أيها المسلمون، لو قيل لأحدنا: إن راتبه سيتم إيقافه لمدة شهرين ماذا سيفعل؟ لو قيل له: سيوقف لمدة سنة ماذا سيتخذ من إجراءات؟ مؤكد أن هذا الشخص سيفعل المستحيل ويطالب وينادي لأجل راتبه ولأجل هذا المال، وهو من عرض الدنيا الزائل.
إذن ما رأيكم -أيها الإخوة- فيمن توقّف رفع عمله من صلاة وزكاة وصيام وحج وذكر وصدقات وغيرها، لو توقف رفع هذه الأعمال ماذا سيفعل المسلم؟! هو يتعب وعمله لا يرفع! وللأسف هذا يحصل لبعض المسلمين. من هم؟ إنهم الذين يهجرون المسلمين بلا سبب ديني.
فلو تهاجر شخصان وحصل بينهما شحناء وكل منهم أعرض عن الآخر فإن أعمالهم لن ترفع، والدليل في ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي قال: ((تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا)) رواه مسلم.
أعمالك لا ترفع ما دام أنك في شحناء وهجر لأخيك المسلم. بعض الناس يدوم هجره سنة أو سنتين، ولا يهتم ولا يأبه لتوقف عمله وأنه لا يرفع، ولكنه يغضب لو توقف راتبه وانقطع. فلماذا نغضب لأجل الدنيا ولا نهتم للآخرة مع أن الدنيا زائلة؟!
تقول لأحدهم: اصطلح مع أخيك المسلم فالحياة قصيرة، فيقول: هو المخطئ وأنا لم أخطئ، وهذا لا ينفع، هذا العذر لا ينفع أبدا إن كان الهجر لأجل الدنيا، فالنبي لم يذكر أن المخطى عليه لا يصالح، بل قال: ((وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا))، العز والرفعة والشخصية القوية تطلبها في العفو عن الناس والتواضع، هذا هو كلام النبي ، أما الصد والهجران فوالله ليس إلا ذلا وهما على صاحبه، يلتقيان في مجلس فيصدان عن بعضهما، في الشارع، في البقالة، بل حتى في المسجد والعياذ بالله، قد قادهما الشيطان واستولى على عقولهما، وربط أفكارهما وجعل كل منهما يرفع رأسه ويلوي فمه ويعقد حجته ويعبس بوجهه.
والله، ما هكذا علمنا الإسلام، الإسلام دين الرحمة والتعاون والترابط والأخوة والعون،كثيرا ما يدعو الإسلام للوحدة وعدم التنافر، يقول عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، ويقول عز وجل محذرا من أن يفترق المسلمون فيقول الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وهؤلاء المتشاحنون تفرقوا وعصوا الله تفرقوا سنين طويلة والعياذ بالله.
بعض الناس هجر أخاه أو أخته أو خاله أو خالته أو عمه أو عمته أو أي قريب له أو أي أحد من المسلمين لا يجوز أن تهجره، وفوق ذلك كله هجر أحد الأبوين، وهذه طامة لأنها يلحقها عقوق، والعقوق من أكبر الكبائر.
أيها المسلمون، لنكن يدا واحدة ضد كيد الشيطان وألاعيبه، وليسع الأفضل من المتهاجرين إلى أخيه فيسلم عليه، فلا يحل الهجر إلا ثلاث ليال، فهذا حظ النفس من الغضب، ثلاث ليال تعديها حرام، ولا يجوز الهجر، وهذا ثبت في الحديث الصحيح يقول : ((لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).
والله أيها الإخوة، إننا نعرف أناسًا قد تصالحوا والذي بدأ بالصلح كان له الشأن والاحترام الأكثر، سواء من الناس أو حتى من خصمه، والأهم أن له خيرية عند الله أكثر من صاحبه.
والله يا عباد الله، لو مات أحد المتخاصمين لانحرق قلب الآخر وندم ندمًا شديدا، وحينها لا ينفع الندم. الحق بأخيك وسامحه؛ لتكسب الخيرية، فخيركم الذي يبدأ بالسلام، ولا تظن أنه يكره حضورك، بل كما تحب أن تعود المياه لمجاريها هو أيضًا يحب ذلك، ولكن كل منكم قد عقد الشيطان على لسانه وكفّ يده، ففك هذا القيد، وقوّ عزيمتك، واذهب إليه أو كلمه في الجوال مبدئيًا، فإن صلحت الأمور فاحضر إليه، وإن وجدته فسلم عليه، وبش في وجهه، وكن من عباد الله الصالحين، واعلم حينها أن الله يحبك لأنك البادئ بالسلام، وكنت من جنود الله حين أبكيت الشيطان، فالشيطان يسعى بكل الطرق لبث الخصام بين الناس.
|