شيء، هل دفعهم إلى ذلك، مكافأة خارج دوام ؟ هل دفعهم إلى ذلك الحرص إلى زيادة الراتب ؟ إنما دفعهم إلى كل هذا هو حب المجتمع وحمايته وقبل ذلك الإخلاص لله تعالى وحده، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم، أما الأخطاء فإنني لست أنكر من خلال حديثي وقوعهم في أخطاء يسيرة هم وإدارتهم دائما حريصون على تلافيها ولكني أسائلكم إخوة الإيمان: من مِنْ الناس يعمل ويسلم من الخطأ ؟ إن أية جهة أو دائرة حكومية لا يمكن أن تسلم من الخطأ وأي مدير أو مشرف لا يمكن أن يزعم العصمة من الخطأ لموظفي دائرته أو مؤسسته، ولكننا مع ذلك نكبر أخطاء الهيئة وننظر إليها بعين نقفل هذه العين ذاتها عن أخطاء جهة أخرى، ومع كل ذلك يأتيك فئة من الناس من القعدة لا هم لهم إلا ثلب رجالات الهيئة والحديث عنهم وتضخيم أخطائهم وإغفال محاسنهم، أو تأتيك فئة أخرى من الناس يطالبون الهيئة ورجالها بأدوار فوق طاقتهم وفوق إمكانياتهم وتتجاوز صلاحياتهم، وقد تجد فئة من الناس لا ينظرون إلى الهيئات على أنها جهة حكومية بل ينظر إليها وكأنها جمعية خيرية أو أهلية لا تجد توقيرا منه، إن هذا النقد غير البناء ليس دليل خير في أي مجتمع من المجتمعات، ولا يبغض رجال الهيئة المخلصين إلا شخص قطعوا عليه شهوته، أو جاهل بما يضره في دينه ودنياه، إننا في مجتمع تأسس على الخير والحق ونشأ على الخير وأحب الخير وأهله ودعاته، ولذلك فمن الغريب جدا عليه أن يوجد فيه مثل هذا السباب لرجال نذروا أنفسهم وأوقاتهم لخدمة هذا الدين فإن لم نساندهم ونأخذ على يد أولئك خسرنا جميعا، قال : ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا – يريدون عدم إيذائهم – فإن أطاعوهم وما أرادوا هلكوا وأهلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا))، فلابد أن نحرص على الحفاظ على سفينة مجتمعنا وعلى من أمسكوا بدفتها.
إخوة الإيمان: إن كثيرا منا يخطئ كثيرا حينما يقصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذه الجهات الرسمية، فنراه سلبيا لا يقوم بأي جهد تجاه المنكرات لا في حيه ولا في سوقه ولا في إدارته بل ولا في بيته، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة المسلمين جميعا كل بحسبه يقول : ((من رأى منكم منكر فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) وفي رواية: ((وليس وراء ذلك من الإيمان شيء)) لقد أصبح كثير من الناس اليوم مقصرا في جيرانه بل وفي الذي أمرنا الله ورسوله به ويضع أمامه العوائق حتى يسقط التبعة عن نفسه وعن غيره بالإنكار، فأين مراسلة المسئولين وكاتبتهم عن المنكرات وأين وعظ أصحاب المنكرات ومحلاتها، أين زيارة ذوي القلوب اللاهية الغافلة عن ذكر الله وأمرهم بالمعروف ،إننا إنْ لم نقم بأمر الله ونسعى في إصلاح مجتمعنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمن الذي يقوم ويسعى بذلك لقد أصبح لدى كثير من الناس خور وضعف لا يستطيعون معهما أن يتكاتفوا لمنع الشر والفساد والأخذ بيد أهله إلى جادة الحق والصواب بالحكمة والموعظة الحسنة، ولأضرب لكم مثالا في أقل الحالات، فلقد أصبح بعض المراهقين الآن يقومون برفع أصوات الموسيقى مثلا في الشوارع والأرصفة وعند الإشارات وقد يقومون بالرقص ومع ذلك لا تجد ممن حولهم حتى من أهل الخير والصلاح من ينصحهم أو يوجههم في هذا الأمر فما بالك بما هو أعظم وأنكى، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : ((إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرا فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون جليسه أو يأكل معه، فلما رأى الله ذلك منهم، ضرب قلوبهم مع بعضهم لبعض ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)) ثم قال : ((والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم))، إن من المؤسف ومن المروع أن ترى أفراد أمة الإسلام لا يغارون لدين الله وحرماته، ولا يخافون من وبال أو عقاب حتى أصبح الرجل لا يتفقد أهله وولده وعماله ولا ينظر في جيرانه بل تراه يرى المعاصي فيهم وفي مجتمعه ولا ينهى عنها أو يحذر منها وهذا مما ينذر بالخطر سيما مع كثرة النعم والانغماس في الترف، إن مما شجع على استمراء كثير من الناس لهذه المنكرات وعدم إنكارها مع الأسف أننا نرى كثيرا منها يعرض في وسائل الإعلام ويمرر على مجتمعنا من خلال هذه الأجهزة التي نشتريها بأموالنا وتضييع أوقاتنا فكيف نأمر بستر المرأة وعدم مخالطتها للرجال وذلك معروض بكل سهولة وتغفلها عين الرقيب في تلك الوسائل؟ كيف نحذر ابناءنا وبناتنا من تقليد موضات الغرب وعاداتهم ونحن نتلقفها صباح مساء عبر القنوات الفضائية؟ إننا في مواجهة هذا الموج الغامر لابد من سعي حثيث لإعادة هذه الشعيرة في نفوسنا ونفوس من حولنا .
حتى النساء أُمرن بهذه الشعيرة ولم يُغفَل دورهن، يقول الله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم [التوبة:71]. إن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم صمام الأمان لهذه الأمة هم من ينبغي أن نحرص عليهم فهم قد نذروا حياتهم لخدمة أمتهم والدفاع عن قضاياها ولذلك فإنك ترى أثرهم على الناس عظيما، ومكانتهم في قلوب الناس عظيمة حتى ولو ماتوا أو فٌقدوا، أما أثر غيرهم ممن عاش حياته لنفسه وفَقَدَه مجتمعه فإنه إذا مات أو فُقد لم يفقده أحد أو يبكي على ذهابه إن لم يسلم من عذاب الله ومقته بعدم إنكاره وشواهد التاريخ وقصصه تدعم ذلك وتؤيده، نسأل الله جل وعلا أن يغفر لنا وأن يوفق رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يحميهم ويكفيهم شر الأشرار وحديث الفجار. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور [الحج:41]. |