أما بعد: فينبغي للمسلم الذي يؤمن بالله ورسوله ويحب الله ورسوله أن ينظر إلى الكافر على أنه عدو له، مهما أظهر له من حلاوة اللسان ولين الجانب، فإنه مخالف له في الملة والدين ولو وجد فرصة فإنه لا يتردد أبدًا في إلحاق الأذى والضرر بك أيها المسلم لأنه لا يحبك فقد وصفه الله عز وجل كما وصف الله عز وجل المنافقين من الكافرين حيث قال: يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم [التوبة:8].
وقال عز وجل: ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم [آل عمران:119]. وقال سبحانه: وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ [آل عمران:119].
فلا ينبغي للمسلمين حكامًا ومحكومين أن يركنوا إلى كافر أبدًا ولا يأتمنوا كافرًا أبدًا، وعليهم أن يدرسوا تاريخهم ويتعظوا بما وقع من قبلهم فإن التاريخ يعيد نفسه لأن سنن الله فيه لا تتغير ولا تتبدل.
لكن المسلمين حينما تستحكم الغفلة على قلوبهم فتحجب بصائرهم وتعمى أبصارهم خاصة إذا كانت أبواب السماء مفتوحة عليهم بالخيرات والنعم فإنهم غالبًا ما يغفلون، فتجدهم حينئذ وقد اتخذوا الخدم والحشم والأعوان من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من المخالفين لهم في الملة والدين وحينئذ تقع الكوارث والمصائب بالمسلمين على أيدي هؤلاء الأعداء الذين ركنوا إليهم واطمأنوا إليهم وائتمنوهم على أنفسهم وأسرارهم وقد قال تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنصرون [هود:113].
فسنن الله في التاريخ لا تتغير ولا تتبدل إذا ركن المسلمون في أوقاتهم إلى أعداءهم المخالفين لهم في الدين فاتخذوا منهم الخدم والحشم والأعوان حينئذ تقع المصائب على أيدي هؤلاء الأعداء.
ثم اعلموا أيها المسلمون أن من أكفر الكفار وألد الأعداء عداوة وحقدًا علينا نحن المسلمين هم أولئك المنافقين الوثنيين الشتامين وهم طوائف كما بينا في الجمعة الماضية فمنهم من عبد علىّ بن أبي طالب رضي الله عنه واتخذه إلهًا من دون الله، ومنهم من عبد ذريته واتخذوهم آلهة من دون الله.
ومنهم من اعتقد أن جبريل خان الأمانة، ومنهم من اعتقد أن محمدًا فشل في أداء الرسالة لم يبلغ الأمانة ومنهم من اعتقد أن أصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين غدروا برسول الله وخانوه ثم ارتدوا بعد وفاته ومنهم من يطعن سيدنا رسول الله في عرضه فيقذف زوجه وحبيبته أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها يرميها بالسوء والفحشاء كما رمت اليهود الصديقة مريم عليها السلام بالسوء والفحشاء كل هؤلاء كفار ليسوا من أهل ملتنا ولا هم على ديننا، هم أقرب إلى اليهود منهم للمسلمين، ولذلك فبعض أئمتنا وعلمائنا السابقين نحن المسلمين يسمون هؤلاء جميعًا الباطنيين ومنهم أبو حامد الغزالي رحمه الله صنع ذلك في كتابه فضائح الباطنية، وعامة أئمتنا وعلماءنا نحن المسلمين يسمونهم الروافض كما صنع ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه منهاج السنة النبوية في الرد على الرافضة القدرية.
فهؤلاء جميعًا من ألد أعدائنا من أكفر الكفار الذين يحاربون الله ورسوله ويحاربون المؤمنين وإن قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله فإنهم هدموا الشهادتين بتلك العقائد الشنيعة المكفرة فلا تغنيهم شيئًا وهم يتعبدون بالكذب اتخذوا الكذب دينًا، فإنهم يعدون خداع المسلم والكذب عليه من أفضل العبادات لديهم ويسمونها التقية، فلا يغتر بهم إلا جاهل لا يعرف الحقائق أو غافل أعمت بصيرته الشهوات والملذات اعتبروا أيها المسلمون حكامًا ومحكومين بتاريخكم واسمعوا هذه الواقعة التي وقعت لمن قبلكم.
فالدولة العباسية من أعظم دول الإسلام وحكامهما وإن أصاب بعضهم تقصير وخلل إلا أنهم من أعظم ملوك الإسلام أثرًا في تاريخ المسلمين وفي عهدهم ازدهرت بيارق العلم من جهة وازدهرت بيارق الجهاد من جهة فوصلت رايات المسلمين شرقًا وغربًا إلى ما لم تصله قبل ذلك وبلغ سلطان المسلمين وملكهم أوجهما في عهد هارون الرشيد ذلك الملك العباسي العابد المجاهد الذي كان يغزو سنة ويحج سنة ثم طرأت العلل على هذه الدولة الإسلامية العظيمة فضعفت، فكيف انهارت هذه الدولة الإسلامية، اعتبروا يا أولي الأبصار لقد سقطت الدولة العباسية تلك الدولة الإسلامية العظيمة في آخر أمرها سقطت على يد وزير باطني رافضي خبيث وقصة ذلك أن آخر الخلفاء وكونه على مذهب أهل السنة مثل أجداده من الخلفاء العباسيين. إلا أنه كان ضعيف الرأي ذا غفلة هينًا لينًا كان عديم اليقظة ليست عنده يقظة وكان محبًا للأموال متبعًا للشهوات ومن غفلته اتخذ وزيرًا باطنيًا رافضيًا خبيثًا هو محمد بن العلقمي فائتمنه على شئون الدولة وفوّضه في شئون الدولة فأخذها الوزير الخبيث يصرف الجنود من حول الخليفة شيئًا فشيئًا حتى أنه لم يبق حول الخليفة في العاصمة العباسية حينئذ بغداد، لم يبق فيها إلا عشرة آلاف فارس، ثم أخذ محمد بن العلقمي يكاتب التتار حتى إذا أقبلت جيوش التتار متلاحمة كالبحار أقبلت إلى بغداد وليس فيها حول الخليفة إلا تلك القوة الضعيفة من الجند زين الوزير بن العلقمي إلى الخليفة أن يخرج إلى هولاكو قائد التتار من أجل التفاوض على الصلح فخرج الخليفة من غفلته ومعه سبعمائة من الأعيان والقضاة والعلماء فقتلهم التتار عن بكرة أبيهم وقُتل الخليفة المستعصم بين يدي هولاكو صبرًا ومعه سبعة عشر من خواصه منهم ثلاثة من أبنائه.
وذكر المؤرخون أن عدو الله هولاكو التتري الوثني تهيب في بادئ الأمر من قتل الخليفة لما يعلم من مكانته في عالم الإسلام والمسلمين، فأخذ ابن العلقمي الوزير الخائن الرافضي الخبيث يهون عليه ذلك ويزينه عليه حتى قتله، وابن العلقمي يتفرج على ذلك.
ثم دخل التتار بغداد فتح أبوابها لهم الوزير ابن العلقمي فدخلوا يقتلون وينهبون ويأسرون ويدمرون ويحرقون أربعين يومًا حتى أصبحت بغداد التي كانت حين ذاك زهرة مدائن الدنيا أصبحت خرابًا يبابًا تنعق فيها البوم، وقُتل فيها كما يذكر ابن كثير في تاريخه حوالي ألفا ألف إنسان أي حوالي مليونين من المسلمين والوزير الرافضي الخبيث ابن العلقمي يتفرج على تلك الكارثة الهائلة التي حلت بالمسلمين وسقطت تلك الدولة العباسية الإسلامية العظيمة، التي استمر ملكها أكثر من خمسمائة سنة فاعتبروا يا أولي الأبصار اعتبروا يا أهل الإسلام بما وقع في تاريخكم واقرءوه وادرسوه واتعظوا به، واعرفوا يا أهل الإيمان عدوكم لا تستحكم الغفلة على قلوبكم وخاصة وأنتم في رخاء في بحبوحة من النعم فحينئذٍ لا تفرقون بين عدو وصديق إذا استحكمت الغفلة في قلوبكم حينئذٍ لا تفرقون بين عدو وصديق وقريب وبعيد ولا تفرقون بين كفر وإيمان ولا بين كافر ومسلم وتلك مصيبة أي مصيبة.
أيها المسلم هنا مبدأ هام عظيم يجب ألا ننساه أبدًا الكافر عدو لك وأي عدو، عدو حاقد عليك فلا تأس منه أبدًا ولا تركن إليه أبدًا لا تغره وقد أذله الله ولا تكرمه وقد أهانه الله إذ وصفه بأنه أشد جهلاً من البهائم لا تقربه وقد أبعده الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم أي إن يظهروا بكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون [الممتحنة:1-2].
بارك الله لي ولكم في القرآن ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |