أما بعد:
أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى، فبالتقوى تنال العزة في الدنيا والكرامة في الآخرة.
لقد فرض الله على المسلمين أن يحملوا مواريث النبوة، ويقودوا الناس إلى طريق الخير، وبهذا وحده كانت هذه الأمة خير الأمم.
قال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله وأمة هذا شأنها تنال من رحمة الله بجمع شملها، وإصلاح ذات بينها، ويقيها السوء، ويدفع عنها المفاسد والشرور، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله فتسلم من النقص والخسران، وتسير إلى غايتها الكبرى من العلم النافع والعمل الصالح والتوجيه الحق، ومن ثم يمكن الله لها في الأرض، وتقوم بخلافة الله في تنفيذ أمره ونهيه؛ قال تعالى: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكانهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور .
عباد الله:
وإذا كان لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه الآثار البعيدة المدى في حياة الأمة؛ فإن لإهمالها والاستهانة بها آثاراً عكسية في حياة الأمة ؛ من الاستخفاف بالدين، والتضييع للعقائد، والاستهتار بالأخلاق، والتهوين من شأن الفضائل، والإخلال بالآداب الحسنة؛ مما يعرض الأمة للعقاب الأليم.
ولقد حذرنا الله تعالى من أن نتعرض لما تعرض له غيرنا من اللعن بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قال تعالى: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون .
ولقد ضرب رسول الله مثلا للأمة التي تقوم بهذه الفريضة فتنجو، والأمة التي تهملها فتهلك، فقال : ((مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء؛ مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم ومـا أرادوا؛ هلكـوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم؛ نجوا ونجوا جميعاً)).
ومن سنن الله أنه إذا وقع الإهمال بأن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم وقع العذاب ؛ فإنه يعم الفاعل للمنكر والتارك للإنكار؛ قال تعالى: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب .
عباد الله:
إن كثيراً من الناس لا يشكون في فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يشكون في فائدته للأمة ولدينها في الحاضر والمستقبل، ولكنهم يتقاعسون عن ذلك؛ إما تهاوناً أو تفريطاً، أو اعتماداً على غيرهم وتسويفاً، وإما جبنا يلقيه الشيطان على قلوبهم وتخويفاً، والله تعالى يقول: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين .
وبعضهم يتعلل بقوله: عليكم أنفسكم .
ولقد قطع الطريق على هؤلاء أبو بكر رضي الله عنه حينما خطب؛ فقال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقاب)).
عباد الله:
إن تخويف الشيطان إياكم أولياءه وتسليطهم عليكم لا ينبغي أن يمنعكم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالقائم به قائم بوظيفة قام بها الرسل من قبل، ولابد أن يناله من الأذى ما يناله؛ كما قد لاقى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد لاقى الأنبياء والرسل من أقوامهم أشد الأذى وأعظمه، حتى بلغ ذلك إلى حد القتل؛ قال تعالى: إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم .
فنوح عليه الصلاة والسلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فكان عظماؤهم وأشرافهم يسخرون منه، ولكنه صامد في دعوته، يقول: إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ، حتى هددوه بالقتل حيث قالوا: لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين .
وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن سلك شتى الطرق مع قومه ؛ يدعوهم إلى الله، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر ؛ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا: اقتلوه أو احرقوه فما ثنى ذلك عزمه، ولا أوهنه عن دعوته، بل مضى في سبيل دعوته إلى ربه بعزم وثبات حتى أزال منكرهم حينما كسر أصنامهم، حتى بلغ بهم الحال إلى أن أرادوا أن ينفذوا ما هددوه به من الإحراق، فأضرموا ناراً عظيمة، وألقوا إبراهيم فيها.
ولكن الله تعالى قال لها: كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ، فكانت برداً لا حر فيه، وسلاماً لا أذى فيه، ومن خاصة النار الإحراق، ولكن الله تعالى سلبها هذه الخاصة.
وموسى حصل له معارك عديدة مع فرعون المتكبر الجبار، دعاه موسى إلى الله تعالى، فتوعد موسى بالسجن والقتل، فما وهن موسى ولا استكان، بل مضى في دعوته.
وهذا عيسى عليه السلام أوذي، ورميت أمه بالبغاء (أي: الزنى)، وعزموا على قتله، واجتمعوا عليه، فألقى الله شبهه على رجل، فقتلوا ذلك الرجل وصلبوه وقالوا: إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم فقال تعالى مكذباً لهم: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم .
وهذا خاتم الأنبياء محمد r لم يسلم من الأذى في دعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، بل ناله من الأذى القولي والفعلي مالا يحتمله ولا يطيقه إلا من كان مثله، ولم يثنه ذلك عن دعوته إلى الله عز وجل، فآذوه بكل ألقاب السوء والسخرية، وآذوه بالأذى الفعلي، فوضعوا عليه سلا الجزور وهو ساجد، ورموا الأذى على بابه، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، وخنقه عقبة بن أبي معيط في ثوبه خنقاً شديداً، ولم يثنه ذلك عن دعوته.
عباد الله:
إن هذا الصبر العظيم على هذا الأذى الشديد الذي لقيه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لأكبر عبرة يعتبر بها المؤمنون الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر؛ ليصبروا على ما أصابهم، ويحتسبوا الأجر من الله، ويعلموا أن للجنة ثمناً.
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب
عباد الله:
إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شأنه أن يحول المجتمع إلى جحيم المعاصي، ويجعله لقمة سائغة لأعدائه ؛ ينفثون فيه سمومهم، وبالتالي تتزعزع العقيدة في نفوس أبنائنا، ويتمكن أعداؤنا من سلب الأمة من ريادتها وإنزالها من عليائها إلى الحضيض.
شباب الإسلام:
مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وليكن لكم في سلفنا الصالح قدوة، ليكن قدوتكم بلال؛ حيث لقي في سبيل دعوته ألواناً من العذال وأصنافاً من البلاء، وعمار، وأمه سمية رضي الله عنهم جميعاً، ولا تلتفتوا إلى ما ينعق به أعداء الإسلام.
اللهم! اهدنا ويسر الهدى لنا، وارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه ؛ إنه هو الغفور الرحيم.
|