الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون، ونحن نودع قافلة من قوافل الزمن ومرحلة من مراحل التاريخ، نودع عاما ونتلقى عاما، ودعنا عاما حصلت فيه أحداث للأمة، حفرت أخاديد في وجه التاريخ. وإن من أعظم أنواع الغفلة، أن تمر هذه الأعوام والأحداث، ثم لا نرى بعد في الواقع أثرا، ولا تأثرا، فنعوذ بالله أن نكون ممن قال الله فيهم: أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون.
انظروا إلى أحداث أمتنا الإسلامية في العام الماضي، مصائب وكوارث، قتل وحرق لأفرادها، هتك للأعراض، وتشريد للأطفال، وتجهيل الأمة وإخراجها منها، ولا أبالغ حين أقول إنه لم يمر يوم من أيام السنة الماضية، إلا وكانت للأمة الإسلامية فيه حدث مؤلم أو إهانة تعرضت لها، حتى كأن وسائل الإعلام الإخبارية تخصصت في ذكر مصائب المسلمين، ولم آت لأعدد مصائب المسلمين وكوارثهم وأحزانهم، فهذا ما لا أستطيعه في هذه العجالة، ومما لا يتسع المقام لذكره.
إخوة الإيمان، جاءت هذه الأحداث للأمة، لتبين أننا أحوج ما نكون إلى الوضوح ن وتلمس الأخطاء ومعالجة العوار، والعودة إلى الدين، ولكن من الأسف لا زالت الأمة تجد وقتا فارغا وأموالا مبذولة وآذانا سامعة، للتسلية المحرمة وإفساد المجتمع بجميع فئاته، عن طريق بعض القنوات الإذاعية الجديدة التي نذرت نفسها طوال ساعات اليوم للبث والإفساد. بالأمس القريب كنا نشكو من القنوات الفضائية عبر الدشوش التي عمت وطمت ووجهت الإفساد إلى هذا المجتمع، واليوم نرى هذه القنوات الإذاعية التي خصصت للموسيقى والأغاني المائعة الماجنة، وليس هذا فقط بل وتبادل المكالمات الهاتفية، النساء مع الرجال والعكس بالعكس، وتبادل الضحكات.. ومناقشة بعض الأفكار التي ما كنا نسمعها تذاع من قبل أو يتجرأ أحد على طرقها، ولم يكفهم هذا بل راحوا يعلنون عنها في كل مكان بوسائل مغرية حتى شوارعنا ملؤوها بالإعلان عن هذه الترهات، وبأن الحال ستبدل بها دعوة للأمة للتلهي عن قضاياها المصيرية، وتغريرا بفتيان الأمة وفتياتها وتضييع اهتماماتهم، إن هذا كله إضاعة لتميز هذه الأمة وإضاعة لعقيدتها، نحن خير أمة أخرجت للناس، بم كان ذلك: تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران:110]، فهل اشتغلنا بهذا، وهل رسخنا هذه القضية في قلوبنا وقلوب من حولنا، هل جعلنا هذا همنا وهويتنا؟! أسئلة أدع إجاباتها لعقولكم.
إننا أمة ما تميزت بالفن حتى نفتخر بذلك، إننا أمة ما تميزت بالرياضة التي شغلت عقولنا وأفئدة شبابنا، إننا في هذه الجزيرة لنا ما يميزنا، ولنا الرسالة التي نحملها للدنيا، ولنا ما ندعو العالم إليه، ولنا ما نبيّنه للعالم فنقول ها نحن، وهذه بضاعتنا، إننا أتينا لنقول للعالم إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، نقول للعالم أتينا لنحرر العقل من الخرافة، ولنحرر الإنسان من العبودية إلا لله، ولنضع الناس على طريق أوله في أيديهم وآخره في الجنة، هذه رسالتنا، هذه مفاخرنا، وهذه بضاعتنا.
نحن يا فنـان ما عاد لنا أذن تهفـو وللحــن تحـــــن
كل مـا فينا جراح ودم نـازف مـن كبـد حـري تئــن
أنغنـي للهوى في مأتم ولنـــا مـن دمنــا كـأس ودن
وسـيوف لا نصقلهـا وسـيوف الرقـص للرقـص تسـن
أمتي يحميك نار ولظى ليــس يحميـك أغــاريـد وفـن
نداء إلى أمة أن تعرف هدفها وغايتها لتسعى من أجلها وتنبذ ما يرديها في مهاوي السقوط والغفلة.
أسأل الله ـ جل وعلا ـ أن يرد ضال المسلمين إليه ردا جميلا، وأن يحسن عاقبتنا، وأن يجعل مآل الأمة خيرا، وصلوا وسلموا ـ يا عباد الله ـ على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، إن الله وملائكته يصلون على النبي [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم.. |