.

اليوم م الموافق ‏24/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

سلامة الصدر

227

الرقاق والأخلاق والآداب

أعمال القلوب

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

عنيزة

5/11/1417

جامع السلام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الحث على سلامة الصدر على المؤمنين. 2- القرآن يدعو للإصلاح حرصاً على سلامة الصدر. 3- السنة تعظم أمر الإصلاح بين المتخاصمين. 4- النهي عن التدابر والتباغض. 5- الأمر بقبول عذر المخاصم. 6- تحريم الإسلام لكل ما يوغر الصدر كالغيبة. 7- قصة المبشر بالجنة لسلامة الصدر.

الخطبة الأولى

أما بعد :

فيا عباد الله : اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه روى ابن ماجة فيما صححه الألباني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : (( خير الناس ذو القلب المخمول واللسان الصادق قيل ما القلب المحموم ؟ قال هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد ، قيل : فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة ،قيل : فمن على أثره ؟ قال : مؤمن في خلق حسن )).

ليس أروح للمرء ولا أطرد لهمومه ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب ومبرأ من وساوس الضغينة وثوران الأحقاد إذا رأى نعمة تنساق إلى أحد y بها وأحسن فضل الله فيها وفقر عباده إليها وذكر قوله اللهم ما أصبح بي من نعمة أو أحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر وإذا رأى أذى يلحق مسلما رثى له ورجا الله أن يفرج كربه ويغفر ذنبه وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة مستريح القلب والنفس من نزغات الحقد الأعمى، فإن فساد القلب بالضغائن داء عياء وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش كما يتسرب الماء من الإناء المثلوم، والقلب الأسود يفسد الأعمال الصالحة ويطمس بهجتها  ويعكر صفوها، أما القلب المشرق فإن الله يبارك في قليله، ومن ثم كانت الجماعة المسلمة حقاً هي التي تقوم على عواطف الحب المشترك والود الشائف التعانق والمتبادل والمجاملة الرقيقة، لا مكان فيها للفردية المتسلطة بل هي كما وصف القرآن والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم [الحشر:10]

إن سلامة الصدر وصلاح ذات البين أمر من لوازم التقوى ولهذا قرن الله عز وجل بينهما في قوله : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم [الأنفال:1] وسلامة الصدر نعمة من النعم التي توهب لأهل الجنة حينما يدخلونها قال تعالى : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين  .

إخوة الإيمان : إن الخصومة إذا نمت وغارت جذورها وتفرعت أشواكها شلت زهرات الإيمان الغض وأذوت ما يوحي به من حنان وسلام، وعندئذ لا يكون في أداء العبادات المفروضة خير ولا تستفيد النفس منها عصمة وكثيرا ما تطيش الخصومة بألباب ذويها فتتدلى بهم إلى اقتراف الصغائر المسقطة للمرؤة والكبائر الموجبة للعنة وعين السخط تنظر دائما من زاوية مظلمة فهي تعمى عن الضال وتضخم الرذائل، وقد يذهبها الحقد إلى التخيل وافتراض الأكاذيب وذلك كله مما يسخطه الإسلام ويحاذر وقوعه ويرى منه أفضل القربات قال رسول الله ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين رواه الترمذي .

إذا كان الشيطان وعجز أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنم فلن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربه حتى يجهل حقوقه أشد مما يجهلها الوثني المشرك وهو إنما يحتال لذلك بإيقاد نيران العداوة في القلوب فإذا اشتعلت استمتع بها الشيطان وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم وتلتهم علائقهم وفضائلهم قال : (( إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنه لم ييأس في التحريش بينهم  )) رواه مسلم .

إن الشر إذا تمكن من الأفئدة فتنافر ودها وانكسرت زجاجتها ارتد الناس إلى حال القسوة والعناد والإعراض، وإن المتأمل لحال هذه الأمة الآن يرى فيها  كثرة الاختلاف والتفرق حتى أصبح بأسها الذي كان من الواجب أن يكون على أعدائها أصبح بينها في أفرادها وجماعتها حتى بدأت تسمع من يكيل السب والشتم للخيرين والعلماء، وأصبحنا كما وصف ابن عبد البر رحمه الله أهل زمانه حين قال : " والله لقد تجاوز الناس الحد في الغيبة والذم فلم يقنعوا بذم العامة دون الخاصة ولا بذم الجهال دون العلماء " أ.هـ.

إن المصيبة تكبر حينما يكون هذا صادر من بعض من ينتسبون إلى الدين اسما وبلدا .

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة                   على المرء من وقع الحسام المهند

وهذا والله منذر بسبيل عذاب، قد انعقد غمامه ومُؤْذِنٌ بليل :

بلاء قدادلهم ظلامه                             إخوة الدين والعقيدة

إن انتصار هذا الدين وظهوره على الدين كله أمر تهفو إليه النفوس المؤمنة وتتطلع إليه وتتمناه وترجوه ولكن لا سبيل إلى ذلك إلا بتألف القلوب وسلامة الصدور من كل ما يعكر صفاء الأخوة وصدق المحبة بين المؤمنين لأن من صفات أهل الإيمان أنهم  كما قال عز وجل أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ولذلك فقد يقظ الإسلام لبوادر الجفاء فلاحقها  بالعلاج قبل أن تستفحل وتستطيل إلى عداوة فاجرة ولذلك شرع الإسلام من المبادئ ما يرد عن المسلمين عوادي الانتقام والفتنة وما يحك القلوب على مشاعر الولاء والمودة فنهى عن التقاطع والتدابر يقول : (( لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )) رواه البخاري .

بهذا الإرشاد المبين يحول المؤمن إلى مستوى رفيع من الصداقات المتبادلة أو المعاملات العادلة والإسلام يعبر من دلائل الصفاء أن يرسب الغل في أعماق النفوس فلا يخرج منها وكثير من أولئك الذين يحتبس الغل في أفئدتهم يتمسكون متنفسا له في وجوه من يعف معهم لا يستريحون إلا إذا أرغوا وأزبدوا وآذوا وأفسدوا، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال : (( ألا أنبئكم بشراركم ؟ قالوا: بلى ، قال : إن شراركم الذي ينزل وحده، ويجلد عبده، ويمنع رقده، أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا بلى ، قال: من يبغض الناس ويبغضونه، ثم قال : أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا بلى ، قال : الذين لا يقبلون عشرة ولا يقبلون معذرة، ولا يغفرون  ذنبا ، قال : أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا بلى ، قال : من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره )) رواه الطبراني إنها أطوار الحقد عندما تتضاعف علته وتفتضح سوأته وقد أحس الناس به من قديم حتى في جاهليتهم حين قال عنه عنترة :

لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب                ولا ينال العلا من طبعه الغضب

لقد حذر الإسلام من رذائل مصدرها الحقد، فالافتراء على الأبرياء سيما الخيرين جريمة لا يدفع إليها إلا الكره الشديد ولما كان أثرها شديدا في تشويه الحقائق وجرح المستورين عدها الإسلام من أقبح الزور روى أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله e قال لأصحابه: (( أتدرون أربى الربا عند الله . قالوا :الله ورسوله أعلم ، قال :فإن أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم )) ثم قرأ : والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا إن تلمس العيوب للناس وإلصاقها بهم عن تعمد يدل على خبث ودناءة حذر منها الإسلام حين قال رسول الله : ((من ذكر امراً بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاد ما قال فيه )) رواه الطبراني إن سلامة الصدر تفرض على المؤمن أن يتمنى الخير للناس إن عجز من سوقه إليهم بيده أما من لا يجد بالناس شرا فيرميهم به ويزوره عليهم تزويرا فهو أفاك أثيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون [النور:19] إن من فضل الله على العباد أنه استحب ستر عيوب الخلق ولو صدق اتصافهم بها، وما يجوز لمسلم أن يفضح العيوب فصاحب الصدر السليم يأسى لآلام العباد ويشتهي لهم العافية أما التلهي بسرد الفضائح وكشف الستور وإبداء العورات فليس ملك المسلم الحق ولذلك حرم الإسلام الغيبة إذ هي متنفس حقد مكظوم وصدر فقير إلى الرحمة والصفاء.

عن أبي هريرة أن رسول الله قال  : (( أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن ما تقول فقد بهته )) رواه مسلم .

ومن آداب الإسلام التي شرعها لحفظ الموراث واتقاء الفرقة تحريم النميمة لأنها ذريعة إلى تكدير الصفو وتغيير القلوب، لقد كان النبي ينهى أن يبلغ عن أصحابه ما يسوؤه حين قال عليه الصلاة والسلام : (( لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر )) رواه أبو داود .

أيها الأحبة : سلامة الصدر تجعل المسلم لا يربط بين حظه من الحياة ومشاعره مع الناس ذلك أنه ربما فشل حيث نجح غيرها وربما تخلف حيث سبق آخرون فمن الحسد والحقد أن يتمنى الخسارة لكل إنسان والتخلق لا لشيء إلا لأنه هو يربح ولذلك كان دخول الجنة ثمنا غاليا يستحق من انطوى قلبه على حب الناس وتمنى الخير لهم ونبذ الضغينة عنهم عن أنس بن مالك قال كنا جلوسا عند النبي فقال : (( يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة )) فطلع رجل من الأنصار تندف لحيته من وضوئه، فلما كان من الغد قال عليه الصلاة والسلام مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال عليه الصلاة والسلام مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول فلما قام الرجل تبعه عبد الله بن عمرو فقال له إني لا حيت أبي - أي خاصمته - فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال نعم قال أنس فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تقلب في فراشه ذكر الله عز وجل حتى ينهض لصلاة الفجر قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أحتقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرات يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت ثلاث مرات فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك عملت كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ؟قال ماهو إلا ما رأيت قال عبد الله فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه وفي رواية لم أبت ضاغنا على مسلم فقال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ، رواه أحمد .

إخوة الإيمان: ومما قاله ابن القيم رحمه الله : " القلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح، والكبر وحب الدنيا والرئاسة فسلم من كل آفة تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خيره ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم  من كل إرادة تزاحم مراده وسلم من كل قاطع يقطع عن الله ".

إن سلامة القلب والصدر ليست السذاجة والضعف ليست القلب الذي يسهل غشه وخداعه والضحك عليه ولا يعرف الخير من الشر ، إن سلامة القلب كما قال ابن تيمية رحمه الله القلب السليم المحمود هو الذي يريد الخير لا الشر، ومآل ذلك بأن يعرف الخير والشر فأما من لا يعرف الشر فذاك نقص فيه لا يمدح به.

تلك هي سلامة الصدر بما كانت عليه من فضل وعاقبة غفل عنها الكثيرون، فبتنا لفقد نرى أسبابا للتشاحن والتباغض تنخر في جسد الأمة المنهك لتنكأ جراحه وتبري عظامه فتزيد من آلامه وفرقته .

نسأله جل وعلا أن يجمع شتات الأمة يصلح قلوبنا ويطهرها من الشرك والنفاق والرياء والشقاق وسوء الأخلاق، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم [الشعراء:87-89]

بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم ،،،

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً