عباد الله، لقد فرض الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى الحج على عباده، وجعله رسولُه ركنًا من أركان الإسلام؛ فهو واجب على المسلم في عمره مرةً واحدة؛ تخفيفًا من الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وتيسيرًا.
وهذا الحج لا يجب على المسلم إلا إذا توفَّرتْ له شروطُه؛ منها: أن يكون الحاج بالغًا؛ فأما الصغير فلا يجب عليه الحج، فإن حَجَّ أُجِرَ على هذا الحج، ومتى ما بَلَغَ وَجَبَ عليه أن يَحُجَّ حجة الإسلام.
ومن شروطه أيضًا: أن يكون الحاج عاقلاً ليس مجنونًا؛ فإن المجنون لا حجَّ عليه، لكن مَن بلغ وهو عاقل ووجب عليه الحج ثم جُنَّ فإن الحجَّ باقٍ في ذِمَّتِه.
ومن شروط الحج أيضًا: أن يكون الحاجُّ حُرًّا ليس مملوكًا.
ومن شروطه أيضًا: أن يكون الحاج مُستَطِيعًا؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شرَط الوجوبَ بالاستطاعة، وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97]، والاستطاعة تكون بالمال وبالبدن، فمن لم يكن مستطيعًا بماله أو ببدنه فإن الحج لا يَجِب عليه. والدَّين مانع من موانع وجوب الحج؛ لأن المديون فقير لا يستطيع الحج بماله، وواجبٌ عليه أن يُبْرِئَ ذِمَّتَهُ أوّلاً.
ومن فروع هذه المسألة عند أهل العلم أن المرأة إذا لم تجد مَحْرَمًا لم يجب عليها الحج؛ لأنها لا تستطيع عندئذ الحج، والشارع منعها من الحج بدون محرم؛ ولذا فإنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ خطب الناس وقال في خطبته: ((وَلاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلاَ َمَع ذِي مَحْرَمٍ))، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجَّةً، وإنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غزوة كذا وكذا، فقال له عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ))، فدَلَّ ذلك على وُجوب حجِّ المرأة مع محرمها، ومحرم المرأة هو من تحرم عليه المرأة تحريًما مؤبدة؛ إما بنسب، أو رضاعة، أو مصاهرة.
أيها المسلمون، يُسْتَحَبُّ للمسلم أن يبادر بأداء فريضة الله الحج؛ فإنه لا يدري ما يحصل عليه في المستقبل؛ فقد يتوفاه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو لم يأتِ بهذه الفريضة وهذه الشعيرة العظيمة؛ ولذا فإن أهل العلم يستحبون أن يُعَجِّلَ المسلم أداءَ هذه الفريضة، وبعضُهم يُوجِبُ عليه ذلك متى ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
أيها المسلمون، واجبٌ على كل مسلم أن يستحضر النية عند أدائه للحج؛ فيجعل نيَّتَهُ في هذا الحج أداءَ فريضةِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والتّقرّب إليه تَعَالَى بأداء المناسك، وليحذر كلّ الحذر من أن يخالط نيّته شيء من الدّخائل؛ فبعض الناس يحجّ للنّزهة، والتَّرَفُّهِ، ونحو ذلك.
واعلموا -عباد الله- أن للحج فضلاً عظيمًا عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أداه المسلم كما أمر؛ يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَ الْجَنَّةَ))، والمبرور كما قال أهل العلم هو الخالي من معصية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))، ((فَلَمْ يَرْفُثْ)): الرَّفَثُ هو الجماع، وكل ما يتعلق بمحادثة الرجل مع المرأة على سبيل الشهوة. فالذي يحج وحجه بريء من هذه المظاهر فإن حجَّه مبرورٌ مُتَقَبَّلٌ إن شاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وليرعَ المسلم أمرًا آخر هو من الأهمية بمكان؛ ألا وهو أن النفقة المستخدمة في الحج نفقة طيبة؛ فإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَ طَيِّبًا.
إِذَا أَنْتَ حَجَجْتَ بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتُ فَمَا حَجَجْتَ وَلَكِنْ حَجَّتِ الْعِيرُ
لاَ يَقْبَــــــــــلُ اللَّهُ إِلاَ كُــــــــلَّ خَــــــــالِصَـــــةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْــــتَ اللَّهِ مَبْرُورُ
فاتقوا الله عباد الله، وانظروا في الأموال التي تدفعونها لحج بيت الله الحرام، فإن كانت من مصدر حلال ورزق حلال فهنيئًا لكم، وإن كانت غير ذلك فواجبٌ على المسلم أن يتوب إلى الله من مكاسب الحرام، وعليه أن يجتنب الحج بها.
|