قال الله تعالى: قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين [الأنعام:15-16]. يوم القيامة يوم عظيم خطبه، عظيم خطره، ليس للأنبياء فيه دعاء إلا قولهم: ((يا رب سلّم)) فكيف بغيرهم؟، ورسول الله على علو قدره وقربه يعلم خشيته ويرجو رحمة ربه.
فما الخوف؟ وما أسباب خوفهم وما أسباب أمننا؟ وما الذي ينبغي أن يخافه العبد؟
أما الخوف: فهو ألم يلازم القلب المقبل على الله بسبب توقع المكروه في المستقبل.
والفرق بين الخوف من الله والخوف من غيره يقول: أبو القاسم الحكيم: من خاف شيئا هرب منه، ومن خاف الله هرب إليه.
وأخبر الحق عن حال أهل الجنة وهم يذكرون حالهم في الدنيا: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم [الطور:25-27]. وفي الحديث القدسي: قال الله تعالى: ((وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين فإن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة)).
وعلامته:
وجل في القلب قال تعالى: الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم [الحج:35].
قشعريرة في الجلد: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله [الزمر:23]. قال ابن كثير: هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار لما ينهون من الوعد والوعيد، وللحديث: ((إذا قشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات من الشجرة ورقها)) الطبراني.
ودموع من العينين: ((قال عقبة بن عامر: ما النجاة يا رسول الله؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)).
همة في الطاعة للحديث: ((من خاف أدلج (أي بكّر وهو كناية عن التشمير للطاعات)، ومن أدلج بلغ المنزل إلا أن سلعة الله غالية إلا أن سلعة الله هي الجنة )). والمتأمل في أقوال السلف يجد العجب العجاب على صلاحهم وطاعتهم وجهادهم. فهذا عمر كان في وجهه خطان أسودان من الدموع وكان يأخذ تبنة من الأرض ويقول: (يا ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئا مذكورا). وهذا أبو عبيدة بن الجراح يقول: (وددت أني شاة فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحتسون مرقي). وهذا عبد الله بن المبارك يقول: (لو أن رجلا وقف على باب المسجد ونادى ليخرج شر الناس لما سبقني إليه إلا رجل أوتي أكثر مني قوة أو سمعا).
فما أسباب خوفهم وما أسباب أمننا؟
1- معرفتهم بالله تعالى قال تعالى: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [الزمر:67]. يقول عبد الواحد المقدسي: ركبنا البحر فألقتنا السفينة إلى جزيرة فرأينا رجلا يعبد وثنا، قلنا له: ما تعبد؟ فأشار إلى الوثن، قال: وأنتم ما تعبدون؟ قلنا نعبد الله، قال: ومن الله؟ قلنا: الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي الناس قضاؤه، قال: وما أعلمكم به ؟ قلنا: رسول الله من عند الملك، قال: فأين الرسول ؟ قلنا: مات، قال: فهل ترك من علامة ؟ قلنا: كتاب من عند الملك، قال: ينبغي أن تكون كتب الملوك حسانا، أئتوني به، فجئناه بالقرآن الكريم فقرأنا عليه فبكى ثم قال: ما يصنع من أراد الدخول في دينكم؟، قلنا: يغتسل ويتوضأ ويقول كلمة التوحيد ويصلي. فاغتسل وقال كلمة التوحيد وصلى فلما جن علينا الليل أخذنا مضاجعنا، قال: أسألكم الإله الذي دللتموني عليه إذا جنه الليل ينام؟، قلنا: لا بل هو حي قيوم لا ينام، قال: بئس العبيد أنتم تنامون وربكم لا ينام)). وأما سبب أمننا لجهلنا بالله وصفاته وعظيم قدره وللأثر ((يأتي على الناس زمان يجتمعون في مساجدهم ويصلون وليس فيهم مؤمن)).
2- حبهم لله سبحانه: فملك عليهم قلوبهم يقول ابن القيم: (من عرف ربه أحبه) كيف لا ومصدر النعمة هو الله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل:53]. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم:34]. وإليه شكواك ونجواك: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله [يوسف:86]. وإليه وحده تلجأ عند بلواك: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو [الأنعام:17]. فأي حب ينبغي أن يكون.
لقد أصبح من البداهة أن نسمع من يبذل ماله لعاهرة أو ينتحر لأجل لعوب ضاربا مثلا حقيرا لسالكي دربه، وأصبح من النادر أن نجد من يبذل ماله ونفسه لربه. رحم الله عمر وقد سئل: أي شيء أحب إليك، قال: صوم في الصيف وضرب بالسيف. وهذه رابعة تناجي ربها فتقول: إلهي غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم، إلهي خلا كل حبيب بحبيبه وأنت حبيب المستأنسين وأنيس المستوحشين، إلهي إن طردتني عن بابك فباب من أرتجي وإن قطعتني عن خدمتك فخدمة من أرتجي، وأما سبب أمننا فهو انحرافنا في حبنا ولمن يكون، فمنا المحب للمال وللنساء والمنصب وهي فتن على الطريق للحديث: ((ولكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال)). ((وما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)). ((تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار)).
اليقين: وهو كمال التصديق والرسوخ بوجود الله والجنة والنار والحساب، يرى رسول الله أحد الأصحاب فيقول له: ((كيف أصبحت؟، فيقول: أصبحت مؤمنا حقا، فيقول المصطفى: وما حقيقة إيمانك؟، فيقول: أصبحت أرى عرش ربي بارزا، وأصبحت أرى أهل الجنة وهم يتزاورون، وأهل النار وهم يتعاوون فقال : عرفت فالزم)). وأما أسباب أمننا فضعف اليقين والثقة بالله وما أخبر عنه فخسرنا أنفسنا وخسرنا ديننا.
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
وأما الذي ينبغي أن يخافه العبد:
أن يخاف على دينه: للحديث: ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا يبيع دينه بعرض من الدنيا زائل)). وكل مصيبة تهون إلا مصيبة الدين، وكان من دعائه : ((اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا)).
أن تشغله الدنيا عن الآخرة: أتي عمر بكنوز كسرى قام عمر يتفحصها وينظر إليها وهو يبكي ومعه عبد الرحمن بن عوف فقال له عبد الرحمن: (يا أمير المؤمنين: هذا يوم فرح ويوم سرور فقال عمر: (أجل ولكن إن هذا (أي المال) لم يعطه الله قوما قط إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء).
سوء الخاتمة: إنما الأعمال بالخواتيم، وللحديث: ((إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)).
|