أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى كما أمركم بتقواه، واشكروا نعمه عليكم. فما بكم من نعمة فمن الله.
عباد الله: إن نعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى، ويجب علينا أن نقابل هذه النعم بالشكر، ونستعين بها على البر والتقوى لتستقر وتبقى وتزيد، قال تعالى: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد [إبراهيم:7].
ومن أعظم نعم الله على بني آدم أن جعل لهم بيوتا ثابتة لإقامتهم في المدن وبيوتا متنقلة لأسفارهم في البراري، يسكنون فيها ويستريحون، ويستدفئون بها من البرد ويستظلون بها من الحر، ويستترون فيها عن الأنظار، ويحرزون فيها أموالهم ويتحصنون بها من عدوهم. وغير ذلك من المصالح.
قال الله تعالى – ممتنًا على عباد ه بهذه البيوت الثابتة والمنتقلة -: والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الانعام بيوتاً تستخفّونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم [النحل:80]، فذكر أولاً بيوت المدن لأنها الأصل. وهي للإقامة الطويلة. وجعلها سكنا: بمعنى أن الإنسان يستريح فيها من التعب والحركة وينعزل فيها عما يقلقه فيحصل على الهدوء والراحة، ثم ذكر تعالى بيوت الرحلة والنقلة فقال: وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ، يعني: وجعل لكم بيوتا خفيفة من الخيام. والبيوت المصنوعة من جلود الأنعام تستعملونها في حالة الإقامة المؤقتة في السفر.
فنعمة السكن في البيوت من أعظم النعم، وتأملوا من لا يجد سكنا يؤويه ماذا تكون حاله، وأنتم تسكنون في هذه البيوت الحديثة المزودة بكل وسائل الراحة من الانارة والتكييف الصيفي والشتوي والمياه المتدفقة العذبة الحارة والباردة، كل ذلك من نعم الله في المساكن وذلك مما يستوجب الشكر والثناء على الله بما هو اهله، لأن ذلك من منِّه و فضله.
عباد الله: إن بيت المسلم يجب أن يكون متميزا عن غيره من البيوت بفعل ما شرعه الله للمسلمين في بيوتهم من ذكر الله والاكثار من صلوات النوافل فيها، وقراءة القرآن وخلوها من وسائل الفساد.
عن أبي موسى – - قال: قال رسول الله – -: ((مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مَثَل الحي والميت )).
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي – - قال: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا )). أي: صلوا فيها من النوافل ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة.
وعن أبي هريرة – - قال: ان رسول الله - - قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر ان الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة )) وقال عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة )). روى هذه الأحاديث مسلم في صحيحه، وهذه الأحاديث، وما جاء بمعناها تدل على مشروعية إحياء بيوت المسلمين وتنويرها بذكر الله من التهليل والتسبيح والتكبير وغير ذلكم من أنواع الذكر، وإحيائها، بالإكثار من صلاة النافلة فيها،لأن صلاة النافلة في البيوت أفضل من صلاتها في المسجد، وفيها النهي عن جعل البيوت مثل القبور مهجورة من صلاة النافلة فيها.
وفي الأحاديث الترغيب بقراءة القران في البيوت، ولاسيما سورة البقرة وإن قراءتها في البيت تطرد الشيطان، وإذا توفرت هذه الأمور في البيوت: ذكر الله فيها. صلوات النوافل، وقراءة القران أصبحت مدرسة للخير يتربى فيها من يسكنها من الأولاد والنساء على الطاعة والفضيلة. وتدخلها الملائكة وتبتعد عنها الشياطين، وإذا خلت البيوت من هذه الطاعات صارت قبور موحشة وأطلالا خَرِبة، سكنها موتى القلوب وإن كانوا إحياء الأجسام، يخالطهم الشيطان وتبتعد عنهم ملائكة الرحمن، فما ظنك بمن يتربى في هذه البيوت كيف تكون حاله وقد تخرج من هذه البيوت الخأوية الخالية من ذكر الله والتي هي مقابر لموتى القلوب. إن هذه البيوت ستؤثر تأثيرا سيئا على من تربى فيها وسكنها، فكيف إذا انضاف إلى خلوّها من وسائل الخير شغلها بوسائل الشر، وأسباب المعاصي بحيث يتوفر في تلك البيوت الفيديو بأفلامه الخليعة، التي تدعو إلى الفحشاء والمنكر، بما تعرضه من صور الفساد والدعارة أمام الأولاد والنساء.
وتتوفر في تلك البيوت أشرطة الأغاني الماجنة، التي تغري بالعشق والغرام، والطرب والإجرام، في تلك البيوت من يترك الصلاة ويتهأون بالجمع والجماعات. وقد همَّ النبي – - بإحراق مثل هذه البيوت بالنار على من فيها ممن يتخلفون عن صلاة الجماعة، فكيف بمن يتركون الصلاة نهائيا.
إن مثل هذه البيوت، وهي اليوم كثيرة، تكون أوكارا للشر، وجراثيم مرضية تفتك في جسم الأمة الإسلامية، يجب علاجها أو استئصالها حتى لا تؤثر على من حولها، كما همّ النبي – - بتحريق امثالها ولم يمنعه ذلك الا ما فيها من المعذورين ومن لا تجب عليهم صلاة الجماعة من النساء والذرية. قد يكون بعض هؤلاء له منصب كبير في المجتمع، بأن يكون من كبار الموظفين أو كبار الأثرياء. فيأتيه الشيطان فيقول له: أنت أكبر من أن تخرج إلى المسجد وتصلي مع الناس، لأن هذا يقلل من شأنك ويُضعف هيبتك، فيترك الصلاة في المسجد ترفعا وكبرا. وقد يكون بعضهم مشغولا بماله، وقد ورد في الحديث ان مثل هؤلاء يحشرون يوم القيامة مع نظرائهم من المتكبرين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي – - أنه ذكر الصلاة يوما فقال: ((من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابي بن خلف)) رواه الامام احمد في مسنده وابو حاتم وابن حبان في صحيحه. قال الإمام ابن القيم – رحمه الله: إنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفرة.
وفيه نكتة بديعة، وهو أن تارك المحافظة على الصلاة إما ان يشغله ماله أو ملكه أو رئاسته أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رئاسة ووزارة فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع ابي بن خلف.
عباد الله، إن هؤلاء الذين جعلوا بيوتهم بهذه الصفة القبيحة، خالية من ذكر الله مشغولة بآلات اللهو ومواطن للكسالى والعصاة، والمتخلفين عن الصلاة، إن هؤلاء حقيقون بالعقوبة؛ بأن تنهدم عليهم تلك البيوت أو تحترق أو يشردوا منها على يد عدوهم فيبقوا بلا مأوى كما شرد خلق كثير من مساكنهم اليوم وأُبعدوا عن ديارهم، لأنهم لم يشكروا نعمة الله عليهم بهذه المساكن، وبارزوه فيها بالمعاصي، والمعاصي تدع العامر خرابا، وتحول النعمة عذابا.
عباد الله: ومما يجب أن يصان عنه البيت المسلم الصور والكلاب، لما روى ابو طلحة – ان رسول الله – قال: ((لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة)) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: ((لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل )) وعن ابي هريرة – - قال رسول الله : ((أتاني جبريل عليه السلام،فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قِرَام فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمُرْ برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومُر بالستر فيقطع فيجعل وسادتين منبوذتين توطآن،ومر بالكلب فليخرج ))، رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه، وفي هذين الحديثين دليل على تحريم تعليق الصور على جدران الغرف والمجالس والمكاتب والاحتفاظ بها للذكريات ونحوها، وفيها دليل على عقوبة من فعل ذلك بحرمانه من دخول ملائكة الرحمن في بيته، وحينئذ يخسر خسرانا مبينا.
وقد ابْتُلِيَ بعض الناس اليوم بهاتين الظاهرتين السيئتين. فترى بعضهم يضع الصور في براويز ويعلقها على الجدران في الغرف والمكاتب. والبعض الآخر يحتفظ بالصور في صناديق خاصة من أجل الذكريات للأولاد والأصدقاء، والبعض الآخر ينصب تماثيل كبيرة أو صغيرة للآدميين أو الحيوانات للطيور ويجعلها على طاولات المجالس ونحوها للتجميل، وكل هذا من مظاهر الوثنية وفعل الجاهلية، لأن نصب الصور وتعليقها من وسائل الشرك كما حصل لقوم نوح وقوم إبراهيم من الشرك بسبب الصور والتماثيل. ولأن في تلك الصور مضاهاة لخلق الله –عز وجل- وذلك من أعظم الكبائر، ومن الناس من ابتلوا بتقليد الكفار واقتنوا الكلاب في بيوتهم وتباهوا بتربيتها وصحبتها لهم في بيوتهم وسياراتهم، وقد قال رسول الله – -: ((من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية فإنه ينقص من اجره كل يوم قيراطان ))، رواه مالك والبخاري ومسلم. والاحاديث في هذه كثيرة ومشهورة.
واقتناء الكلاب في البيوت واصطحابها خارج البيوت لغير الحاجة المرخص فيها شرعا (وهي حراسة الماشة والزرع واتخاذها للصيد )، واتخاذها لغير ذلك فيه محاذير:
أولا: أنه يمنع دخول ملائكة الرحمة في البيت: وأي مسلم يستغني عن ملائكة الرحمة؟!
ثانيا: ينقص من أجره كل يوم قيراطان، وهذا نقص عظيم ومستمر، والمسلم لا يفرط في اجره. والقيراط كما جاء تفسيره في بعض الاحاديث بأنه مثل الجبل العظيم.
ثالثا: في ذلك تشبه بالكفار الذين يربون الكلاب، والتشبه بهم حرام. قال النبي – -: ((من تشبه بقوم فهو منهم )).
رابعا: ما يحصل بها من الأضرار كأذية الجيران والمارة بهذه الكلاب وأصواتها. ولما فيها من النجاسة والأضرار الصحية في لعابها وملامستها.
فاتقوا الله – عباد الله – واعتنوا ببيوتكم وبمن فيها حتى تصير بيوتا إسلامية نظيفة حية بذكر الله وعبادته، وأبعدوا عنها كل ما يتنافى مع آداب الإسلام ويجر إلى الآثام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً [الأحزاب:21].
بارك الله لي ولكم في القران العظيم . . .
|