.

اليوم م الموافق ‏09/‏ذو الحجة/‏1446هـ

 
 

 

الزاد

692

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأعمال

هاشم محمد علي المشهداني

الدوحة

الريان الكبير

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- معنى الزاد. 2- غذاء الروح وغذاء الجسد. 3- الزاد إنما يستفيد منه العبد لا الرب. 4- أهمية التزود. 5- زاد المؤمن. 6- العزلة والخلطة.

الخطبة الأولى

وتزودوا فإن خير الزاد التقوى [البقرة:197].

الطريق إلى الله محفوف بالمزالق والعقبات، وحاجة السالك إلى الزاد عظيمة.

فما الزاد؟ ولماذا؟ وما الذي ينبغي على العبد أن يتزود به؟ وما الذي يعين العبد على التزود؟

الزاد لغة: طعام المسافر.

اصطلاحا: هو ما يتزود به العبد للصبر على تكاليف الطريق، حتى يلقى الله تعالى وهو حافظ لإسلامه ودينه.

وينبغي أن تعلم:

أن لحفة التراب غذاؤها من طعام أو شراب وإذا حرم الجسد غذاءه أصابه الجوع والألم والقلق الذي يبلغ به حد الجنون، وللروح غذاؤها من ذكر وصلاة، ودعاء، وجهاد، وإذا حرمت الروح غذاءها، أصابها الجوع والقلق والحيرة والجنون قال تعالى: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء [الأنعام:125].

ذكر النووي بابا سماه: باب الحث إلى الازدياد من الخير في أواخر العمر في كتابه (رياض الصالحين)، وأورد قول الله تعالى: أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير قال ابن عباس: أو لم نعمركم (أي ستين سنة) للحديث: ((أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة))([1]).

قال العلماء: أي فليس للعبد حجة أمام الله بعد أن أخر أجله هذه المدة: قال ابن عباس: وكان أهل المدينة إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تفرغ للعبادة وللحديث: ((من بلغ أربعين سنة ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار))([2]).

جاء في بعض الكتب المنزلة: (يا أبناء الخمسين زرع قد دنى حصاده ويا أبناء الستين ماذا قدمتم؟ ويا أبناء السبعين هلموا إلى الحساب).

واعلم بأن الله تعالى لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية للحديث القدسي: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسأل كل واحد مسألته فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما يغمس المخيط في البحر ثم انظر بما يرجع فيه يا عبادي إنما هي أعمالكم أوفيها إياكم فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه))([3]).

وأما لماذا الزاد؟ فلا بد من الزاد.

لأن قيمة العبد بعلمه: للحديث: ((بكت عائشة حتى سال دمعها، فسألها النبي فقالت: ذكرت الآخرة، هل يذكرون أهليهم يوم القيامة؟ قال: والذي نفسي بيده في ثلاثة مواطن فإن أحدا لا يذكر إلا نفسه: إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعند الصحف حتى ينظر بيمينه يأخذ كتابه أو بشماله؟ وعند الصراط))([4]).

يقول أنس: (يؤتى بابن آدم يوم القيامة حتى يوقف بين كفتي الميزان ويوكل به ملك فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإن خف ميزانه نادى بصوت يسمع الخلائق شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا وعند خفة كفة الحسنات تقبل الزبانية وبأيديهم  مقامع من حديد عليهم ثياب من نار فيأخذون نصيب النار إلى النار)([5]).

حتى تتمرن النفس على تحمل المشاق: قال تعالى: يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [المزمل:1-5]، قال قتادة والحسن: (العمل به شاق لما فيه من الفرائض والحلال والحرام فمرّن نفسك على المشاق) وللحديث: ((ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات ويحط به الخطايا، إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط))([6]) فمن كان عن هذا عاجزا فعن غيره أعجز.

لأن الآجال مجهولة: قال تعالى: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت [لقمان:34].

       مشيناها خطا كتبت علينا        ومن كتبت عليه خطا مشاها

       ومن كانت منيته بأرض        فليس يموت في أرض سواها

يقول الفضيل بن عياض: يا ابن آدم إنما أنت عدد فإذا ذهب يومك ذهب بعضك، وأنفاسك محسوبة عليك قال تعالى: إنما نعد لهم عدا يعني الأنفاس.

وكل واحد يبعث على الحال التي مات عليها إن كان في طاعة أو في معصية للحديث: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه))([7])، لذا كان حرص العبد على التزود والموت على أطيب الحال دليل حب الله لعبده للحديث: ((إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه))([8]).

وأما الذي ينبغي للعبد أن يتزود به فهو:

لزوم ذكر الله تعالى: ولمن خاف مقام ربه جنتان [الرحمن:46]. يقول ابن تيميه رحمه الله: (هما جنتان إحداهما في الدنيا والأخرى في الآخرة فأما جنة الدنيا فهو أنس العبد بذكره لربه سبحانه وأما جنة الآخرة فهي التي وعدنا الله إياها، فمن لم يدخل جنة الدنيا لم يدخل جنة الآخرة). والوجود كله ذاكر لله مسبح لله قال تعالى: وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم [الإسراء:44].

في الجماد: قول النبي : ((هذا جمدان (اسم لجبل) سبق المفردون قالوا: ما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله والذاكرات))([9]) .

وفي الحيوان: دخل النبي على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل فقال لهم: ((اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسراق، فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه))([10]).

وفي الطير: قال تعالى: ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير [سبأ:10]. قال ابن كثير: أوبي: أي سبحي والتأويب الترجيع فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها([11]).

وفي قيام الليل زاد:

وقيام الليل شعار الصالحين: للحديث: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، فإن قيام الليل قربة إلى الله عز وجل وتكفير للذنوب ومطردة للداء عن الجسد ومنهاة عن الإثم))([12]).

وهو دليل معرفة العبد ربه، وشوقه إلى الجنة: كان أحد السلف يفرش له فراشه بعد العشاء، فيضع يده عليه ويقول: والله إنك للين، ولكن فراش الجنة ألين منك، ثم يصلي حتى الفجر.

وفي صيام رمضان زاد: ومنكر الصيام كافر لأنه فريضة ثابتة في الكتاب والسنة والإجماع في الكتاب: كتب عليكم الصيام [البقرة:183]. وفي السنة: ((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا))([13]). والإجماع منعقد على فرضيته يقول الذهبي: (الذي يفطر في رمضان من غير عذر شر من الزاني ومدمن الخمر بل ويشك في إسلامه)، وفي الصيام يتربى المسلم على الخلق الكريم واستشعار رقابة الله سبحانه فالصائم يحبس نفسه عن الحلال حياء وطاعة لله واستشعارا لرقابته. أيجرؤ على الحرام بعد ذلك للحديث: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))([14]).

وعذاب الله شديد لكل مفطر من غير عذر للحديث: ((بينما أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي (ما تحت الإبط) فأتيا بي جبلا وعرا فقالا: اصعد، فقلت: لا أطيقه فقالا: إنا سنسهله لك فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلقا بي، فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء؟ قالا: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم))([15])، والخاسر الخائب من أدركه رمضان فلم يستدرك فيه أمره، ويصلح فيه ما بينه وبين ربه، ويجدد العهد: ((صعد النبي المنبر، فلما رقى عتبة قال: آمين، ولما رقى الثانية قال: آمين، فلما رقى الثالثة قال: آمين ثم قال: أتاني جبريل وقال: يا محمد بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: بعد من أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فقلت: آمين ثم قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت: آمين))([16]).

وقراءة القرآن زاد: والقرآن كلام الله المعجز المنزل على محمد بن عبد الله:

أ- والأجر فيه عظيم للحديث: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولا أقول: ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف))([17]).

ب- وهو شافع لأصحابه للحديث: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام في النهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم في الليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان))([18]).

ج- وحرص الأصحاب على تلاوته ليس له حدود: كان عبد الله بن عمرو بن العاص يقرأ القرآن كله كل ليلة ويصوم كل يوم يقول له النبي : ((صم صوم نبي الله داود فإنه كان أعبد الناس، واقرأ القرآن في كل شهر، فقال: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأ في كل عشرين، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأ في كل سبع، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأ في كل ثلاث ولا تزد على ذلك))([19]).

وفي الاعتكاف زاد: وهو لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله تعالى.

وهو مسنون اقتداءا بالرسول : ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان وفي العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين ليلة))([20]).

ومستحب: وليس له وقت محدود يقول يعلى بن أمية: إني لأمكث في المسجد ساعة ما أمكث إلا لأعتكف([21]).

وواجب: وهو ما يوجبه المرء على نفسه كالنذر مثلا: قال عمر يا رسول الله: إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال: ((أوف بنذرك))([22]). وعرف بعض العلماء الاعتكاف فقالوا: هو قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق سبحانه: وقيل لأحدهم: ألا تستوحش في خلوتك؟ فقال: وكيف استوحش وهو يقول: ((أنا جليس من ذكرني))؟([23]).

وإذا وطن العبد نفسه على هذه الطاعات فعلت فعلها الحسن في النفس وفجرت فيها الخير والقوة والعزة والغيرة فلا يذل إلا لله، ولا يطيع أحدا في معصية الله، ولا يأنس إلى أحد إلا إلى الله.

وأما الذي يعين على التزود فهو:

الصحبة الطيبة: إن وجدت وإلا فالعزلة أولى، وأقوال العلماء في الخلطة والعزلة تحتاج إلى بيان:

فقد أحب البعض العزلة للحديث: ((أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك))([24]).

ومنهم من فضل الخلطة لحديث الذي أراد أن يعتزل في شعب يتعبد: فقال له النبي : ((لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله خير من تعبده في بيته سبعين سنة ألا تحبون أن يغفر الله لكم))([25]).

والصواب: أن كل إنسان بحسب حاله، فمن كان باستطاعته أن يصبر ويغير، ويؤثر ولا يتأثر فعليه بالخلطة وهو مأجور مثاب للحديث: ((الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم))([26]). والذي يجد في نفسه الضعف عن إصلاح غيره وخاف وخشي على نفسه الفتنة فالعزلة له أولى يقول أبوالدرداء: كان الناس ورقا لا شوك فيه، فأصبحوا شوكا لا ورق فيه.

وبالعزلة يسلم العبد من الغيبة والنميمة والرياء، وقرين السوء وأذاه.

أن تجعل تعاملك مع الله سبحانه ابتغاء أجره ورضاه من غير انتظار إلى ثناء الناس أو مقابلة إحسانك بالإحسان فقد تبتلى بقوم لئام تحسن إليهم ويسيئون إليك قال تعالى: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا [الإنسان :7-9].

يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((يقول الله يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنه لو سقيته لوجدت ذلك عندي))([27]).



([1])البخاري.

([2])أبو الفتح الازدي عن ابن عباس مرفوعا / الألوسي ج 26 ص 18.

([3])رواه مسلم.

([4])أبو داود وإسناده صحيح.

([5])إحياء علوم الدين مجلد 4 ص 520.

([6])رواه مسلم.

([7])رواه مسلم.

([8])رواه الترمذي.

([9])رواه مسلم.

([10])رواه أحمد.

([11])مختصر ابن كثير مجلد 3 ص 122.

([12])رواه الترمذي.

([13])متفق عليه.

([14])متفق عليه.

([15])رواه ابم خزيمة وابن حبان (قبل تحله صومه:أي يفطرون قبل وقت الإفطار).

([16])ابن حبان.

([17])رواه الترمذي.

([18])رواه أحمد بإسناد صحيح.

([19])البخاري ومسلم.

([20])رواه البخاري.

([21])فقه السنة مجلد 1 ص 420.

([22])رواه البخاري.

([23])البيهقي.

([24])الترمذي.

([25])الترمذي.

([26])الترمذي ابن ماجة .

([27])رواه مسلم . 

وتزودوا فإن خير الزاد التقوى [البقرة:197].

الطريق إلى الله محفوف بالمزالق والعقبات، وحاجة السالك إلى الزاد عظيمة.

فما الزاد؟ ولماذا؟ وما الذي ينبغي على العبد أن يتزود به؟ وما الذي يعين العبد على التزود؟

الزاد لغة: طعام المسافر.

اصطلاحا: هو ما يتزود به العبد للصبر على تكاليف الطريق، حتى يلقى الله تعالى وهو حافظ لإسلامه ودينه.

وينبغي أن تعلم:

أن لحفة التراب غذاؤها من طعام أو شراب وإذا حرم الجسد غذاءه أصابه الجوع والألم والقلق الذي يبلغ به حد الجنون، وللروح غذاؤها من ذكر وصلاة، ودعاء، وجهاد، وإذا حرمت الروح غذاءها، أصابها الجوع والقلق والحيرة والجنون قال تعالى: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء [الأنعام:125].

ذكر النووي بابا سماه: باب الحث إلى الازدياد من الخير في أواخر العمر في كتابه (رياض الصالحين)، وأورد قول الله تعالى: أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير قال ابن عباس: أو لم نعمركم (أي ستين سنة) للحديث: ((أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة))([1]).

قال العلماء: أي فليس للعبد حجة أمام الله بعد أن أخر أجله هذه المدة: قال ابن عباس: وكان أهل المدينة إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تفرغ للعبادة وللحديث: ((من بلغ أربعين سنة ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار))([2]).

جاء في بعض الكتب المنزلة: (يا أبناء الخمسين زرع قد دنى حصاده ويا أبناء الستين ماذا قدمتم؟ ويا أبناء السبعين هلموا إلى الحساب).

واعلم بأن الله تعالى لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية للحديث القدسي: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسأل كل واحد مسألته فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما يغمس المخيط في البحر ثم انظر بما يرجع فيه يا عبادي إنما هي أعمالكم أوفيها إياكم فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه))([3]).

وأما لماذا الزاد؟ فلا بد من الزاد.

لأن قيمة العبد بعلمه: للحديث: ((بكت عائشة حتى سال دمعها، فسألها النبي فقالت: ذكرت الآخرة، هل يذكرون أهليهم يوم القيامة؟ قال: والذي نفسي بيده في ثلاثة مواطن فإن أحدا لا يذكر إلا نفسه: إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعند الصحف حتى ينظر بيمينه يأخذ كتابه أو بشماله؟ وعند الصراط))([4]).

يقول أنس: (يؤتى بابن آدم يوم القيامة حتى يوقف بين كفتي الميزان ويوكل به ملك فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإن خف ميزانه نادى بصوت يسمع الخلائق شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا وعند خفة كفة الحسنات تقبل الزبانية وبأيديهم  مقامع من حديد عليهم ثياب من نار فيأخذون نصيب النار إلى النار)([5]).

حتى تتمرن النفس على تحمل المشاق: قال تعالى: يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [المزمل:1-5]، قال قتادة والحسن: (العمل به شاق لما فيه من الفرائض والحلال والحرام فمرّن نفسك على المشاق) وللحديث: ((ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات ويحط به الخطايا، إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط))([6]) فمن كان عن هذا عاجزا فعن غيره أعجز.

لأن الآجال مجهولة: قال تعالى: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت [لقمان:34].

مشيناها خطا كتبت علينا        ومن كتبت عليه خطا مشاها

ومن كانت منيته بأرض        فليس يموت في أرض سواها

يقول الفضيل بن عياض: يا ابن آدم إنما أنت عدد فإذا ذهب يومك ذهب بعضك، وأنفاسك محسوبة عليك قال تعالى: إنما نعد لهم عدا يعني الأنفاس.

وكل واحد يبعث على الحال التي مات عليها إن كان في طاعة أو في معصية للحديث: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه))([7])، لذا كان حرص العبد على التزود والموت على أطيب الحال دليل حب الله لعبده للحديث: ((إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه))([8]).

وأما الذي ينبغي للعبد أن يتزود به فهو:

لزوم ذكر الله تعالى: ولمن خاف مقام ربه جنتان [الرحمن:46]. يقول ابن تيميه رحمه الله: (هما جنتان إحداهما في الدنيا والأخرى في الآخرة فأما جنة الدنيا فهو أنس العبد بذكره لربه سبحانه وأما جنة الآخرة فهي التي وعدنا الله إياها، فمن لم يدخل جنة الدنيا لم يدخل جنة الآخرة). والوجود كله ذاكر لله مسبح لله قال تعالى: وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم [الإسراء:44].

في الجماد: قول النبي : ((هذا جمدان (اسم لجبل) سبق المفردون قالوا: ما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله والذاكرات))([9]) .

وفي الحيوان: دخل النبي على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل فقال لهم: ((اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسراق، فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه))([10]).

وفي الطير: قال تعالى: ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير [سبأ:10]. قال ابن كثير: أوبي: أي سبحي والتأويب الترجيع فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها([11]).

وفي قيام الليل زاد:

وقيام الليل شعار الصالحين: للحديث: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، فإن قيام الليل قربة إلى الله عز وجل وتكفير للذنوب ومطردة للداء عن الجسد ومنهاة عن الإثم))([12]).

وهو دليل معرفة العبد ربه، وشوقه إلى الجنة: كان أحد السلف يفرش له فراشه بعد العشاء، فيضع يده عليه ويقول: والله إنك للين، ولكن فراش الجنة ألين منك، ثم يصلي حتى الفجر.

وفي صيام رمضان زاد: ومنكر الصيام كافر لأنه فريضة ثابتة في الكتاب والسنة والإجماع في الكتاب: كتب عليكم الصيام [البقرة:183]. وفي السنة: ((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا))([13]). والإجماع منعقد على فرضيته يقول الذهبي: (الذي يفطر في رمضان من غير عذر شر من الزاني ومدمن الخمر بل ويشك في إسلامه)، وفي الصيام يتربى المسلم على الخلق الكريم واستشعار رقابة الله سبحانه فالصائم يحبس نفسه عن الحلال حياء وطاعة لله واستشعارا لرقابته. أيجرؤ على الحرام بعد ذلك للحديث: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))([14]).

وعذاب الله شديد لكل مفطر من غير عذر للحديث: ((بينما أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي (ما تحت الإبط) فأتيا بي جبلا وعرا فقالا: اصعد، فقلت: لا أطيقه فقالا: إنا سنسهله لك فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلقا بي، فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء؟ قالا: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم))([15])، والخاسر الخائب من أدركه رمضان فلم يستدرك فيه أمره، ويصلح فيه ما بينه وبين ربه، ويجدد العهد: ((صعد النبي المنبر، فلما رقى عتبة قال: آمين، ولما رقى الثانية قال: آمين، فلما رقى الثالثة قال: آمين ثم قال: أتاني جبريل وقال: يا محمد بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: بعد من أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فقلت: آمين ثم قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت: آمين))([16]).

وقراءة القرآن زاد: والقرآن كلام الله المعجز المنزل على محمد بن عبد الله:

أ- والأجر فيه عظيم للحديث: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولا أقول: ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف))([17]).

ب- وهو شافع لأصحابه للحديث: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام في النهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم في الليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان))([18]).

ج- وحرص الأصحاب على تلاوته ليس له حدود: كان عبد الله بن عمرو بن العاص يقرأ القرآن كله كل ليلة ويصوم كل يوم يقول له النبي : ((صم صوم نبي الله داود فإنه كان أعبد الناس، واقرأ القرآن في كل شهر، فقال: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأ في كل عشرين، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأ في كل سبع، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأ في كل ثلاث ولا تزد على ذلك))([19]).

وفي الاعتكاف زاد: وهو لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله تعالى.

وهو مسنون اقتداءا بالرسول : ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان وفي العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين ليلة))([20]).

ومستحب: وليس له وقت محدود يقول يعلى بن أمية: إني لأمكث في المسجد ساعة ما أمكث إلا لأعتكف([21]).

وواجب: وهو ما يوجبه المرء على نفسه كالنذر مثلا: قال عمر يا رسول الله: إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال: ((أوف بنذرك))([22]). وعرف بعض العلماء الاعتكاف فقالوا: هو قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق سبحانه: وقيل لأحدهم: ألا تستوحش في خلوتك؟ فقال: وكيف استوحش وهو يقول: ((أنا جليس من ذكرني))؟([23]).

وإذا وطن العبد نفسه على هذه الطاعات فعلت فعلها الحسن في النفس وفجرت فيها الخير والقوة والعزة والغيرة فلا يذل إلا لله، ولا يطيع أحدا في معصية الله، ولا يأنس إلى أحد إلا إلى الله.

وأما الذي يعين على التزود فهو:

الصحبة الطيبة: إن وجدت وإلا فالعزلة أولى، وأقوال العلماء في الخلطة والعزلة تحتاج إلى بيان:

فقد أحب البعض العزلة للحديث: ((أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك))([24]).

ومنهم من فضل الخلطة لحديث الذي أراد أن يعتزل في شعب يتعبد: فقال له النبي : ((لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله خير من تعبده في بيته سبعين سنة ألا تحبون أن يغفر الله لكم))([25]).

والصواب: أن كل إنسان بحسب حاله، فمن كان باستطاعته أن يصبر ويغير، ويؤثر ولا يتأثر فعليه بالخلطة وهو مأجور مثاب للحديث: ((الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم))([26]). والذي يجد في نفسه الضعف عن إصلاح غيره وخاف وخشي على نفسه الفتنة فالعزلة له أولى يقول أبوالدرداء: كان الناس ورقا لا شوك فيه، فأصبحوا شوكا لا ورق فيه.

وبالعزلة يسلم العبد من الغيبة والنميمة والرياء، وقرين السوء وأذاه.

أن تجعل تعاملك مع الله سبحانه ابتغاء أجره ورضاه من غير انتظار إلى ثناء الناس أو مقابلة إحسانك بالإحسان فقد تبتلى بقوم لئام تحسن إليهم ويسيئون إليك قال تعالى: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا [الإنسان :7-9].

يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((يقول الله يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنه لو سقيته لوجدت ذلك عندي))([27]).



([1])البخاري.

([2])أبو الفتح الازدي عن ابن عباس مرفوعا / الألوسي ج 26 ص 18.

([3])رواه مسلم.

([4])أبو داود وإسناده صحيح.

([5])إحياء علوم الدين مجلد 4 ص 520.

([6])رواه مسلم.

([7])رواه مسلم.

([8])رواه الترمذي.

([9])رواه مسلم.

([10])رواه أحمد.

([11])مختصر ابن كثير مجلد 3 ص 122.

([12])رواه الترمذي.

([13])متفق عليه.

([14])متفق عليه.

([15])رواه ابم خزيمة وابن حبان (قبل تحله صومه:أي يفطرون قبل وقت الإفطار).

([16])ابن حبان.

([17])رواه الترمذي.

([18])رواه أحمد بإسناد صحيح.

([19])البخاري ومسلم.

([20])رواه البخاري.

([21])فقه السنة مجلد 1 ص 420.

([22])رواه البخاري.

([23])البيهقي.

([24])الترمذي.

([25])الترمذي.

([26])الترمذي ابن ماجة .

([27])رواه مسلم .

الخطبة الثانية

لم ترد .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً