قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة [البقرة:288].
اعلم أن كل حق يقابله واجب، وإذا عرف كلا الزوجين ماله من حقوق وما عليه من واجبات سارت الحياة الزوجية هادئة مطمئنة.
فما الزوج؟ ولماذا الزوج الصالح؟ وما حق الزوج على زوجه؟ وما موقف المسلم من ذلك؟
أما الزوج لغة: الذي له قرين قال تعالى: وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى [النجم:45]. وكل منهما زوج فالرجل زوج للمرأة وهي زوجه.
وأما اصطلاحا: فهو بعل المرأة.
وينبغي أن تعلم :
كل مؤسسة أو شركة لابد لها من رئيس والأسرة هي أخطر مؤسسة فكان لابد لها من رئيس يطاع وذلك لحفظ هذا المؤسسة من الضياع والرجل أحق بهذه القوامة من المرأة قال تعالى: الرجال قوامون على النساء [النساء:34]. وعلل ذلك بأمرين: وهبي وكسبي فقال بما فضل الله بعضهم على بعض بسبب تفضيل الرجال على النساء بخصائص جسمية وعقلية وتلك هبة الله سبحانه والثاني وبما أنفقوا من أموالهم أي بما أوجب على الرجال من الواجبات المالية كالمهر والنفقة فكان له عليها حق الطاعة.
إن هذه القوامة لا ظلم فيها ولا استعلاء و لا تعسف ومن كان كذلك فهو مع الظلمة يوم القيامة للحديث: ((إن الرجل ليكتب عند الله جبارا وليس عنده إلا بيته)).
إن ما بين الرجل وزوجه مبني على المودة والرحمة: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة [الروم:21].
إن الإنسان ليفرح أن يكون صديقه رئيسا عليه في عمله، فكيف برئاسة الزوج على زوجته وما بينهما من المودة والرحمة ما لا نسبة بينه وما بين صديقين مخلصين.
وإذا بلغ الأمر مداه في كراهية الرجل للمرأة فله حق الطلاق، وإن كانت الكراهية من جهة المرأة فلها حق الخلع وذلك بأن تعطي الزوجة زوجها المهر الذي أخذته منه وقد جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر بعد الإسلام (أي كفران العشير) فقال رسول الله : ((أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم فقال رسول الله : أقبل الحديقة وطلقها تطليقة)).
قال ابن كثير: فأما إذا لم يكن لها عذر وسألت الافتداء والخلع فقد قال رسول الله : ((أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة)). وللحديث: ((المختلعات هن المنافقات)).
وأما الزوج الصالح: فلا بد للولي أن يختار لكريمته فلا يزوجها إلا لمن له دين وخلق وشرف فإن عاشرها عاشرها بالمعروف وإن سرحها سرحها بإحسان قال تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [البقرة:229].
وذلك لأن تقواه ومخافته من الله تمنعه من الظلم: قال رجل للحسن بن علي رضي الله عنه: إن لي بنتا فمن ترى أن أزوجها له؟ قال: زوجها لمن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.
وذلك لأن حسن خلقه يمنعه من الإيذاء: للحديث: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)).
ولا ينبغي للولي أن يزوج كريمته لفاسق أو شارب للخمر أو زانٍ.
قال تعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين [النور:3].
وللحديث: ((من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها)).
ويقول ابن تيميه رحمه الله: من كان مصرا على الفسوق لا ينبغي أن يزوَج. ويقول الإمام الغزالى: ومن زوج ابنته ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو شارب خمر، فقد جنى على دينها وتعرض لسخط الله لما قطع من الرحم وسوء الاختيار.
وأما حق الزوج على زوجه:
أ - أن تعرف له مكانته وحقه :
فهو بابها إلى الجنة للحديث: ((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)).
ب- حقه مقدم وأعظم من حق أبيها وأمها للحديث: ((سئل الرسول من أعظم الناس حقا على المرأة؟ قال: زوجها)).
ج- ولولا أن السجود محرم لغير الله لكان على الزوجة أن تسجد لزوجها للحديث: ((لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)).
د- وإن طاعة الزوج بمنزلة الجهاد في سبيل الله للحديث: ((جاءت امرأة إلى النبي فقالت: يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال فإن يصيبوا أجروا وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون ونحن معاشر النساء نقوم عليهم فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله : أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافا بحقه يعدل ذلك وقليل منكن من يفعل)).
الطاعة للزوج: الأسرة لا يستقيم حالها إلا بالطاعة للرجل، فهو المسؤول عن أسرته في الدنيا والآخرة، والمرأة المسترجلة ملعونة على لسان رسول الله : ((لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)).
وأخبر عن الصالحات فقال سبحانه: فالصالحات قانتات حافظات للغيب [النساء:33]. قانتات قال ابن عباس وغيره: (أي مطيعات لأزواجهن) حافظات للغيب قال السدي وغيره: أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله.
قيل لرسول الله : أي النساء خير؟ قال: ((هي التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره)).
بلى إن طاعة الزوجة زوجها عبادة تتعبد الزوجة ربها بها، للحديث: ((إن المرأة إذا صلت خمسها وصامت شهرها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت)).
الطاعة أمر عام يدخل تحته كل أوامر الزوج، في غير معصية، ولو أدركت الزوجة لعلمت أن الزوج إذا رأى من زوجه الطاعة وحسن العشرة كسبت ثقته ومحبته فيعطي زوجته أضعاف أضعاف ما تعطيه بل يلبي لها كل رغباتها عن طيب نفس وخاطر.
ومن طاعة الزوج تلبيه ندائه إذا دعاها للفراش، ذلك حق للزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع فإذا تزوج امرأة أهلا للجماع وجب تسليمها نفسها إليه بالعقد إذا طلب.
وإذا امتنعت الزوجة فالعقوبة عظيمة للحديث: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح)).
بل عليها أن تترك ما يشغلها عن تلبية حاجة زوجها للحديث: ((إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور)).
استئذانه في كل أمر ومنها:
استئذانه عند الخروج فلا تخرج إلا بإذنه للحديث: ((إن المرأة إذا خرجت من بيتها وزوجها كاره لعنها كل ملك في السماء وكل شيء مرت عليه غير الجن والأنس حتى ترجع)).
ولا تصوم نفلا إلا بإذنه للحديث: ((لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد (أي حاضر) إلا بإذنه)).
ولا تنفق إلا بإذنه للحديث: ((لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذنه)).
فإن كان الزوج بخيلا فقد قالت هذا امرأة أبي سفيان: يا رسول الله: ((إن أبا سفيان رجل شحيح ولا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيك وولده بالمعروف)).
الغيرة على زوجها:
فلا تسمح لأحد أن يستخدم أشياءه الخاصة للحديث: ((فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم))، ألا تسمح لأحد أن يتمتع بالأمور الخاصة بزوجها كالسرير واللحاف والملابس.
ولا تسمح لأحد أن يدخل بيته ممن يكره دخولهم للحديث: ((ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون)).
فلا يجوز لها أن تدخل أحدا من محارمها إذا كان رافضا لدخوله وما سواهم فهو حرام أصلا: كابن العم وابن الخالة أو أخو الزوج أو صديقه لما في ذلك من فتح لباب الفتنة والفساد والعياذ بالله.
أن تتزين لزوجها: فالزوجة العاقلة هي التي تحرص أن يراها زوجها وقد تزينت له وتعطرت وقد نظفت بيتها، وهيأت نفسها لاستقبال زوجها بالكلمة الحلوة التي تمسح عنه متاعب الحياة لعموم الحديث: ((إن نظر إليها سرته)). سواء كان بتجملها لزوجها أو نظافة بيتها، وكثير من النساء يدخرن زينتهن فلا يظهرنها إلا عند خروجهن ولا يظهرن أمام أزواجهن إلا في صورة منفرة أو أنها تنام الساعات الطوال ولا تقوم إلى عملها إلا في وقت مجيئه من العمل مما يدخل الملل وفقدان الرغبة في المجيء إلى البيت لأنه يعلم مسبقا ما ينتظره من منظر كريه ووضع غير مريح.
ومن وصايا العرب: وصية أم لابنتها (واحفظي أنفه وسمعه وعينه فلا يشمن منك إلا أطيب ريح ولا تقع عينه منك على قبيح والتفقد لوقت طعامه ومنامه فإن تواتر الجوع ملهبه وتنغيص النوم مغضبة).
وأما موقف المسلم:
إن طاعة الزوجة لزوجها فيما لا معصية لله فيه، فإذا أمرها بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
وفرائض الله سبحانه المرأة والرجل فيها سواء، ففرائض الله سبحانه من صلاة وصيام (صيام شهر رمضان) وحجة الإسلام الفريضة على المرأة أن تؤديها رضي الزوج أم أبى وليس له منعها بخلاف التطوع من صلاة وصيام وحج فللزوج منعها منه. ويلحق بالفرائض ما فرضه الله على المرأة المسلمة من حجاب وابتعاد عن الجلسات المختلطة ومجالسة الفاسقين فإذا أمر الزوج زوجته بخلاف أمر الله سبحانه فلا تطعه أبدا.
عيادة الزوجة لوالديها: فمذهب الحنفية بأنه ليس للزوج منعها من عيادة والد زَمِن ليس له من يقوم عليه ولا يجب عليها طاعة زوجها أن يمنعها من ذلك، لأن القيام بخدمته فرض عليها في مثل هذه الحالة فيقدم على حق الزوج، أما الشافعية والحنابلة فقالوا: ليس لها الخروج لعيادة أبيها إلا بإذن زوجها وله منعها ولكنه ينبغي ألا يمنعها لما فيه ذلك من قطيعة وسوء معاشرة ومنعها من عيادة والد مريض ليس من المعاشرة الحسنة في شيء.
واستدلوا على ذلك أن رجلا خرج وأمر امرأته أن لا تخرج من بيتها فمرض أبوها. فاستأذنت النبي فقال لها: ((أطيعي زوجك فمات أبوها فاستأذنت منه في حضور جنازته فقال لها: أطيعي زوجك، فأرسل إليها النبي : أن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها)).
خدمة المرأة زوجها فقد ذهب الجمهور أنه ليس على المرأة خدمة زوجها من العجن والخبز والطبخ ونحو ذلك لأن المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع فلا يلزمها ما سواه.
والمذهب الصحيح ما ذكره ابن القيم رحمه الله من لزوم خدمة الزوجة زوجها فيقول: (هذا أمر لا ريب فيه ولا يمنع التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها وجاءت الرسول تشكو إليه الخدمة فلم يشكها (أي لم يسمع شكايتها). إشارة إلى فاطمة رضي الله عنها أنها أتت رسول الله تشكو إليه ما تلقى من الخدمة فقال: ((ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما: إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، وأحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم)) .
وقد حكم رسول الله بين علي بن أبي طالب وبين زوجته فاطمة بنت النبي ، فجعل على فاطمة خدمة البيت، وجعل على علي العمل والكسب .
من وصايا رسول الله للرجال:
في حالة رؤية الرجل لامرأة فلا يستهين بزوجته: ((من نظر إلى امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن الذي مع هذه مع تلك)).
في حالة كراهية الرجل لزوجته: للحديث: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر)).
وعلى الرجل أن يضع حدا محدودا لا تتجاوزه المرأة أبدا.
وقد ذكرت لنا كتب الأدب أن امرأة توصي ابنتها فتقول: انزعي زجّ رمحه فإن سكت فكسري العظام على ترسه فإن سكت فقطعي اللحم بسيفه فإن سكت فامتطيه فإنما هو حمارك فإذا ما فسح الزوج للزوجة المجال في التطاول والجرأة امتد الأمر إلى ما لا تحمد عقباه.