.

اليوم م الموافق ‏03/‏جمادى الثانية/‏1446هـ

 
 

 

البر بالوالدين والعقوق

684

الأسرة والمجتمع

الوالدان

هاشم محمد علي المشهداني

الدوحة

الريان الكبير

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- معنى البر. 2- فضل بر الوالدين. 3- بروا آباءكم تبركم أبناؤكم. 4- بر الوالدين. 5- صور للعقوق. 6- عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة.

الخطبة الأولى

قال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا [الإسراء:23].

إعلم أن الله تعالى جمع بين الأمر بتوحيده سبحانه والأمر بالإحسان إلى الوالدين ونهى عن الإساءة إليهما في الكلمة أو الفعل وأمرنا بالدعاء لهما في كل حين.

فما البر بالوالدين؟ ولماذا؟ وما صوره؟ وما العقوق وما عاقبته؟ وما موقف المسلم من الأمر كله ؟

أما البر لغةً: فهو الخير والفضل والطاعة.

اصطلاحا: يطلق في الأغلب على الإحسان بالقول اللين والإحسان بالمال وغيره من الأفعال الصالحات([1]). فعلى هذا نعني بالبر بالوالدين: الإحسان إلى الوالدين والطاعة لهما في غير معصية وبذل الوسع في الفوز برضاهما وأداء حقهما في حياتهما وبعد مماتها.

وينبغي أن تعلم :

أن البر بالوالدين من أفضل القربات للحديث: ((عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله : أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟، قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله))([2]). فأخبر رسول الله أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام.

إن حق الوالدين عظيم للحديث: ((لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه))([3]).

ورأى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلا يطوف حول الكعبة وهو يحمل أمه على كتفه ويقول:

          إني لـهـا مطيـة لا تنفـر    إذا الركاب نفرت لا تنفر

          ما أطعمتني وأرضعتني أكثر    الله ربي ذو الجلال الأكبر 

تظنني جازيتها يا ابن عمر

فقال ابن عمر: لا ولا طلقة. أي صرخة من صرخات الولادة.

إن البر بالوالدين يكون ولو كانا كافرين: فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي : فاستفتيت النبي : فقلت إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال رسول الله : ((نعم صلي أمك))([4]).

وأنزل الله قوله: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم [الممتحنة:8].

وأما لماذا البر بالوالدين؟ فلا بد من البر بالوالدين.

لأن الكون مبني على العدل فكما تدين تدان للحديث: ((بروا آباءكم تبركم أبناؤكم وعفوا تعف نساؤكم))([5]).

ذكر أن رجلا رآه الناس وهو يضرب أباه في السوق، فقاموا يحولون بين الوالد والولد ويقولون للولد: كيف تضرب أباك؟ فقال لهم والده: دعوا ولدي يضربني فقد كنت أضرب أبي في هذا الموضع فسلط الله علي ولدي من بعده.

البركة في العمر والرزق للحديث: ((من سره أن يمد له في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه))([6]).

المغفرة للذنوب للحديث: ((أتى رجل رسول الله فقال: إني أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ فقال: هل لك من أم؟ قال: لا، قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرها))([7]). وفي رواية: ((هل لك والدان))([8]).

البر بالوالدين جهاد في سبيل الله للحديث: ((أن جاهمة جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت لأستشيرك؟ فقال: ألك والدان؟ قال: نعم، قال: فالزمهما فإن الجنة  تحت أرجلهما))([9]).

وأما صور البر بالوالدين:

في النظر إليهما، للحديث: ((ما برّ أباه من سدد إليه النظر بغضب))([10]).

فلا عبوس ولا حدة في النظر ولا تنظر إليهما شزراً من طرف عينك.

في القول: قال تعالى: وقل لهما قولا كريما [الإسراء:23]. قال ابن كثير: أي لينا طيبا حسنا بتأدب وتوقير وتعظيم وألا تكون سببا في سبهما أو لعنهما للحديث: ((إن من أكبر الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله: وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه))([11]). فلا غلظة ولا فظاظة ولا تأفف ولا تضجر.

في المال: وذلك بالإنفاق عليهما إذا احتاجا والتوسعة عليها للحديث: ((أن رجلا جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي، فقال النبي : فأتني بأبيك، فنزل جبريل عليه السلام: إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ قال له النبي : ((ما بال ابنك يشكوك))؟  فقال: سله يا رسول الله هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي، فقال رسول الله : أخبرني عن شيء قلته في نفسك فقال الشيخ :

غذوتك مولـودا وعلتك يافعـا                  

             تعل بمـا أجني عليك وتنهل

إذا ليلة ضافتك بالسقم لـم أبت             

             لسقمـك إلا سـاهرا أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي             

             طرقت بـه دوني فعيني تهمل

تخاف الردى نفسي عليك وإنها             

              لتعلـم أن الموت وقت مؤجل

فلما بلغت السن والغـاية التي              

             إليها مـدى ما كنت فيك أؤمل

جعلت جزائي غلظة و فظاظة              

             كأنك أنت المنعـم المتفضـل

فليتك إذ لم ترع حق أبوتي                  

             فعلت كما الجار المجاور يفعل

فحينئذ أخذ النبي بتلابيب ابنه وقال: ((أنت ومالك لأبيك))([12]).

لزوم الأدب معهما: إن أبا هريرة :أبصر رجلين فقال لأحدهما: من هذا منك؟ فقال: أبي فقال أبو هريرة: (لا تسمه باسمه، ولا تمشي أمامه، ولا تجلس قبله)([13]) وسئل الفضيل بن عياض عن بر الوالدين فقال: ألا تقوم إلى خدمتها وأنت كسلان وقيل: ألا ترفع صوتك عليها ولا تنظر إليها شزرا ولا يريا منك مخالفة في ظاهر أو باطن وأن تترحم عليهما ما عاشا وتدعو لهما إذا ماتا([14]).

إجابة دعوتهما وإن كنت في صلاة نافلة: للحديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جريج وكان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتتة أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج فقال: يا رب أمي أوصلاتي؟ فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي أوصلاتي؟ فأقبل على صلاته، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج فقال: أي رب أمي أوصلاتي؟ فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات (وهن الزواني) فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه. فأتت إلى جريح، فلم يلتفت إليها فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت، سألوها عن أبيه؟، قالت: هو جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك، قال: أين الصبي؟ فجاؤا به فقال: دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به))([15]).

قال العلماء: أفاد الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع، لأن الاستمرار فيها نافلة وإجابة الأم وبرها واجب وقيل: إنما دعت عليه لأنه كان بإمكانه أن يخفف صلاته ويجيبها([16]). لو دعواه لأول وقت الصلاة وجبت طاعتهما وإن فاتته فضيلة أول الوقت([17]).

ومن البر بهما بعد موتهما:

أ- الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة ودخول الجنة والنجاة من النار قال تعالى: وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا [الإسراء:23]. وللحديث: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له))([18]).

ب- التصدق عن الوالدين للحديث: ((أن رجلا قال للنبي : إن أبي مات ولم يوصي أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم))([19]) .

ج- سداد الديون المالية وقضاء الفرائض التعبدية كالحج والنذر.

د- صلة أقربائهما للحديث: ((جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم الصلاة عليهما (أي الدعاء لهما) والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما (العمل بوصيتهما) من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما (مثل الجد والجدة والعم والخالة والخال وغيرهم) وإكرام صديقهما))([20]) .

وأما العقوق: فهو مأخوذ من العق وهو القطع والمراد به الإساءة إلى الوالدين في القول والفعل وصور العقوق كثيرة ومنها تقديم رضى الزوجة على رضاهما للحديث: ((سألت عائشة رضي الله عنها: أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها، قلت: فعلى الرجل! قال أمه))([21]).

وكذا الغلظة والفظاظة ورفع الصوت والعبوس وعدم تلبية ندائهما أو التعير منهما وعدم الإنفاق عليهما وعدم استئذانهما لسفر فيه مشقة وعدم المبالاة بمشاعرهما أوالتسبب في سبهما.

وأما عاقبة العقوق :

العقوبة العاجلة للحديث: ((كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يجعله لصاحبه في الحياة قبل الممات))([22]).

الخسران والهلاك للحديث: ((رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة ))([23]).

الحرمان من كلمة التوحيد عند الموت للحديث: ((عن عبد الله بن أبي أوفي قال: كنا عند النبي فآتاه آت، فقال: شاب يجود بنفسه، فقيل له: قل لا إله إلا الله، فلم يستطع، فقال: كان يصلي؟ فقال: نعم، فنهض رسول الله ونهضنا معه، فدخل على الشاب، فقال له: قل لا إله إلا الله، فقال: لا أستطيع، قال: لم؟ قال: كان يعق والدته؟ فقال النبي : أحية والدته؟ قالوا: نعم، قال: ادعوها، فدعوها فجاءت، قفال: أهذا ابنك؟ فقالت: نعم، فقال لها: أرأيت لو أججت نارا ضخمة، فقيل لك: إن شفعت له خلينا عنه وإلا حرقناه بهذا النار، أكنت تشفعين له؟ قالت: يا رسول الله إذاً أشفع له، قال: فأشهدي الله وأشهديني أنك قد رضيت عنه قالت: اللهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيت عن ابني، فقال له رسول الله : ياغلام قل لا إله إلا الله، فقالها، فقال: رسول الله : الحمد لله الذي أنقذه من النار))([24]).

الجنة محرمة عليه للحديث: ((ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر الخبث في أهله))([25]).

وأما موقف المسلم من البر بالوالدين :

وجوب استئذانهما في الخروج إلى الجهاد: لأن البر بهما فرض عين لا ينوب عنه فيه غيره، وقال رجل لابن عباس : إني نذرت أن أغزو الروم، وأن أبواي منعاني، فقال: أطع أبويك فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك.

وهذا مقيد بأمرين الأول: إذا لم يكن النفير عاما وإلا أصبح خروجه فرض عين،  والثاني: استنفار الإمام له وتعينه للخروج([26]).

إن لطاعة الوالدين حد محدود فلا يجوز طاعتهما في أمر فيه معصية الله سبحانه:

فلقد كان سعد بن أبي وقاص بارا بأمه فقالت: لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب شرابا حتى أموت فتعير بي ويقال: قاتل أمه، فقلت لها: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني فلما رأت ذلك أكلت، قال تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا [لقمان:15].

ولا يجب أن يطلق الرجل زوجته إذا طلبا ذلك: سأل رجل الإمام أحمد فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، قال: لا تطلقها، قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته فطلقها؟ فقال الإمام أحمد: حتى يكون أبوك مثل عمر. أي في تحريه للحق وعدم اتباع الهوى.

قال العلماء: إذا كانت الزوجة مؤذية للوالدين أو محرضة للزوج أو الأبناء على إيذائهما وجب عليه طلاقها.

وإن تعارضت طاعة الأم مع طاعة الأب فطاعة الأم مقدمة كما قال الجمهور([27]).

للحديث: ((قال رجل يا رسول الله: من أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك))([28]) .

إلا أن تكون في طاعة أحدهما معصية فعليه أن يطيع الذي يأمر منهما بطاعة، وأما إذا تعارض برهما في غير معصية فيحرص على إرضائهما ما أمكن.

روي أن رجلا قال: للإمام مالك رحمه الله: (والدي في السودان كتب إلي أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له مالك: أطع أباك ولا تعص أمك) أي يبالغ في طاعة أمه ولو بأخذها معه مثلا([29]).



([1])الموسوعة الفقهية مجلد 8 ص 63 .

([2])البخاري ومسلم .

([3])رواه مسلم .

([4])البخاري .

([5])رواه الطبراني بإسناد حسن .

([6])رواه أحمد ورواته محتج في الصحيح .

([7])الترمذي .

([8])ابن حبان والحاكم .

([9])الطبراني بإسناد جيد .

([10])مجمع الزوائد 8 .

([11])مسلم .

([12])الطبراني .

([13])البيهقي وابن السني .

([14])السلوك الاجتماعي في الإسلام / حسن أيوب ج2 ص 168 .

([15])البخاري ومسلم .

([16])نزهة المتقين ص 271 مجلد1 .

([17])الموسوعة الفقهية مجلد 8 ص 71 .

([18])مسلم .

([19])أحمد ومسلم والنسائي .

([20])أبو داود وابن ماجة وابن حبان .

([21])الحاكم .

([22])الحاكم والأصبهاني .

([23])مسلم .

([24])الطبراني .

([25])أحمد والنسائي .

([26])الموسوعة الفقهية ج8 ص65 .

([27])السلوك الاجتماعي حسن أيوب ج2 ص 172 .

([28])البخاري .

([29])الموسوعة الفقهية مجلد 8 ص 68 .

الخطبة الثانية

لم ترد .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً