.

اليوم م الموافق ‏04/‏ربيع الأول/‏1446هـ

 
 

 

وقفات مع الاستسقاء

6426

الرقاق والأخلاق والآداب

آثار الذنوب والمعاصي

عمر بن عبد الله المقبل

القصيم

جامع المذنب

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- معنى الخروج للاستسقاء. 2- درس الاستسقاء. 3- أهمية طاعة الله والتحذير من المعاصي. 4- من آداب الاستسقاء. 5- دعوة للتوبة الصادقة.

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والحمد لله مغيث المستغيثين، ومجيب ،المضطرين ومسبغ النعمة على العباد أجمعين، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله الواسع المجيد، لا إله إلا الله الذي عم بفضله وإحسانه جميع العبيد، وشمل بحلمه ورحمته ورزقه القريب والبعيد، فما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تم ملكه، وعظم سلطانه، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويقبض ويبسط، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا قابض لما بسط، ولا باسط لما قبض، فتبارك الله رب العالمين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل النبيين، المؤيد بالآيات البينات والحجج الواضحات والبراهين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بهديهم إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا.

أما بعد: نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، وأمددنا بأموال وبنين، واجعل لنا جنات واجعل لنا أنهارًا.

أيها المؤمنون، إن الخروج إلى الاستسقاء هو إعلان بالاضطرار والافتقار إلى من بيده خزائن السماوات والأرض، فكما خرجتم أبدانًا فأروا الله من قلوبكم ما يخرجها من حالة الجمود والبرود إلى حال التضرع والافتقار والابتهال، فاحرصوا أن تدعوا ربكم كما أراد الله منكم وهو الغني عنكم، ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف : 55].

إن الاستسقاء -يا عباد الله- لدرس عظيم يملأ القلب تعلقًا بالله، وتأملًا في آثار أسمائه الحسنى وصفاته العلا. إن الاستسقاء ليذكر المؤمن بشيء من معاني اسم الله الرزاق: المتكفل بالرزق، القائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها، وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يختص بذلك مؤمنا دون كافر، ولا وليًا دون عدو، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيلة له ولا متكسب فيه، كما يسوقه إلى الجلد القوي ذي المرة السوي، قال سبحانه: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت : 60]، وقال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود : 6].

وكما يتذكر المؤمن هذا المعنى فإنه لا يقف عنده، بل يتأمل في الرزق الآخر الذي هو أعظم من الأول، وهو الرزق الذي لا يؤتيه الله إلا من اختصهم بفضله ورحمته: إنه رزق القلوب التي إذا رزقت هذا الرزق وجدتها منيبة مخبتةً متذللة لخالقها مفتقرةً إليه معتفرة بفضله شاكرةً لنعمه، فهذا والله الرزق الحقيقي الذي ينبغي أن لا نغفل عنه ونحن نستسقي لأرضنا.

وأن نعلم -يا عباد الله- أن أعظم ما استجلب به رزق الله والبركة فيه تقوى الله عز وجل وطاعته، قال سبحانه: وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3]، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف : 96]، وقال سبحانه: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن : 16].

وما دام أن الطاعة باب إلى الرزق والبركة فإن العكس صحيح أيضًا، ذلك أن المعصية باب إلى نقص الرزق أو بركته أو كون الرزق بابا للعاصي إلى النكد والشقاء، قال عز وجل: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل : 112].

إن إيمان العبد الحقيقي وفهمه لحقيقة اسم الله الرزاق هو الذي يبعده عن البحث عن أسباب الرزق الحرام والتي هي من أعظم أسباب حرمان البركة، وانقطاع القطر من السماء، إنّ من عرف اسم الله الرزاق وأن رزقه على ربه لا على خلقه اطمأن قلبه، ولم يأكل حرامًا وهو يعلم. إنّ من عرف اسم الرزاق حقًا لم يأكل الربا، أو يتحايل عليه، بحثًا عن ربح محرم، فرزق الله لا يستجلب بمحاربته. إن من عرف اسم الرزاق حقًا لم تقبل يده أكل الرشوة بحجة ارتفاع تكاليف المعيشة وكثرة الأولاد والعيال، فإن ربًّا رزقك وأنت لا حيلة لك في بطن أمك، وأنت رضيع لا تعي ولا تفهم، أفيضيعك وأنت ذو عقل مدبر؟! لا يضيعك، ولن تضيع إلا إذا وكلك إلى نفسك، فها هنا العطب، وأنت حينها الفقير الأفقر ولو كان رصيدك الأكثر مالًا، فالفقر الحقيقي هو فقر القلب، والغنى التام هو غناه بالله ومولاه وإن كان فقيرًا معدمًا، ومن تأمل سيرة النبي أدرك هذا المعنى.

أيها المسلمون، لقد جبل المخلوق حين يريد شيئًا من مخلوق مثله محتاج إليه أن يفعل ما يحبه ذلك المخلوق صاحب الفضل والمنّة، ومن المقرر أن المحتاج يرى من سوء الأدب أن يطلب من شخص محتاج إليه طلبًا وهو يصنع ما يكره صاحب النعمة على الأقل وهو يواجهه، فإذا كان هذا حال مخلوق مع مخلوق، فما الظن ولله المثل الأعلى في حال مخلوق مع خالق رازقٍ مدبر لا يخفى عليه شيء من حال العبد؟!

إن ما عند الله -يا عباد الله- لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سببًا إلى خير قط، ولكن لله الحكمة البالغة في عطائه ومنعه وبسطه وقبضه: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى: 27، 28].

أيها المسلمون، هذه هي المرة الثانية التي نخرج فيها إلى الاستسقاء، وإن أعظم ما استنزل به المطر توبة صادقة نصوح تذهب ظلمة الإساءة والعصيان. وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود: 52]، اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا.

وحين نقول (توبة) فإن أول من يجب عليه أن يعي هذا المعنى هو المتحدث قبل السامع، فالتقصير مع الله ليس له حدّ، كيف وقد كان نبينا يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من مائة مرة؟!

وحين تذكر التوبة فإن أعظم ما يذكر به مظالم العباد، فليتق الله من أكل مال يتيم بغير حق، ولتتقي الله زوجة ظلمت زوجها، أو زوج ظلم زوجته، أو موظف ظلم من تحته، وليتق الله فاجرٌ في خصومته يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل.

نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا...

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً