أما بعد: روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بلغه أن ناساً من أصحابه تنازعوا فقال قائل منهم يا للمهاجرين وقال قائل منهم يا للأنصار فخرج سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم من بيته غاضباً يجر ردائه فقال أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها منتنة، لقد بعث سيدنا المصطفي صلي الله عليه وسلم للقضاء على العنصريات الجاهلية المنتنة وليقيم بدلاً منها صرح الإيمان الذي يجتمع تحت لوائه جميع المؤمنين إخواناً متحابين تربط بينهم رابطة واحدة وشيجة واحدة وهي رابطة الإيمان ووشجية الإسلام.
ولكن أعداء المسلمين نجحوا اليوم في التسلل إلى صفوفهم وزرع بذور العنصريات الجاهلية المنتنة بينهم فمزقوهم وشتتوا شملهم بعد أن كانوا أمة واحدة إسلامية مرهوبة الجانب ففي ديار الترك مثلاً الماسونيون والصهيونيون ويهود الدونمة بعد أن نجحوا في تقويض صرح الخلافة الإسلامية الذي جعل ديار الترك فترة طويلة من الزمن مركزاً للتجمع الإسلامي لتجمع المسلمين بعد أن نجحوا في تقويض ذلك الصرح زرعوا بذور العنصرية التورانية القومية التورانية بين الترك ورفع لواء هذه العنصرية الجاهلية في تركية أحزاب ماسونية مشبوهة كحزب الاتحاد والترقي أو حزب تركيا الفتاة وكان من أبرز طواغيت تلك العنصرية التورانية مصطفى كمال الذي لبث في أول أمره فترة يتمسح بمسوح الإسلام ولقب نفسه بالغازي في سبيل لله وأعلن الجهاد ليخدع المسلمين لتنطلي حيلته على السذج ولقد انطلت حيلته فعلاً حتى مدحه أحمد شوقي في قوله:
الله أكبر كم في الفتح من عجـب يا خالد الترك جدد خالد العرب
وانخدع به وظنه فعلاً مجاهداً غازياً في سبيل الله وما لبث ذلك الطاغوت العنصري اليهودي التوراني أن كشر عن أنيابه فإذا هو عدو الله ورسوله. عدو مريد للإسلام فتك بالمسلمين في ديار الترك قتل علماءهم حتى بلغت به الوقاحة أن منع الآذان من على المنابر العربية بل أوجب أن يكون الأذان بالتركية من شدة سخريته بالإسلام المسلمين ولقد رد الله كبره في نحره وكبده أذنابه فها هم الترك يتململون وينفضون عن كواهلهم غبار هذه العنصرية الجاهلية التورانية ويجددون إيمانهم بالله ورسوله، صحوة إسلامية فيما بينهم وعودة إلى دين الله رغم أنف العنصريين الجاهليين وأما نصارى العرب فقد زرعوا بين العرب العنصرية العربية الجاهلية القومية العربية وكان من أبرز حملة راية هذه العنصرية حسب البعث الذي أنشأه قبل خمسين سنه ميشيل عفلق النصراني ومبادئ هذا الحزب إن ذهبنا نشرحها يطول بنا المقام ولكن لحقها شاعر بعثي كافر خبيث بقوله فض الله فاه:
آمنت بالبعـث رباً لا شريك لـه وبالعروبة دينـاً ما لـه ثـان
فالعروبة بمعناها العنصري الجاهلي المنتن هو دين هذا الحزب العلماني العنصري الملحد الخبيث ومنذ نشأ هذا الحزب فهو وأشباهه من التجمعات العنصرية الجاهلية المنتنة يجرون الكوارث تلو الكوارث والهزائم تلو الهزائم على العرب وعلى أمة الإسلام جميعاً وكأنما يآبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يحقق وعده الذي أعلنه رسوله المصطفي صلى الله عليه وسلم منذراً أمته بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لينتهين أقوام عن تفاخرهم بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان))، فالذل والهوان والتشتت والانقسام والتقاتل والتناصر كما كانوا يفعلون في الجاهلية قبل الإسلام. هذه هي العقوبة الإلهية للذين أعرضوا عن مبادئ الإسلام الخالدة الرفيعة السامية. مبادئ المساواة وميزان التقوى والأخوة الإيمانية الإسلامية التي تجمع بين سائر المسلمين علي اختلاف أجناسهم والوانهم هذه هي العقوبة الإلهية لمن ذهبوا يجرون لاهثين وراء العنصريات الجاهلية المنتنة وراء القوميات تورانية كانت أو فارسية هندية كانت أو بربرية جندية كانت أو عربية كلها دعاوى الجاهلية التي وصفها النبي المصطفى صلي الله عليه وسلم بأنها منتنة. طاغية العراق الذي روع الناس اليوم وهتك الحرمات وسفك الدماء وزاد الأمة تمزيقاً وفتح الأبواب للأعداء هو إفراز منتن من إفرازات ذلك الحزب العنصري الجاهلي حزب البعث كارثة مفجعة من كوارثه العديدة المتوالية. إنه ليس أول كوارثه ولن يكون آخرها الذين يتوهمون أن الصراع بيننا وبين شخص واحد مخدوعون أو مخادعون.
السياسة قلب قد يكون حليف اليوم عدواً غداً وقد يكون عدو الأمس حليفاً اليوم فالسياسة قلب.
أم المبادئ متباينة فاعلموا أيها المسلمون وتبصروا في أمر عدوكم. الحرب حرب مبدئية ثابتة والصراع طويل مديد إلي يوم الدين بين ملتين بين ملة الإسلام وملة الكفر بين مبادئ الإسلام الرائعة السامية الكريمة مبادئ المساواة وميزان التقوى والأخوة الإيمانية وبين العنصريات الجاهلية قومية بعثية تورانية عروبية إلي غير ذلك صراع مريب ثابت مستمر ولكن خذوا حذركم أيها المسلمين فتشوا بين صفوفكم وفي دياركم عن الطابور الخامس وفتشوا عن العلمانيين عن الجاهليين وعن البعثيين فإنهم قد يكونوا مندسين بين صفوفكم من أبناء بلدتكم ويتكلمون بألسنتكم ويتقطعون غيظاً عليكم مهما تمسحوا بمسوح الإسلام وتستروا ونافقوا وأظهروا لكم الموافقة وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30]. ستكشف أقلامهم وأقولهم ومواقفهم وأفعالهم وخاصة في المحن تكشف ما في صدورهم من بغضاء من غيظ على الإسلام وأهل الإسلام.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].
|