.

اليوم م الموافق ‏18/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

اختبار المؤمن

150

الرقاق والأخلاق والآداب

الفتن

عبد الله بن محمد بن زاحم

المدينة المنورة

3/3/1401

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- كل شيء إنما تظهر جودته إذا اختبر 2- الابتلاء اختبار لإيمان المؤمن 3- ماذا يصنع المسلم إذا أصيب بالمصيبة 4- لماذا يُبتلى الإنسان في الدنيا 5- جزاء الصبر في الدنيا والآخرة

الخطبة الأولى

 

أما بعد، فأوصيكم وإياي بتقوى الله ـ تعالى ـ، فلا سعادة ولا صلاح إلا بالتقوى.

عباد الله: إذا أراد الإنسان أن يشتري مصاغاً من الجواهر، ذهب به إلى المختبر ليتأكد من جودته وسلامته من الغش، فإذا كان مغشوشاً لم يقبله. وإذا أراد الإنسان أن يلتحق بالوظيفة أرسل للمختبر الصحي للتأكد من لياقته طبياً للخدمة، وإذا لم يصلح لم يوظف. وإذا دخل الطالب في سلك المدرسة اختبر لمعرفة نشاطه وحرصه على العلم والتحصيل، فإذا لم ينجح أدى الأمر إلى طرده من المدرسة، أفلا يختبر من أراد دخول الجنة؟!

وأمامنا اختبار أهم من اختبارات الدنيا، اختبار عام شامل، فيه نجاح وتفوق وقبول، وفيه رسوب وطرد، وإبعاد، وأسئلته مقدمة قبله مفتوحة معلومة للناس، حرصاً من المختبر على النجاح رحمة بالحريصين على السبق، وكأني بسائل يسأل: ما هو موضوع هذا الاختبار؟ وما هي درجة النجاح؟ وما فائدته وثمرته؟.

فأما موضوع الاختبار فهو الإيمان. كما قال ـ تبارك وتعالى ـ: بسم الله الرحمن الرحيم: الـم أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1، 2].

وأما الأسئلة فهي المذكورة في قوله ـ سبحانه ـ: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ [البقرة:155].

وقوله: وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]. فأخبر قبل وقوعها بأنها اختبار وابتلاء وامتحان.

وأما مكان الاختبار، فهو هذه الحياة الدنيا، فما دام الإنسان حياً فيها فهو تحت الاختبار، فيأخذ حذره واستعداده.

وأما أسباب النجاح فهي المذكورة في قوله ـ تعالى ـ: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ [البقرة:153].

وقوله: وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعون [البقرة:155، 156]. فالصبر والصلاة وتفويض الأمر لله وشكر النعمة هي أسباب النجاح.

وأما تقدير النجاح فهي قوله ـ تعالى ـ: أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ [البقرة:157].

أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ تقدير ممتاز.

وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ درجة الشرف الأولى.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله -: قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -: نعم العدلان ونعمت العلاوة: أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ فهذان العدلان: وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ فهذه العلاوة. أعطوا ثوابهم وزيدوا عليه أيضا.

وأما فائدة الاختبار، فكما قال ـ سبحانه ـ: فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَـٰذِبِينَ [العنكبوت:3]. وقوله: وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ [العنكبوت:11]، لمعرفة القلوب الطيبة النظيفة المستنيرة بنور الإيمان التي تصلح لتحمل أمانة الله والعمل بها وتبليغ رسالة نبيه - والدعوة إليها.

وأما ثمرته فالاختبار كسب درجة عالية في الإيمان، والحث على تطهير النفس، وإزالة الغشاوة عن العيون وإزالة الران عن القلوب، كما يمحو السيئات، ويشد العزائم، ويصفي العقائد، ويقوي الصلة بالله، فيكون المؤمن طاهراً نقيا، مؤهلاً لأن يكون في خدمة الله ومن حزب الله، من أولياء الله، من المقربين إلى الله، فمن كان مع الله وصبر على بلاء الله، وشكر نعم الله، كان الله معه يوفقه، ويسدده ويحفظه، ويوجهه لكل خير، ويصرفه عن كل شر، ينير الطريق أمامه، وهذه حال المؤمن الحقيقي، المؤمن الصادق.

قال : ((عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)) [رواه مسلم][1]. خير عام شامل في أمور الدين والدنيا، هذا له في هذه الدنيا.

أما الآخرة. فكما قال ـ سبحانه ـ: إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، لا يقدر له قدر، ولا يحد له أجر، إنما هو من فضل الجواد الواجد الكريم.

ذكر ابن كثير في تفسيره: أن علي بن الحسين زين العابدين ـ رضي الله عنهما ـ قال: (إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد: أين الصابرون؟ ليدخلوا الجنة قبل الحساب. قال: فيقوم عنق من الناس أي جماعة فتتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنة. فيقولون: قبل الحساب؟ قالوا: نعم. قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: نحن الصابرون. قالوا: وما صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة الله، وصبرنا على معصية الله، حتى توفانا الله، قالوا: أنتم  كما قلتم، ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين). ويشهد لهذا قوله ـ تعالى ـ: إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

فاتقوا الله أيها المؤمنون . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ % وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُون [البقرة:153-157].

اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



[1]  صحيح مسلم ح (2999).

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين، قلوب العباد بين إصبعيه يقلبها كيف يشاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واتبع ملته.

أما بعد، فأوصيكم وإياي بتقوى الله، واعلموا أن مدار التقوى على صلاح القلب، فبصلاح القلب تصلح الجوارح والأعمال، وبفساده تفسد الجوارح والأعمال، والقلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، ففي الصحيحين عن النعمان بن بشير - قال: سمعت رسول الله - - يقول: ((إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))[1].

ولا صلاح للقلوب حتى تستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته، ولا صلاح لأهل الأرض إلا بالإيمان بالله ورسوله - وبصلاح الرعاة تصلح الرعايا. فاتقوا الله أيها المسلمون.

إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].



[1]  أخرجه البخاري ح (52)، ومسلم ح (1599).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً