.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

أحداث البحرين وتأريخ الصفويين المتجدد

6602

أديان وفرق ومذاهب

فرق منتسبة

عمر بن عبد العزيز الدهيشي

الرياض

27/4/1432

جامع الفدَّا

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الشيء من معدنه لا يستغرب. 2- الاستغلال السيئ لثورات الشعوب. 3- تاريخ الرفض والدولة الصفوية. 4- جرائم الصفويين.

الخطبة الأولى

عباد الله، إن مطالعة السير وقراءة التأريخ الغابر للأشخاص والمذاهب والدول والدويلات يعطي تصورًا ظاهرًا وينبئ عن حقيقة جل أن تخطئ عما هو واقع ملموس وحال مشاهد لخلف تلك المذاهب والأشخاص وحال الدول والدويلات، وكما قيل: "الشيء من معدنه لا يستغرب"، ولذا عندما سأل هرقل عظيم الروم أبا سفيان عن النبي قال: هل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قال أبو سفيان: لا، قال: هل كان من آبائه من ملك؟ قال أبو سفيان: لا. ثم قال هرقل: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يتأسى بقول قيل قبله، وسألتك: هل كان من آبائه ملك؟ فذكرت أن لا قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه. رواه البخاري.

عباد الله، في عصر ثورات الشعوب على رؤسائها، والمطالبة بالتغيير أو الرحيل، سعيًا للحد من نهب خيرات البلاد ووقف آلة التعذيب التي لا ترحم صغيرا ولا كبيرا ولا تفرق بين رجل ولا امرأة، واستجداء الأمن والأمان والحرية الدينية، ظهر خلالها ثورة لا كالثورات، ودعوة لا كالدعوات، رائحتها الطائفية أزكمت الأنوف، وأفعالها التعسفية أكمدت القلوب، ولذا لم تجذب تلك الثورة البحرينية تعاطف الشعوب العربية من حولها، أو تفاعل المجتمع الدولي كافة، فهي ليست مسألةَ حقوق مهدرة يسعى المواطنون في تحصيلها، أو مظالمَ أيس الشعب من رفعها، وإنما هي حقيقةً تسلُّقٌ على الأحداث وانتهازٌ لفرص ثورة الشعوب المجاورة، لتحقيق مكاسبَ دينية زعموا وتطلعاتٍ توسعية لدولة رافضية مجوسية، واستجابة لدعوات التمدد الشيعي وتصدير المذهب الرافضي، فقد قال خُمَينِيهم الهالك: "السنة حكموا أربعة عشر قرنا، وآن للشيعة أن يحكموا العالم الإسلامي". ولكن ما تأريخ دولتهم وحقيقة دعوتهم التي يدعون إليها، ويدَّعون معها الإسلام وأنهم المسلمون حقا وما سواهم ضلال يجب محاربتهم وقتالهم؟ ليس اليهود والنصارى وإنما السنة والوهابية خصوصًا زعموا.

عباد الله، في عصر الإسلام الأول أحدث ابن سبأ وأتباعُه الخروجَ على عثمان ، واستتبَعوا ذلك بالغلوّ في آل البيت، وزعموا التشيّعَ لهم، فأظهروا محبّتَهم، ثم غالوا في عليّ ، وادّعوا العصمة له، ثم زعموا النبوةَ فيه، حتى وصل بهم غلوُّهم إلى خلع صفاتِ الربوبية عليه وعلى زوجه وولده رضي الله عنهم، مع طعنهم في بقية الصحابة رضي الله عنهم إلاّ عددًا قليلا منهم، وسبِّهم للخلفاء الثلاثة الذين رضي الله عنهم ومات رسول الله وهو راض عنهم.

ثم لما بذر هؤلاء المنافقون بذرةَ الخلاف بين المسلمين وسقوها بالأكاذيب والشائعات وغذَّوها بالضغائن والأحقاد وأوقعوا الخصومة بينهم كانوا هم أوّلَ من تخلّى عن عليّ وابنَيه الحسن والحسين رضي الله عنهم، وخانوهم أعظمَ خيانة، حتى قُتِل الحسين ظلمًا وعدوانا بسبب خيانةِ من زعموا التشيّعَ له، وجعل أولئك الخونةُ وأتباعُهم يومَ مقتله يومَ مناحة ولطمٍ وبكاء وإحياء للضغائن وسبٍّ لأولياء الله تعالى من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. ثم انشطروا في ضلالهم إلى مذاهبَ عدّة وفرق كثيرة، يلعن بعضها بعضا، وتزعم كلُّ فرقةٍ منها أن الحقَّ معها دون غيرها.

ومن أكبر فرَقِهم الإسماعيليّة والإماميّة الاثنا عشرية، وأول دولة شيعية إمامية هي الدولة الصفوية وذلك في القرن العاشر وكانت اثني عشرية، وقد شَيَّعت إيران بالقوّة، فنقلت نسبتَهم من 10 في المائة إلى 65 في المائة.

وقد سعى ابن العلقميّ الرافضي في القرن السابع إلى بناء دولةٍ لهم في بغداد على أنقاض الدولة العباسية بعد خيانته لها، ولم يتمّ له ذلك، فمات كمَدًا بحمد الله تعالى. وتعاقبت الدول المغولية وغيرها على بلاد العراق وفارس، وكانت دولًا سنّيّةً فيها جهلٌ وتصوُّف، آخرها دولة للتركمان، زالت في أوائل القرن العاشر على يد إسماعيل بن حيدر الصفويّ، نسبة إلى جدّه صفيّ الدين الأردبيلي الذي كان واعظًا صوفيّا عاش في القرن السابع، وما زال أبناؤه وأحفاده يميلون للتشيّع حتى اعتنقوا المذهبَ الإماميّ الاثني عشريّ.

فلما آل الأمر إلى حفيده الشاه إسماعيل مؤسِّس الدولة الصفويّة حارب بالتركمان الصوفيّة والمتشيّعين دولتَهم السنية، فقضى عليها، فكان أوّلَ حاكم للدولة الصفوية، وذلك عام سبعة وتسعمائة للهجرة، واتخذ مدينة تبريز الإيرانية عاصمةً لدولته، وأوّل ما حكَمَ أعلن أن مذهب دولته الإمامية الاثنا عشريّة، وأنه سيعمِّمه في جميع بلاد إيران، وعندما نُصِح أن مذهب أهلِ إيران هو مذهب الشافعي قال: "إنّني لا أخاف من أحد، فإن تنطق الرعيّةُ بحرف واحد فسوف أمتشق الحسام ولن أترك أحدًا على قيد الحياة". ثم صكّ عملة للبلاد كاتبًا عليها: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليّ وليّ الله"، ثم كتب اسمه، وأمر الخطباء في المساجد بسبّ الخلفاء الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم، مع المبالغة في تقديس الأئمة الاثني عشر. وقد عانى أهل السنة في إيران من ظلمه معاناةً هائلة، وأجبِروا على اعتناق المذهب الإماميّ بعد أن قتِل منهم مليون إنسان سنيّ في بضع سنوات بشهادة مؤرّخٍ شيعي.

وظلّ يجتاح بلاد المسلمين حتى انتزع بغداد بعد سبع سنوات من قيام دولته، وكان انتزاعه لها أيضا بخيانة وممالأة من شيعتِها آنذاك. ثم أمر بهدم مدينة بغداد وقتل أهل السنة، وتوجّه إلى مقابر أهل السنة ونبش قبور الموتى وأحرق عظامهم. وبدأ يسوم أهلَ السنة سوء العذاب ثم يقتلهم، ونبش قبر أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وقتل كلَّ من ينتسب لذرية خالد بن الوليد في بغداد لمجرّد أنهم من نسبه. وقد أرّخ الشيعة في ذلك الزمان لهذه الحادثةِ حتى قال ابن شدقم الرافضي يحكي سيرته: "فتح بغداد، وفعل بأهلها النواصب ذوي العناد ما لم يسمع بمثله قط في سائر الدهور بأشدِّ أنواع العذاب، حتى نبش موتاهم من القبور".

وقد فرّ كثير من سنّة بغداد إلى الشام ومصر، وحكَوا للعالم الإسلامي ما فعل الصفويّون ببغداد وأهلها، ووصلت أخبار المذابح العظيمة لأهل السنة إلى الدولة العثمانية، فاجتمع السلطان العثمانيّ سليم الأول في عام عشرين وتسعمائة برجال دولته وعلمائِها، وقرّروا أن الدّولة الصفوية تمثّل خطرًا على العالم الإسلامي، وأن على السلطانِ جهادَها وإيقاف ظلمها وتنكيلها بالمسلمين، فحاول السلطان مفاوضةَ الصفويّ إسماعيل، فلما لم يستجب له سار إليه بجيش يقوده السلطان بنفسه قوامُه مائة ألف، وجيش الصفويّ مائة ألف أيضا، فالتقى الجيشان في صحراء جالديران، فهزمه السلطان هزيمةً نكراء، وقتل أكثر جنده، فقضى على حكمه في العراق بعد أن حكمها بالحديد والنار ستَّ سنوات، فما كان من الصفويّ الخبيث وقد أحسَّ بالضعف إلا أن كاتب قائد البرتغال الصليبي يطلب نجدتَه على أن يعطيَهم مضيقَ هرمز وفلسطين، وهم بذلك أول من بدأ يساوم ببلاد المسلمين ويبيعوها مقابل التنكيل بالسنة ومحاربتهم، ولكن الله تعالى خذلهم؛ إذ استطاع العثمانيون إفشال مخطَّطهم، وظلوا يتتبَّعونهم سلطانا بعد سلطان حتى بعد هلاك الصفويّ إسماعيل وتولِّي أبنائه من بعده، حتى قضوا على دولتهم نهائيا بعد قرنين ونصف من الظلم والتعسف.

هذا ملخَّص ما يتعلق بدولتهم، وأما مؤسِّسُها الصفويّ إسماعيل فإنه كان يجمع بين التعصّب المذهبي والغلو والتكفير وبين الدمويّة والتنكيل، وقد نقَل عنه أحد أقربائه أنه أكثر القتلَ حتى قتل ملك شروان، وأمر أن يوضع في قدرٍ كبير ويطبخ، وأمر جندَه بأكله، ففعلوا، وكان لا يتوجّه لبلاد إلا فعل أشياء يندى لها الجبين من قتل ونهب. وكان من دمويَّته أنه ينبش قبور العلماء والمشايخ السنّة ويحرق عظامهم.

ويكفي دليلا على تعصّبه وهمجيّته أنه دعا أمَّه للتشيع وكانت سنيّة حنفيّة، فأبت ذلك، فأمر بقتلها، فقتلت رحمها الله تعالى.

وذكر أحد كبار مذهبهم ودولتهم في هذا العصر أنَّ إسماعيل الصفوي كان ممالئا للإنجليز على الدولة العثمانية، وكان يعاقر الخمرةَ مع قادتهم ويقول لهم: "إنني أفضِّل حِذاء مسيحيّ على أكبر رجالات الدولة العثمانية".

وأكثر المراسم الشاذّة والطقوس الغريبة والممارسات المقزِّزة في المناسبات الدينية لدى المذهب الاثني عشريّ التي نراها في أماكن تواجد الشيعة اليوم هي مِن إحداث هذا الخبيث الضالّ، وظلّ أتباعه يمارسونها ويتناقلونها جيلا بعد جيل إلى يومنا هذا، ومن ذلكم السب المقترن بالاضطهاد الطائفي، وتنظيم الاحتفالات بذكرى مقتل الحسين سنويا وإظهار التطبير واللطم على الوجوه والصدور ولبس السواد مطلع شهر المحرم حتى اليوم العاشر، وابتداع الشهادة الثالثة في الأذان (أشهد أن عليًا ولي الله) والسجود على التربة الحسينية وغيرها مما لا يتَّسع المقام لعرض ما أحدثه لهم من ضلالٍ على ضلالهم؛ حتى إنَّ عقلاءَ مذهبهم لا يرضَون كثيرا من طقوسِهم، ويرونَ أنها تسيء لمذهبهم في هذا العصر.

ونحمد الله تعالى الذي عافانا مما ابتلاهم به، ونشكره على ما هدانا من الدين الحق الذي هو الرحمة والعدل، ونسأله سبحانه الثباتَ على الحق إلى الممات، إنه سميع قريب.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على خير النبيين.

أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى.

عباد الله، يمتاز التاريخ الشيعي بوفرة ما يمنحه للمتابع من شواهد على ارتداد السهم الطائفي إلى الجسد المسلم من دون الأجساد في العالم، واندفاع العقيدة الشيعية وأتباعها نحو مهاجمة الداخل الإسلامي، والتغاضي عن حروب الآخرين ممن يناصبون الأمة الإسلامية العداء.

وهذا ما نشاهده بوضوح في عصرنا الحاضر، وذلك أن ثلاثين عامًا هي عمر الثورة الإيرانية، لم تفكر فيها في تصدير ثورتها إلا إلى بلاد المسلمين، مكتفية بنشر الفتن في ربوع العالم الإسلامي، من دون أن يدور بخلد دهاقنتها فكرة نشر الإسلام ذاته ودعم قضاياه المصيرية؛ فإننا نوقن أن لهذه الممارسات سلفًا في الطائفة الشيعية؛ فلم يكن بعيدًا أن كل التحركات المناهضة لمن يعتبره الشيعة عدوًا لهم، هو داخل الحوض الإسلامي، وقائمًا تحت راية التوحيد، ولذلك كان من الطبيعي أن تزخر الثقافة والأدبيات الشيعية بألفاظ "الثورة" و"الانتفاضة"، علاوة على استدعاء التاريخ كشاهد على ظلم الآخرين لهم في تصورهم، والانزواء في ركن التوهم بالاستضعاف والظلم والقهر، وهذا ما خلف وقودًا جاهزًا للثورة ضد الأنظمة الحاكمة الإسلامية على مر العصور، من دون أن يكون ثمة ما يستدعي ذلك حقيقة، لكنه الموروث المفضي إلى هدم كل الروابط الإسلامية مع الجسد الإسلامي، واستجلاب الثورة، لا بل المؤامرة على العالم الإسلامي، والتاريخ شاهد، وبين يديهم هذه الحيثية في التعامل مع السواد الأعظم من المسلمين؛ فكان الهم الأول لهم على مر القرون هو "الثورة" الداخلية ضد الأنظمة الحاكمة الإسلامية: من الخلفاء والسلاطين من أهل السنة، والانقلاب الداخلي على تلك الأنظمة ودولها، حتى لو توافرت لهم حرية التحرك والقيادة، ولو تبوؤوا في ظل حكم السنة أرفع المناصب. وما أحداث الشرذمة الرافضية في المدينة المنورة ولبنان والعراق وأخيرا في البحرين عنا ببعيد، رد الله كيدهم في نحورهم ووقانا شرورهم وهدانا وإياهم إلى سواء السبيل.

هذا وصلوا وسلموا...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً