الطريق المستقيم هو الموصل إلى الجنة وهو اتباعه صلى الله عليه وسلم – الرسول صلى الله
عليه وسلم هو المُعَلم للأمة والحاكم في شئونها ولا يصح إيمان أحد إلا بالرضى بحكمه -
اقتران طاعة الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم , والتحذير من مخالفته صلى الله عليه
وسلم – كما اصطفى الله محمداً صلى الله عليه وسلم اصطفى الصحابة لحفظ السنة -
الطعن في الصحابة طعن في الدين
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن الطريق المستقيم هو الطريق الذي به سيد المرسلين وخاتم النبيين عبد الله ورسوله محمد لا سبيل إلى الوصول إلى رضوان الله وإلى جناته إلا بواسطة اتباع رسول الله محمدًا ، فمن اتبع ما جاء به هذا الرسول فقد نجا وظفر بالدين وفاز برضوان رب العالمين ومن انحرف عما جاء به هذا الرسول فقد هلك وخسر الخسران المبين.
لأن سيدنا محمد هو المبلغ عن ربه، المبيّن عن الله مراده قال تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك [المائدة:67]. وقال تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم [النحل:44].
وهو المعلم لأمته الكتاب والحكمة قال تعالى ممتنًا عليهم بذلك: لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة [آل عمران:164]. ووصف الرسول الذي يبين لهم الحلال والحرام قال تعالى ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث [الأعراف: 157].
وقد بُعث في هذه الأمة قاضيًا لهم في شئون حياتهم وحكمًا فيمن شجر بينهم قال تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [الأحزاب:36].
فلا يصح إيمان أحد حتى يحكم نبي الله ويحكم سنته ثم لا يجد في نفسه حرجًا ولا ضيقًا من ذلك ثم يسلم بحكمه قال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في صدورهم حرجًا مما قضيت ويُسلموا تسليمًا [النساء:65].
ولقد بعثه الله بالشريعة السمحة والدين الخاتم ليحكم بذلك بين الناس قال تعالى: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله [النساء:105].
ولذلك فقد اختاره الله سبحانه وتعالى نموذجًا وأسوة حسنة للمؤمنين قال تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا [الأحزاب:21] ولذلك أمرنا سبحانه وتعالى بأن نتبع هذا النبي الكريم فقال تعالى: آمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون وسد كل الطرق فلا طريق إلى الله سبحانه وتعالى ولا سبيل إليه إلا طريق اتباع هذا النبي قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [آل عمران:31].
ولذلك قرن سبحانه طاعته وطاعة رسوله وشد وثاق بعضهما ببعض فقال تعالى: وأطيعوا الله ورسوله [الأنفال:47]. وقال سبحانه: من يطع الرسول فقد أطاع الله [النساء:80].
فكيف يتخيل مسلم بعد ذلك أن هناك طريقًا يمكن أن يوصل إلى الله غير طريق محمد وكيف يتوهم عاقل بعد ذلك أنه لا يحتاج إلى الشريعة التي جاء بها سيدنا محمد وكيف يتخيل مؤمن بعد ذلك أنه يبقى مؤمنًا أو مسلمًا ثم يظن أنه لا حاجة به إلى سنة النبي إن الله عز وجل قد بين لنا أنه لا سبيل ولا طريق إليه ولا إلى رضوانه إلا باتباع هذا النبي الكريم . فمن انحرف عما جاء به سيدنا محمد فقد هلك وأخطأ الطريق وقد حذر الله تعالى هؤلاء المارقين الذين انحرفوا عن سنته فقال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور:63].
وكما أن النبي هو الواسطة بيننا وبين ربنا عز وجل فهو المبلغ عن الله سبحانه وتعالى فإن هناك واسطة بيننا وبين رسول الله وهم أصحابه الكرام رضي الله عنهم فإن الله سبحانه كما اصطفى نبيه من بين سائر البشر ليبلغ عن الله رسالاته فقد اصطفى للنبي أصحابًا هم أفضل الناس بعد الأنبياء عقولاً وأصفاهم نفوسًا وأتقاهم قلوبًا فحفظوا ما بلغهم به الصادق الأمين من كلام رب العالمين وحفظوا سنته أقوالاً وأفعالاً وسائر أعماله الخاصة منها والعامة، ثم بلغوها إلى الأمة وكانوا أمناء على ذلك وكانوا علماء فقهاء في دين الله فحفظ الله بهم ما أنزل على رسوله من القرآن وما أوحي إليه من سُنّة رضي الله عنهم وأرضاهم وجزاهم عن الأمة خير الجزاء.
كيف يتخيل مسلم بعد ذلك أنه يمكن أن يستغني عن هذه الواسطة الكريمة، أن يستغني عن واسطة الصحابة الكرام ويصل إلى الدين بدونها. لا سبيل إلى الوصول إلى دين الله وإلى شرعه وإلى قرآنه الذي أنزله على الرسول الكريم إلا بواسطة الصحابة الكرام.
لم يخطر على باب مسلم أبدًا أنه يمكن الاستغناء عن واسطة الصحابة الكرام ولم يخطر على بال مؤمن أبدًا أن ينقص من قدر الصحابة وحقهم ومكانتهم إنما خطر ذلك على بال اليهود والمجوس وذنوبهم الذين اندسوا في صفوف الأمة الإسلامية منذ وقت مبكر بهدف الهدم والتخريب، أما المؤمنون المسلمون فإنهم يعلمون ويوقنون أنهم لا سبيل للوصول إلى شرع الله ولا دينه وقرآنه الذي أنزله على نبيه إلا بواسطة هؤلاء الصحابة الكرام لأنهم هم الذين نقلوا إلينا كلام الله القرآن الكريم الذي نقل عن سيدنا محمد وهم الذين نقلوا إلينا السنة النبوية وعلى هذين الركنين قام بناء الدين كله، فكيف يستغني أحد عن واسطة الصحابة الكرام إذن ينهدم الدين كله.
كما بلغ الرسول عن ربه فأتم البلاغ وأدى الرسالة فهو واسطة بين هذه الأمة وبين ربها عز وجل، فقد بلغ الصحابة الكرام عن رسول الله فأتموا البلاغ وأحسنوا الأداء فرضي الله عنهم وأرضاهم وجزاهم عن الأمة خير الجزاء. لذلك كله فإننا نعلنها صريحة واضحة كالشمس كما قال : ((ما أنا عليه وأصحابي)) فرسول الله يخبر أن سبيل الله المستقيم ويعول أن سبيل الله المستقيم بهذه العبارة الواضحة ((ما أنا عليه وأصحابي)) وذلك في ذلك الحديث المشهور الذي رواه الأئمة في كتبهم بأسانيد أكثر من أن تُحصى أن رسول الله أخبر عن افتراق أمته من بعد إلى فرق، وعن تكاثر هذه الفرق ثم دلهم على الفرقة الناجية وهو الرؤوف بأمته الرحيم بهم قال : ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ففي الجنة قالوا: ومن هي الناجية يا رسول الله ؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي))[1].
ثم سمى النبي هذه الفرقة بالجماعة فقال: ((وهي الجماعة فمن أراد بحبحة الجنة فليزم الجماعة))[2]أي ليلزم ما كان عليه رسول الله وما كان عليه أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا واغفر لنا إنك رؤوف رحيم.
[1]أخرجه ابن ماجة (2/1322) برقم (3992) وابن ابي عاصم في السنة (1/32) برقم (63) من حديث عوف بن مالك.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا.
أما بعد ... فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران:102] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا [الأحزاب:70-71].
وصلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ))[1]
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
[1]أخرجه مسلم في صحيحه في الصلاة (17) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (1/306) رقم (408).