أما بعد: فإن تجريد المتابعة لسيدنا رسول الله تضمن تجريد المتابعة لله والله عز وجل قد أمرنا أن نعبده فقال: وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم [يس:61]. ثم بين سبحانه على لسان رسوله ومصطفاه كيف نعبده وأمر نبينا أن يقول لنا: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني [آل عمران:31]. فمدار الدين كله على هذين (اعبدوني) وهذا لله وحده، (واتبعوني) وهذا لرسول الله .
فما لم تحقق هذين الأصلين العظيمين وتنقاد لهذين النصين الكريمين، إذا لم تفعل ذلك يا مسلم فلا أدري ما حظك ونصيبك من لا إله إلا الله محمد رسول الله.
اعبد الله على مراد الله وليس على مرادك أنت، اعبد الله كما شرع الله وليس كما تشاء أنت وتشتهي، إن من شهد مقام عبوديته لله عز وجل فإنه يكون دائمًا متنبهًا ومستيقظًا لما يأمره به سيده ومولاه جل جلاله فحينئذ هو يرى بعينين ويبصر ببصيرتين، بإحداهما يرى المعبود جل جلاله وبالأخرى يرى أمره ولا يمكن أن يرى المعبود ولا يرى أمره إلا بمتابعة نبيه ومصطفاه لأن علم ما يرى به ويأمرك به سيدك ومولاك جل جلاله هو عند نبيه عنده وحده لا عند غيره.
ثم اعلم أيها المسلم أن من أهم معالم تجريد المتابعة للنبي المصطفى أن يكون لكلامه إذا سمعته ولسنته إذا علمت بها هيبة في صدرك كما أن لأمر الله عز وجل ولكلامه هيبة ورهبة في صدرك. إذا سمعت قول رسول الله وبلغتك سنته أولاً إذا سمعت قوله جل جلاله وبلغك أمره فاستحضر مقامك بين يديه عز وجل كأنك واقف أنت العبد المملوك في حضرة سيدك ومولاك جل جلاله.
هل تجرؤ على معاندته هل تجرؤ على معارضته هل تجرؤ على رد أمره وقوله، وكذلك إذا سمعت أمر رسول الله وبلغتك سنته فاستحضر مقامك معه كأنك واقف بين يديه وهو إمامك وقدوتك ونبيك.
هل تجرؤ على إساءة الأدب بين يديه هل تجرؤ على معارضته ورد أمره. وعلى معارضة قوله. استحضر مقامك معه إذا سمعت قوله وسنته لا تتردد إذا سمعت أمر رسول الله في قبوله على الرأس والعين.
وإذا بلغتك سنته فلا تتلجلج ولا تتردد في الانقياد لها وفي الامتثال والطاعة أما إذا ترددت وتلجلجت وعارضت سنته وعارضت أمره بعقلك ورأيك وهواك، أما إذا فعلت ذلك فأنت على خطر عظيم توشك أن تحل بك قارعة أن تصيبك فتنة أو يصيبك عذاب أليم.
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور:63].
عاد سيدنا رسول الله مريضًا وكان المريض شيخًا كبيرًا في السن فرأى رسول الله عليه الحمى فقال له: ((لا بأس طهور إن شاء الله)).
فقال الشيخ المريض: بل حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور فقال النبي فنعم إذن فمات الرجل من ساعته. انظر كيف عوقب ذلك الشيخ البائس بمجرد مخالفة لفظية لكلام رسول الله ما أراد ذلك الشيخ البائس أن يرد كلام رسول الله ولا أن يعانده في دعائه لكنه أساء الأدب.
أساء في الجواب على سيدنا رسول الله وهو يدعو له بالشفاء والمغفرة فعوقب فورًا بهذه العقوبة بعد أن صدق النبي كلامه ولفظه فقال فنعم إذن سيصيبك ما قلت فمات من ساعته.
فكيف يكون حال من يسمع كلام رسول الله وتبلغه سنته ومع ذلك يردها ويعاندها يردها بعقله وعمله، يردها قولاً وعملاً ويعاندها قولاً وعملاً لقد كان أصحاب رسول الله إذا سمعوا أمر رسول الله أو علموا سنته لا يجاوزونها أبدًا، لا يتجاوزونها أبدًا بل يطرحون آراءهم ويتهمون عقولهم إذا هي عارضت أمر رسول الله يطرحون آراءهم وعقولهم وينقادون إلى سنة المصطفى كان لسنة المصطفى ولأمره هيبة ورهبة في صدورهم وما أعظم حرصهم على متابعته وعلى طاعته، روى أبو داود رضي الله عنه في سننه أن عمر بن الخطاب استفتاه رجل في مسألة فأفتاه عمر باجتهاده لم يكن بلغه فيها شيء عن رسول الله فأفتاه باجتهاده فقال الرجل: سألت رسول الله فأفتاني بغير ما قلت فقام عمر على الرجل بالضرة يضربه ضربًا شديدًا يقول له: لم تستفتِ في أمر أفتاك فيه رسول الله .
أفتاك رسول الله فكفاك لا تسأل عنه بعده أحدًا أبدًا بل تمتثل وتنقاد لأمره فأي قول يمكن أن يعارض قول رسول الله .
وكان أصحاب محمد وقافين عند كتاب الله وعند سنة رسول الله لا يتكلفون ما لا يعلمون، إذا علموا شيئًا عملوا به، وإذا خفي عليهم معنى شيء من كتاب الله أو من سنة رسول الله سمعوا وأطاعوا وانقادوا وقالوا آمنا به كل من عند ربنا لا يتكلفون ولا يتنطعون ولا يعارضون كلام الله ولا كلام رسوله بعقولهم ولا بآرائهم.
هذا أبو بكر الصديق لما خفي عليه معنى الأب في قوله تعالى: وفاكهة وأبًا قال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن برأيي.
فاتق الله يا مسلم وأحسن متابعتك لرسول الله فإنه لا يصلح دينك إلا بذلك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|