السحر , أثره , وصوره وحكمه في القرآن والسنة – من شُعَب السحر الاستعانة بالنجوم
لمعرفة المُغَيبات ... – من لوازم الإيمان اللجوء إلى الله وحده – حكم من أتى كاهناً أو عرَّافاً -
فضل المعوذتين وأثرها – خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ووصفها , والأسباب التي تُنكح
المرأة لأجلها
الخطبة الأولى
أما بعد: قال الله تعالى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا [النساء:51-52].
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (الجبت هو السحر والطاغوت هو الشيطان) وقال جابر رضي الله عنه: (الطواغيت كُهّان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد) - أي في كل حي من أحياء العرب واحد من هؤلاء الكهان - وقال سبحانه وتعالى: ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق [البقرة:102]. أي لقد علمت اليهود الذين استبدلوا السحر بمتابعة الرسول فضلوا اتباع الوسائل الشيطانية كالسحر على متابعة المصطفى والإيمان به.
لقد علموا أن من فعل ذلك ما له في الآخرة من خلاق أي ما له في الآخرة من نصيب وقد ثبت في القرآن أن السحر علم يتعلمه من لا خلاق له في الآخرة فيكفر بتعلمه وتطبيقه واستعماله، ويؤثر في الإنسان المسحور، إما بالتفريق بينه وبين زوجه، أو بقتله أو بإلحاق غير ذلك من أنواع الأذى به، ولا يستطيعون أن يفعلوا ذلك إلا بإذن الله، إلا إذا كان الله قد كتب ذلك على الإنسان المسحور وقدره، قال تعالى: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله [البقرة:102].
فدلت هذه الآية على أن تعلم السحر واستعماله كفر، وهذا هو مذهب أكثر الأئمة ولهذا فإن عقوبة الساحر أو الكاهن عندهم هو القتل وهذا هو مذهب الصحابة. فقد ثبت عن جندب رضي الله عنه أنه قال، حد الساحر ضربة بالسيف. وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى ولاته وأمرائه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وقد قتلوا الصحابة ما وجدوا من السحرة والساحرات ثبت ذلك من فعلهم رضوان الله عليهم أجمعين.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله : ((اجتنبوا السبع الموبقات - أي السبع المهلكات - الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات))[1].
فالسحر من السبع الموبقات وقد أورده رسول الله في هذا الحديث بعد الشرك بالله ومن السحر العيافة وهو زجر الطير، ومن السحر الطرق وهو الضرب على الرمل أو الحصى أو الخبط في الأرض.
ومن بعض شعب السحر الاستعانة بالنجوم لمعرفة المغيبات أو التأثيرات على الناس، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله : ((من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك من تعلق شيئًا وُكل إليه))[2].
يا أيها المؤمن الموحد تعلم أن من لوازم الإيمان وواجبات التوحيد أن يكون لجوؤك دائمًا لله وحده، تستعيذ به وبكلماته التامات حتى إذا مسك ضر.
أما ما يصفه الجهال من اللجوء إلى السحرة والكهان والعرافين فهذا مثل صنيع اليهود الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت، وقد علمنا أن الجبت هو السحر والطاغوت هو الكاهن والساحر، بل كل من زعم أنه يخبر بالمغيبات بمقدمات ووسائل يتخذها كل من عقد عقدة فنفث فيها، كل من خط خطًا في الأرض أو ضرب على الرمل أو الحصى، كل من زعم أنه يرشد عن السارق أو عن مكان المسروق.
وكل من استعان بالنجوم على معرفة المغيبات والتأثيرات وزعم ذلك.
وكل من استعان بالجن والشياطين على شيء من ذلك كل هؤلاء طواغيت سحرة وكهان ومن أتاهم من المسلمين ولجأ إليهم وصدقهم بما يقول فقد أتى جرمًا عظيمًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله : ((من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد ))[3].
وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي وهي حفصة أن النبي قال: ((من أتى عرافًا - والعراف هو الساحر أو الكاهن أو المنجم أو الذي يضرب على الرمل أو يخط في الأرض - فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يومًا))[4].
لماذا يلجأ بعض الناس إلى الكهان والسحرة، لماذا ينسون ربهم ويلجأون إلى الطواغيت وقد أنزل الرحيم الرحمن لهم الشفاء والدواء من مسه ضر فليس هناك من شفاء أحسن ودواء أفضل من أن يقرأ المعوذتين: قل أعوذ برب الفلق [الفلق:1]. قل أعوذ برب الناس [الناس:1].
بأن يقرأ المعوذتين ثلاثًا ثم ينفخ في كفيه ثم يمسح بهما جسده أو يقرأ على نفسه الفاتحة أو آية الكرسي أو يرقيه بهما غيره، أو يقرأ غير ذلك من آيات القرآن الكريم فالقرآن كله شفاء أو ما ثبت من أدعية المصطفى .
المؤمن الموحد إذا مسه ضر يلجأ إلى ربه عز وجل يستعيذ به وبكلماته التامات بقرآنه الذي أنزله شفاءً وهدى ورحمة للمؤمنين.
المؤمن الموحد يتيقن من أن أولئك السحرة والكهنة لا يستطيعوا أن يضروا إنسانًا أو ينفعوا إنسانًا إلا بإذن الله فإذا كان الله قد كتب ذلك للإنسان أو كتبه عليه لا يستطيع الكهنة بسحرهم وعقدهم ونفثهم ونفخهم أن يضروا إنسانًا بشيء إلا أن يكون الله تعالى قد كتبه عليه: وما هم بضارين به من أحد [البقرة:102] أي ما هم بضارين بسحرهم أحدا: إلا بإذن الله [البقرة:102].
فالمؤمن الموحد إذا مسه ضر يلجأ إلى من بيده النفع والضر: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو [الأنعام:17].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1]صحيح البخاري (2767) ، صحيح مسلم (89) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه أجمعين.
قال الرسول : ((الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) رواه مسلم[1] وروى أحمد في مسنده أنه : ((من سعادة بن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقوة بن آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء)).
فيا أيها المسلم يا أيها الشاب المسلم اغتنم هذه النعمة العظمى وابحث عن هذه المتعة الكبرى خير متاع الدنيا مصدر سعادتك كما أخبرك بذلك الصادق الأمين المبلغ عن رب العالمين الرءوف الرحيم بأمته .
المرأة الصالحة وأوصافها إنها التي إذا نظرت إليها سرتك وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في نفسها وفي مالك.
وليس معنى قوله: (إذا نظرت إليها سرّتك) أنها من أجمل النساء لا يلزم ذلك وإنما معناه أنها من فقهها ومعرفتها بحق الزوج تتجمل وتتزين له دائمًا فلا يقع نظره إليها دائمًا إلا وهي في أحسن هيئة، حتى ولو كانت قليلة الحظ من الجمال فاغتنم أيها الشاب المسلم المرأة الصالحة اظفر بذات الدين تربت يداك.
كما أمرك بذلك سيدنا ونبينا محمد حينما قال: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك))[2] فذات الدين المرأة الصالحة التي تعلمت دينها وعرفت حقوق ربها وعرفت حق زوجها هذه خير متاع الدنيا هذه مصدر السعادة، هذه المرأة الصالحة ذات الدين قدرها عند الله عظيم، مكانتها عند الله عظيمة وأجرها عند الله عظيم.
فعن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله : ((إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئتِ))[3]. فهذه المرأة الصالحة اظفر بها أيها الشاب المسلم وابحث عنها وأنتِ أيتها المسلمة اقبلي بصاحب الدين والأمانة والخلق الحسن فإن أمر النبي المصطفى حينما قال فاظفر بذات الدين تربت يداك يشملك أنت أيضًا فإذا تقدم ذو الدين صاحب الديانة والأمانة والخلق الحسن فاقبلي به واظفري به ولا تغتري بصاحب المال والثراء ولا الحسب والنسب ولا الجاه والوسامة إذا كان ضعيف الديانة والأمانة خبيث الأخلاق لا تغتري به أبدًا فإنه ليس لك إنه خراب ودمار وفساد وإفساد، إنه ليس لك أبدًا لا يصلح لكِ أبدًا إن كنتِ طيبةً وصاحبة دين وطاعة للرحمن الرحيم، فالخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة ومنهج الصحابة الأخيار رضوان الله عليهم أجمعين.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ))[4]
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
[1]صحيح مسلم (1467) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[2]صحيح البخاري (5090) ، صحيح مسلم (1466) عن أبي هريرة رضي الله عنه.